المنظمات الدولية ومشاريع التنمية..من الخطاب الرأسمالي إلى رؤية الشهيد القائد رؤية الشهيد القائد لاستراتيجيات المواجهة والنهوض الاقتصادي الزراعي.. (2)
إبراهيم الهمداني
وفي سياق مواجهة تلك التبعية الاقتصادية للمنظمات الغربية، والأخرى العاملة في فلكها، والمشاريع التنموية الوهمية التي تدَّعي تقديمها، ولا تجني الشعوب من ورائها إلا الخراب ومزيدا من التبعية والارتهان يقدم الشهيد القائد خطوات استراتيجية غاية في الأهمية، لتحقيق المواجهة المتكافئة والنهوض بهذه الأمة، انطلاقا من استشعار العداء لأمريكا وإسرائيل، وعدم توليهم، والالتزام بالتربية الإيمانية، ابتداءً بالحكام وانتهاءً بالشعوب، وكذلك ضرورة الاهتمام بالوضع الاقتصادي للأمة، بما يجعل “الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها، مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري”، إضافة إلى ضرورة مقاطعة شركاتهم وبضائعهم ومنتجاتهم، وهنا يضع الشهيد القائد تساؤلاً مفاده “لماذا لا تتخذ الدول العربية قراراً بقطع التعامل الاقتصادي مع أي شركة إسرائيلية، أو تدعم إسرائيل، أليس باستطاعتهم هذا”، مؤكداً أن المقاطعة وسيلة فعَّالة لضرب اقتصاد أعدائنا، وكسر حدّة هيمنتهم علينا..
ثم ينتقل بنا الشهيد القائد إلى الاستراتيجية التالية لعملية المقاطعة، وهي ضرورة إنشاء كيان تجاري مشترك يتمثل في إقامة سوق إسلامية مشتركة، مشيراً إلى أن الإمام الخميني قد تبنى هذه الفكرة، وإيران تبنت هذه الفكرة ودعت إليها وألحت عليها، فمن أجل أن يملك العرب قرارهم السياسي “لا بد أن تكون لهم سوق إسلامية مشتركة، بحيث يحصل تبادل تجاري بين الدول الإسلامية، ومع بلدان ليست مستعدة أن ترتبط اقتصاديا بأمريكا”، وهذه الخطوة تحتم على العرب والمسلمين أن تكون لهم عملة موحدة، منوهاً بتجاهلهم أهمية مثل هذه الخطوة، فلم “يتجه العرب أو المسلمون إلى أن تكون لهم عملة إسلامية موحدة”، تكفيهم شر هيمنة الدولار الأمريكي، الذي يستنزف الاقتصادات المحلية، وتأتي خطوة محاربة الفساد – كضرورة ملحة – ضمن استراتيجية مشروع الشهيد القائد في بناء الاقتصاد الوطني، حيث يعزو سبب انتشار الفساد إلى الحكام، لأنهم “هم الذين يكونون بشكل يجعل الفساد ينتشر فتقل البركات، وتكون خططهم الاقتصادية فاشلة”، ويصل الشهيد القائد إلى ذروة المشروع الاقتصادي الوطني الذي يسعى إلى تحقيق الاعتماد على الذات حين يقدم لنا البديل الأمثل للمنظمات الخارجية التي لا تعدو عن كونها منظمات استخباراتية تعمل لصالح الأعداء، وتجعل الشعب يتواكل في طلب رزقه ومعاشه، ويعتمد كليا على ما تقدمه له من فتات تحت مسمى مساعدات غذائية أو مشاريع تنموية، وهي في حقيقتها منظمات هدامة، ومشاريعها هدامة أيضا، والحل البديل للمنظمات ومساعداتها هو عدم الركون إليها مطلقا، وضرورة الاهتمام بالزراعة، وإحياء وتفعيل دور الجمعيات الزراعية، خاصة في مشاريعها الزراعية التنموية المؤسسية، واستحضار مصطلح الأمن الغذائي في سياساتها وتوجهاتها، وبدلا من استهلاك تلك القروض الهائلة فيما لا نفع فيه ولا عائد منه “لماذا لا تُوجه أو يوجه القسط الأكبر منها إلى الاهتمام بالزراعة، هل نتحمل القروض ثم لا نجد قوتنا مؤمَّناً أمامنا؟” .
إن الاهتمام بالزراعة في استراتيجية الشهيد القائد يتجاوز الزراعة في مفهومها التقليدي وعملياتها الفردية المعروفة إلى مشروع الزراعة المؤسسية القائمة وفق رؤى وبرامج وطرق وأساليب علمية حديثة تقوم على العمل المؤسسي الجمعي، وهنا تحضر الجمعيات الزراعية بوصفها البديل الأمثل للمنظمات الذي يضمن لهذا الشعب تحقيق حريته واستقلاله وسيادته من خلال استقلاله الاقتصادي، واعتماده على نفسه في توفير لقمة عيشه، لكن الجمعيات الزراعية تلك لن تحقق الدور المنوط بها إلا من خلال تضافر عوامل قيامها ونجاحها، وأول عواملها هو المزارع، ومراكز التسويق، والدعم الحكومي للديزل، والمدخلات الزراعية، وهنا يتساءل الشهيد القائد عن سبب غياب تلك العوامل “أين هو الدعم للمزارعين؟ أين هو الدعم للزراعة؟ أين هو الدعم للجمعيات الزراعية؟ أين هي مراكز التسويق لاستقبال منتجات المزارعين؟ أين هو التخفيض للديزل نفسه الذي هو ضروري فيما يتعلق بالزراعة؟ والمواد الكيماوية الضرورية للمنتجات الزراعية؟”..
كانت هذه قراءة سريعة ومختصرة لرؤية الشهيد القائد حول مشاريع التنمية الحقيقية، وفي مقدمتها مشروع التنمية الزراعية بوصفه البديل الوحيد والحقيقي لمشاريع التنمية الغربية وعمل المنظمات، وقد قدَّم الشهيد القائد المشاريع الزراعية المؤسسية كخطوة من خطوات استراتيجية بناء الاقتصاد الوطني، والتحرر من الاستلاب والتبعية الاقتصادية التي ينتج عنها دائما الارتهان السياسي..
إن ما طرحه الشهيد القائد ليس مجرد كلام نظري، أو حلولاً بعيدة المنال، بل هي قراءة متعمقة لإشكاليات الواقع وتداعياتها في المستقبل، وتقديم الحلول النابعة من واقع المجتمع، وحاجته الملحة إلى تجاوز حالة الوهن والضعف التي يعاني منها ويشكو ويلاتها، وتكمن قوة تلك الحلول في تلقائيتها وبساطتها، ويقين الناس جميعا بإمكانية تحققها ونجاحها، خاصة عندما يتحقق صدق النية، والالتفاف المجتمعي والشعبي حول القائد الحر الكريم الذي يرفض الانصياع لهيمنة الرأسمالية، ويأبى على شعبه أن يظل رهين ما تجود به المنظمات التي تهدم أكثر مما تبني، وتسلب أكثر مما تهب، ليصبح مفهوم الاقتصاد المقاوم هو الوجهة الشعبية الأولى، وتكون المقاومة خياراً جمعيا، وبناء الاقتصاد الوطني مبدأً لا محيد عنه .