ما ينبغي أن يكون مفهوماٍ ومعلوماٍ لدى الجميع أن الحرب التي نخوضها اليوم على الإرهاب قد كتبت علينا ولم نخترها أو نتمناها حيث كانت اليمن في مقدمة بلدان الأرض تعرضاٍ لأضرار ومخاطر الإرهاب فقد داهمتها هذه العاصفة المدمرة في وقت مبكر كان فيه التفكير منصباٍ ومتمحوراٍ على قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة موروثات حقبة التشطير الثقيلة التي ورثتها دولة الجمهورية اليمنية الفتية.
ومما لا يغيب عن ذهن أي متابع أن اليمن قد استهدفت بشكل مباشر من قبل عناصر الإرهاب قبل أحداث الـ11 من سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل حادث الاعتداء على المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” في ميناء عدن قد كشف عن أن اليمن قد وضعت على رأس قائمة الدول المستهدفة من تنظيم القاعدة وعناصره المتطرفة الذين عادوا إلى بلدانهم بعد انتهاء حرب أفغانستان ضد ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي حيث خرجت تلك العناصر من افغانستان بعد أن لغمت عقولها بأفكار متطرفة ومتشددة.
ومع أن اليمن شأنها شأن معظم الدول الإسلامية قد حرصت على مراقبة تصرفات من عادوا إليها من اليمنيين الذين ذهبوا لمقاومة المد الشيوعي في أفغانستان بدعم كامل من مختلف الدول الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية فإنها لم تكتف في ذلك بالجانب الرقابي بل عملت على اتخاذ العديد من الوسائل لتصحيح حالة الانحراف لدى بعض أولئك الشباب.
ومن أهم الخطوات التي تم اعتمادها لمعالجة الأفكار الخاطئة التي عشعشت في أذهان المغرر بهم نهج الحوار حيث أصدر فخامة الرئيس علي عبدالله صالح – رئيس الجمهورية في أغسطس من عام 2002م توجيهات بتشكيل لجنة من علماء اليمن لمحاورة المغرر بهم وإقامة الحجة عليهم وإقناعهم بالمرتكزات الصحيحة لأحكام الإسلام وجوهره النقي القائم على الوسطية والاعتدال والتسامح ونبذ العنف والتعصب والتشدد والتطرف والغلو.
وقد نجحت اليمن في تخليص العديد من المغرر بهم بالفكر والمنطق والعقل من أغلال التعبئة الخاطئة وإعادتهم إلى جادة الصواب عبر تأهيلهم وإدماجهم في صفوف المجتمع كمواطنين صالحين يلتزمون بالدستور والقوانين في الوقت الذي تم وضع هؤلاء تحت الرقابة الأمنية المستمرة لتقييم سلوكهم ومدى التزامهم بنتائج الحوار وأي حالة لم تستجب لذلك النهج وظلت مسكونة بفكر التطرف والتحجر فقد تم إخضاعها للإجراءات القضائية ومحاكمتها وإيداعها السجن.
وكما هو واضح فلم تدخر الدولة جهداٍ في مواجهة شرور الإرهاب يدفعها في ذلك الإدراك العميق لأهمية ترسيخ عوامل الأمن والاستقرار والذي يشكل المدخل الضروري لإنجاز أهداف البناء التنموية وتحقيق النهوض الاقتصادي.
وإذا ما تم استقراء جميع هذه الوقائع سنجد أن الحرب على الإرهاب التي نخوضها اليوم دون هوادة لم تملها حاجة خارجية وإنما ضرورة وطنية للحفاظ على سلامة وطننا ومصالحه العليا من ذلك الخطر الماحق الذي تضاعفت كوارثه بتحوله إلى ظاهرة عالمية عابرة للقارات لا دين لها ولا وطن ولا ملة.
وأفدح ما في هذا التطور الإرهابي أنه صار يتهدد العالم بأسره بعد أن تشابكت تعقيدات هذا الوباء السرطاني إلى درجة بدا فيها أكثر استفحالاٍ وأكبر من طاقة خطط المواجهة في بعض البلدان كما هو الحال في افغانستان التي تعرضت يوم أمس لواحدة من أشد الهجمات الإرهابية عنفا وكذا الصومال التي ترتهن منذ سنوات طويلة لمشيئة الإرهاب وأعماله الإجرامية.
نقول هذا واعتقادنا ثابت ويقيننا راسخ بأن أبناء الشعب اليمني بأحزابه وتنظيماته السياسية ومنظماته الجماهيرية وشرائحه الاجتماعية يتمتعون بقدر عال من الوعي بأن معركتنا مع الإرهاب وكل النتوءات التي تسعى للنيل من استقرار الوطن هي معركة كل اليمنيين وليست فقط معركة الحكومة والأجهزة الأمنية وأن هذه الحرب لا ينبغي لها أن تتحول بأي شكل من الأشكال إلى وسيلة للمزايدة أو المساومة أو ورقة من الأوراق السياسية التي يراد من خلالها كسب بعض الصفقات والمصالح الحزبية والشخصية والأنانية الضيقة أو أن تصبح أداة من أدوات الاستغلال الديماغوجي الفاضح باعتبار أن أمن الوطن واستقراره لا مجال فيه للتلاعب ومحاولات الانزواء جانباٍ.
وفي هذه النقطة تحديداٍ فإننا ندعو كل الذين جعلوا من أنفسهم متفرجين إلى مراجعة مواقفهم بدلاٍ من مطالبة الدولة بالتراجع عن القيام بواجباتها ومسئولياتها في الدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره والسكينة العامة لمجتمعه.
ولعل ما تعرضت له اليمن من أعمال الإجرام الإرهابية وما كان يعد لتنفيذه من مخططات عناصر الإرهاب والتي تم وأدها بالعمليات الاستباقية الأخيرة يفرض على أولئك المتفرجين إمعان النظر في مواقفهم وإطالة التفكير فيها ومحاسبة الذات وتغليب مصلحة اليمن على غيرها من الحسابات والمصالح وإعادة صياغة علاقاتهم مع وطنهم على نحو يغلب عليه حسن التقدير والرأي المستنير وصولاٍ إلى استشعار مسؤولياتهم حيال هذا الوطن الذي ينتمون إليه لكونهم معنيين بحكم انتمائهم لهذا الوطن بصون ثوابته وحماية استقراره وسلمه الاجتماعي والذود عن مصالحه بكل إخلاص وتفان.
وتأسيساٍ على هذه المسؤوليات فإن هناك أسباباٍ كثيرة تدعوهم إلى التخلي عن سلبياتهم والفهم الدقيق أن درء الخطر الإرهابي عن وطننا اليمني واجب أصيل لا يسقط البتة عن أي فرد أو جماعة في السلطة والمعارضة.. ومن يتنصل عن هذا الواجب إنما يتخلى عن كل ارتباط بهذا الوطن ليصبح في عداد من رضوا لأنفسهم حياة الذل والانحطاط وانساقوا وراء غرائزهم ومطامعهم ونزواتهم عن طريق التسكع والتسول على أرصفة بعض العواصم العربية والأجنبية وهؤلاء ومهما جنوا من الأموال الحرام سيظل ينظر إليهم أبناء الشعب اليمني باحتقار بعد أن باعوا أنفسهم للشيطان بثمن بخس ليخسروا كرامتهم حينما تحولوا إلى إمعات ومطايا لأجندة خارجية تحقد على اليمن ووحدته وأمنه واستقراره.
ومن لا يعرف معنى حب الوطن والولاء له لا خير فيه لنفسه ودينه وأهله وأمته ولن يجني في دنياه وآخرته سوى الخسران والخيبة والخزي.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا