كان سكان صنعاء متأهبين على الدوام قبيل مغيب الشمس لسماع دوي مدفع جبل نقم الشهير إيذانا بحلول موعد الإفطار حتى إن الأطفال الصغار كانوا يراقبون في مجاميع متناثرة دوي المدفع لينطلق كل منهم إلى بيته في مشهد بديع يحكي فرحة وابتهاج الأطفال بالشهر الكريم.
وظلت تلك المظاهر حاضرة في صنعاء وغيرها من المحافظات حتى ما قبل اندلاع الحرب عشية الـ26من مارس 2015م ليختفي المدفع لكنه ظل في وجدان الكثير من المواطنين وخاصة كبار السن الذين عايشوا ذلك الصوت المميز لعقود طويلة ويقول الحاج محمد الكدس ذو السبعين عاما بأن رمضان بدون سماع مدفع نقم يظل منقوصا وليس بنكهة الزمن الذي كان يدوي فيه المدفع ليهز أرجاء صنعاء ..ويضيف الكدس وهو صاحب حانوت قديم لبيع الزبيب بصنعاء القديمة بأن أكثر ما آلمه في هذا الجانب ما تناهى إلى أذنه من أنباء حول تدمير مدفع نقم إثر غارة للطيران الحربي بعد أسابيع قليلة من بدء العدوان .الثورة / زهور عبدالله
تراث عريق
ويعد مدفع رمضان تراث شعبي اعتاد اليمنيون عليه في الإفطار والإمساك طيلة الشهر المبارك فيما يعيده البعض إلى عادة ابتكرها الأتراك خلال حكمهم لليمن منذ القرن الثامن عشر الميلادي وحتى بداية القرن التاسع عشر لتستمر هذه العادة إلى ما قبل خمس سنوات ..وعادة ما يستخدم فيها المدافع العثمانية القديمة التي تم وضعها في أبراج القلاع والحصون وأسفح الجبال المطلة والمحيطة بالعاصمة وعدد من المدن لهذا الغرض الذي لم يلغيه التطور الهائل في وسائل الإعلام والاتصالات وبقي هذا الإرث يحتل مكانة خاصة في قلوب اليمنيين.
جزء من الذاكرة
روحانية الشهر الكريم لم تعد مرتبطة بمواقيت رمضان التي كانت هامة جبل نقم تعلن وقت الإفطار على جرس مدفع نقم الذي أصبح جزءا من ذاكرة المجتمع اليمني المسلم منذ أطلق في أوج أيام الدولة العثمانية.
فمدفع نقم هذا العام ومنذ خمس سنوات لم يعد يبعث لمسامع أكثر من 3 ملايين نسمة يقطنون صنعاء صدى انفجار مدفعه في فجر ومغرب كل يوم رمضاني بعدما صار جبل نقم محتضنا لانفجارات صواريخ وقنابل العدوان
ويقول الحاج أكرم الثلايا – 50 عاما من سكان صنعاء نقم – إنه منذ ما يقارب الأربعين عاما كنا نفطر على وقع انفجار (مدفع رمضان) من فوق جبل نقم قبل أن تقوم طائرات العدوان بشن هجماتها على هذا الجبل وقتل الفرحة الرمضانية في قلوب سكان مدينة صنعاء الذين اصبحوا يسمعون دوي انفجار صواريخ وقنابل العدوان على جبل نقم وعلى العديد من الاحياء السكنية وأصبحت طائرات العدوان تزيد من غاراتها وقت المغرب والسحور
صوت المدفع
ومنذ اطلاق مدفع نقم في العهد العثماني كما تؤكد الروايات كان المؤقت الوحيد لمدينة صنعاء وضواحيها للإفطار والإمساك وكان يربض في جبل نقم المطل على صنعاء وتؤكد المصادر أن أشهر مدفع في اليمن هو مدفع الإفطار في صنعاء والواقع في جبل نقـم الذي يرتفع عن سطح البحر بنحو ثلاثة آلاف متر على سطح البحر ويساعد ارتفاع الجبل المطل على اتساعات صنعاء وضواحيها في إيصال صدى صوت المدفع إلى أكبر قدر من الناس ويصل مدى صداه العالي إلى 20 كيلو متراً مربعاً أو أكثر .
روحانية الشهر الكريم
ويقول الحاج علي المطري إنه منذ أكثر من خمسين عاما كنا نفطر على انفجار مدفع رمضان وأيضا نمسك على صوت المدفع .. كان توقيتا متعارف عليه منذ القدم وكان يزيد من روحانية هذا الشهر الكريم وكانت فرحة الأطفال كبيرة جدا عند سماعه، حيث كان معظم الأطفال يأخذون بعض التمر ويجلسون في المناطق القريبة من جبل نقم لسماع دوي انفجار مدفع نقم عن قرب والإفطار بالقرب منه.
ويقول الكثير من أهالي صنعاء من كبار السن، إن سماع مدفع نقم وقت الإفطار والإمساك عادة اشتهرت وانتشرت في أوج أيام الدولة العثمانية واستمرت في نقم في عهد الإمامة و ما قبل الثورة اليمنية غير أن هذه العادة توقفت بعد الثورة اليمنية ولأسباب عديدة منها استخدام القذائف الحية وما تخلفه من أضرار واستطالة فترة الحرب الجمهورية الملكية التي شهدتها صنعاء وصولا لحصار السبعين، ناهيك عن دخول البدائل لتلك العادة كالساعات الدقيقة في الوقت.. ولكن لم يستمر الإلغاء والتوقف كثيرا، نظرا لارتباطه بذاكرة الناس حيث كان الكل يسأل عليه في رمضان، فتم استبدال القذائف الحية بالقذائف الصوتية.. وقبل هذه الفترة الزمنية كان يتم إطلاق المدفع مساء يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان, إذا ثبتت رؤية هلال شهر رمضان وإلى عصر الثلاثين منه، وكانت تطلق 21 قذيفة حسب ما يذكرها البعض..
وتقول الحاجة تقية الصرابي – تعمل في بيع اللحوح – إن مدينة صنعاء تتميز بأجوائها الرمضانية الجميلة، وإن مدفع رمضان لم يتوقف منذ سنين طويلة إلا بعد أن دمرته طائرات العدوان وكان ذلك سببا في إسعاد الناس الذين اعتبروا ذلك أحد المظاهر المهمة للاحتفاء والاحتفال بهذا الشهر المبارك، فاستخدم المدفع للتنبيه في وقتي الإفطار والسحور.