واشنطن/
للمرة الأولى في تاريخ بورصة نيويورك هبط سعر خام غرب تكساس انترميديت في 20 أبريل 2020م بنسبة 306٪ إلى سالب 37.63 دولار، وانتشرت الأخبار بسرعة كبيرة في وسائل الإعلام العالمية، وفي الوقت نفسه أثيرت فرضيتان حول القضية، إذ ترى مجموعة أن هذا الأمر لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد وأن ليس من الممكن حدوثه من الناحية العملية، وعلى صعيد آخر يرى المراقبون في مجال الطاقة أن هذا الحدث له أهمية كبيرة بالإضافة إلى كونه ذا تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي.
يرجع الانخفاض هذا فقط إلى النفط الذي سيتم تسليمه في شهر مايو المقبل في سوق العقود الآجلة الأمريكية، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن انخفاض أسعار النفط العالمية سبق أن حدث في الماضي، ففي السبعينيات شهد الاقتصاد العالمي صدمة نفطية كبيرة بسبب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973م، ولكن بعد الاتفاق العربي الأمريكي تراجعت أسعار النفط بصورة حادة، وفي عام 2008م أيضا انخفض سعر برميل النفط من 147 دولارًا إلى أقل من 40 دولارًا بسبب الأزمة المالية العالمية.
ومع ذلك، شهدت بدايات عام 2020م، انخفاض سعر النفط بشكل تدريجي بعد تفشي فيروس كورونا في العديد من الدول ،إذ انخفض سعر البرميل إلى أقل من 30 دولارًا. وفي هذا الصدد، ألقى العديد من المراقبين الاقتصاديين والسياسيين الدوليين باللوم على التنافس بين المملكة العربية السعودية وروسيا وتزامنهما مع تفشي كورونا.
وحتى اتفاقية الدول الكبرى المصدرة للنفط المسماة “أوبك بلس” لم تتمكن من تغيير هذا المنحى، لكن الصدمة الكبرى جاءت بعد الهبوط التاريخي لأسعار خام غرب تكساس الوسيط، إذ يتوجب على بائعي النفط الأمريكيين للمرة الأولى في التاريخ أن يدفعوا لمشتري النفط مبالغ مالية مع كل برميل يباع.. والسؤال الآن هو: لماذا حدث هذا، أو بعبارة أخرى، كيف يمكن تقييم أسباب ذلك؟
عزا العديد من الخبراء في بداية الأمر السبب الرئيسي إلى تفشي فيروس كورونا، إذ أدى إلى إغلاق مراكز الإنتاج وانخفاض الطلب على شراء النفط، وفي الواقع كان لتفشي كورونا وفرض الحجر الصحي في مختلف دول العالم تأثير تاريخي على العلاقات البشرية على مختلف المستويات، وخاصة على المستوى الاقتصادي، وقد أدى ذلك إلى انتشار البطالة وإغلاق مراكز التسوق وانخفاض الصادرات والواردات، ونتيجة لذلك انخفضت الحاجة إلى استهلاك النفط بشكل حاد، والذي كان إلى حد كبير عاملاً خطيرًا في نقص الطلب على النفط، وهو السبب الأول للانخفاض التاريخي في أسعار النفط الأمريكية.
ويرى الخبراء أن سبب انخفاض الأسعار من 18 دولاراً للبرميل الواحد إلى 37 دولاراً، أي في الحقيقة انخفاض بقيمة 55 دولاراً للبرميل هو أن الشركات الأمريكية لم يعد لديها مكان لتخزين نفطها، إلى جانب تفشي كورونا والآثار الاقتصادية التي ترتبت على اثرها، وفي الواقع خفضت شركات النفط قدرتها الاستخراجية بنسبة 13% في أسبوع واحد في الولايات المتحدة وحدها.
وقال بيل فلاين- المحلل في مجموعة “فيوتشرز تريدنغ” بشيكاغو- “إن احتياطيات النفط أكثر بكثير من أن يقوم المضاربون بعمليات الشراء، كما أن المصافي هي أيضا في أدنى مستوى من الإنتاج ويعود ذلك إلى انخفاض الطلبات بشكل حاد بعد تطبيق الحجر الصحي.” ،وشدد على أنه ليس هناك أمل كبير في أن يتغير كل شيء خلال الـ 24 ساعة القادمة، ومع ذلك من غير المرجح أن تستمر أسعار النفط هذه طويلًا، لأن سرعة إنتاج النفط تنخفض بسرعة، ومن المرجح أيضا أن يزداد الطلب على المشتريات تزامنا مع الحد من قيود الحجر الصحي تدريجيًا.
التراجع التاريخي في أسعار النفط في الولايات المتحدة سيؤثر على جميع الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك أوبك والدول غير الأعضاء، ويجب على جميع الدول إعداد خطة شاملة ضد تقلبات أسعار النفط، إذ تواجه الآن جميع البلدان مهمة صعبة لحماية صناعتها النفطية، في حين تواجه إيران وفنزويلا وليبيا في الوقت ذاته مشاكلها الخاصة إضافة إلى العقوبات الاقتصادية، لذلك فإن الوضع سيكون أكثر صعوبة لجميع الدول في سوق النفط العالمية وستتكبد الدول تكاليف عالية، حيث لن يكون لغياب بعض الدول في السوق أي تأثير.
بالإضافة إلى ذلك، فإن صدمة انخفاض أسعار النفط تعني أن إنتاج النفط الصخري في بعض الولايات الأمريكية لن يكون نافعا من الناحبة الاقتصادية، وسيتعين على أصحاب المعامل وقف إنتاجهم، ما سيؤدي إلى بطالة العمال وبالتالي سيشكل خطرًا على الاقتصاد الأمريكي في الانتخابات القادمة ما يؤثر على أصوات العمال في الانتخابات، وبشكل عام يمكن اعتبار الانخفاض في أسعار غرب تكساس الوسيط قضية رئيسية يمكن أن تمهد الطريق لتغيير القوة والسياسة في أمريكا، ما سيؤدي إلى هزيمة دونالد ترامب في السباق الرئاسي هذا العام.