استهداف المساجد والمعالم الإسلامية والتاريخية نموذجاً
العدوان يحاول طمس الهوية الوطنية والإيمانية والتاريخية لليمنيين
الثورة / خليل المعلمي
ها هو الشعب اليمني يلج من بوابة العام السادس صامداً بطلاً ليسجل للتاريخ وللأجيال القادمة قصة صمود شعب، وقوة بأس أهل اليمن ضد العدوان والظلم والطغيان.. لم تكن السنوات الخمس الماضية إلا وقوداً للصمود وصولاً إلى النصر القريب بإذن الله تعالى.
لقد تكالبت علينا الأمم، وجاءت من الشرق والغرب، ولم تكن الخمسة الأعوام السابقة سهلة لليمنيين فقد استهدفوا في مقومات الحياة بشكل لم ولن يشهد له تاريخ الإنسانية مثيلاً.
لقد مثلت اليمن وعبر التاريخ أهم الحضارات القديمة منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، فالشواهد كثيرة ومتعددة من آثار ومعالم ومواقع ممتدة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.
تزخر بلادنا بالتنوع الثقافي والعلمي عبر عقود وقرون من التميز الحضاري الممتد إلى ما قبل الإسلام، وكان لأجدادنا اليمنيين الفعل الحضاري والثقافي والتعايش مع الحضارات القديمة والتفاعل معها، ولهذا انتشرت المعالم الثقافية والمواقع الأثرية والتاريخية في كل المناطق اليمنية ولا تكاد لا تخلو منطقة من معلم أثري أو موقع تاريخي، كمسجد أو حصن أو قلعة مدينة تاريخية متكاملة أو جرف أو متحف طبيعي أو بقايا مدينة قديمة تحوي آثاراً وتماثيل وغير ذلك.
ومع الذكرى الخامسة لصمود شعبنا وبلادنا أمام هذا العدوان الغاشم والبربري نستعرض بعض المواقع والمعالم الأثرية والثقافية التي تم استهدافها من قبل العدوان الغاشم وكذا من قبل التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش).
استهداف المساجد
بحسب تقرير صادر عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف فهناك ما يقارب 64 معلماً وموقعاً تاريخياً وأثرياً تم استهدافه من قبل طيران العدوان السعودي الأمريكي الغاشم على بلادنا، في طول البلاد وعرضها خلال الخمس السنوات الماضية، إضافة إلى 20 معلماً دينياً وأثرياً استهدفته الجماعات الإرهابية من داعش والقاعدة.. وكلها قامت الهيئة برصدها وتوثيقها.
ومنذ اليوم الأول للعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على بلادنا كان استهداف المواقع الثقافية والمعالم الأثرية من أهدافه وأولوياته، فبعد بضعة أيام من انطلاق العدوان كان أول تاريخ استهداف لطيران العدوان على هذه المواقع والمعالم في 1 أبريل 2015م، حيث تم استهداف (مسجد حمراء علب) الذي يقع في دار الحيد بمديرية سنحان بمحافظة صنعاء، وهو مسجد صغير يعود للفترة التاريخية الإسلامية، بني من الأحجار، مربع الشكل بمقاسات 6×2متر، بداخله قبر الإمام عبدالرزاق الصنعاني المتوفي سنة 211هـ، حيث تم تدميره تدميراً كلياً.
وفي نفس اليوم تم استهداف مدينة صعدة التاريخية وتم تدمير أجزاء كبيرة منها، وهي مدينة تاريخية يحيط بها سور، تتكون من مجموعة من المساكن التاريخية والمساجد الأثرية والحمامات والأسواق القديمة أدرجتها منظمة اليونسكو في قائمة الانتظار من بين المدن التي ستدرج ضمن قائمة التراث العالمي، وقد تم استهدافها عدة مرات.
كما تم استهداف مسجد حبور ظليمة في 7 سبتمبر 2015م، وهو معلم أثري يقع ضمن محافظة عمران، ويعود تاريخه إلى فترات الأئمة الزيديين في اليمن ويعتبر من أهم المعالم الدينية في منطقة حبور بما فيه من طابع فني في البناء والزخرفة.
جرائم العناصر المتطرفة
لقد أقدمت العناصر المتشددة على استهداف العديد من المساجد والقباب التاريخية في مختلف المناطق اليمنية سنورد منها:
قبة الإمام المهدي في صنعاء التي تعرضت للاعتداء والتفجير من قبل التنظيم الإرهابي في تاريخ 12 يونيو 2016م، وهي معلم إسلامي بناها الإمام المهدي عباس سنة 1164هـ.
مسجد الحسيني -أحد المساجد القديمة في عدن- وتعرض للتفجير.
ضريح الإمام محمد بن علوي الشاطري في عدن، وفيه رفاته، وقد توفى عام 400هـ.
قبة الشيخ يعقوب، وهي قبة أثرية فيها ضريح الشيخ يعقوب بن يوسف بن علي، أقيمت بجانبها أكبر وأقدم مقبرة في المكلا عام 1158م.
قبة الشيخ عبدالهادي السودي، وهي معلم أثري في مدينة تعز، بناها الشيخ العلاَّمة عبدالهادي السودي 640هـ.
قبة الشيخ مزاحم بن أحمد باجابر الواقعة في بروم- حضرموت، وهي معلم أثري دفن فيها الإمام مزاحم بن أحمد باجابر تعود إلى 600هـ، وقد تعرضت للتفجير من قبل تنظيم القاعدة.
قبة الشيخ الإمام السقاف التي تقع في منطقة الوهط- لحج، وهي معلم أثري يعود تاريخه إلى ما قبل 700 عام.
مرقد الولي حسن البحر، وهو من المعالم الدينية في مديرية تبن من مراقد الأولياء الصالحين.
قبة الحبيب حمد بن صالح، وهي معلم ديني وقبة قديمة تقع في منطقة الوسط في الشحر تعود إلى ما قبل 800 عام، وقبة وضريح الشيخ المعيني في مدينة تعز وهي قبة أثرية وفيها مقام الشيخ مدافع بن أحمد المعيني يرجع تاريخها إلى 640هـ.
ضريح الإمام المغربي، وهي قبة وفيها ضريح الإمام المغربي وتعد من المعالم الأثرية القديمة في ميفعة شبوة، وقباب مقبرة إسماعيل، وهي مجموعة قباب أثرية وتاريخية تعود إلى مئات السنين، وتقع في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت.
مجموعة قباب غيل باوزير وعددها 6 قباب بناها آل باوزير في مدينة الغيل ودفنوا فيها، وتعتبر هذه القباب من بين مجموعة قباب كثيرة، ومعالم دينية ورموز لمن بنوها من مشائخ باوزير وآل باعلوي.
قبة ومرقد الشيخ سعيد القطيش، وهي قبة أثرية وتاريخية بناها الشيخ سعيد القطيش أحد علماء الشافعية في بداية القرن الرابع الهجري وتعرضت للتفجير من قبل تنظيم القاعدة.
ضريح السيد حسن، وهو عبارة عن قبة أثرية من معالم منطقة الضبيات فيها ضريح السيد حسن يعود تاريخها إلى فترة الدولة الطاهرية، وتقع في محافظة الضالع.
ضريح وقبة الإمام البرساني وهي قبة وضريح الشيخ الإمام أبو إبراهيم بكر بن عمر بن يحيى الفرساني تعود إلى العصر الإسلامي 800هـ، وتقع في مديرية المخا.
مسجد وضريح العلامة أحمد الفاز، وهو مسجد وضريح أثري بناه الإمام العلاَّمة أحمد الفاز في ساحل زبيد المعروف تاريخياً في القرن السابع الهجري ويقع في مديرية التحيتا في محافظة الحديدة.
وهكذا ندرك الحقد الدفين للعدوان وأدواته ضد ما هو تاريخي وحضاري ويمثل نقطة إشعاع في التاريخ الإسلامي بل وفي التاريخ الإنساني، وسنورد بعض الأمثلة منها جامع ومقام عبدالهادي السودي وسفيان بن عبدالله صاحب حوطة لحج.
مقام عبدالهادي السودي
في سابقة خطيرة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً عبر السنين والقرون، وبالأخص ونحن نعيش حضارة القرن الواحد والعشرين إلا أن هناك من لا يزال يعيش في قرون العصر الحجري، حيث أقدمت مجاميع مسلحة من العناصر المتشددة، على تفجير قبة أثرية في المدينة القديمة بحي الأشرفية في محافظة تعز، وهو جامع ومقام عبدالهادي السودي.
وقد تناقلت وسائل الإعلام في حينها أن متشددين وعناصر متطرفة من تنظيم “حماة العقيدة” السلفية، الذي يقوده “أبو العباس”، وهو قائد إحدى الكتائب التي زرعها الاحتلال الإماراتي في أجزاء من بلادنا، قاموا مساء الجمعة 29 يوليو 2016، بزرع عدد من العبوات الناسفة في أركان قبة مقام العارف بالله الشيخ عبد الهادي السودي، أحد أشهر أولياء اليمن، الواقع في المدينة القديمة بحي الأشرفية، وقامت بتفجير القبة التاريخية ما أدى إلى تدميرها بشكل شبه كلي وتضرر عدد من المنازل المجاورة.
وفي ظل الغياب الأمني التي تعيشه المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال السعودي الإماراتي وأدواتهما فإن العبث يطال كل شيء والفوضى هي سيدة المكان، فقد كان جامع ومقام وقبة الإمام “السودي” قد تعرض للعبث والنهب ونبش قبور الأولياء داخله من قبل متطرفين في منتصف سبتمبر 2015، ترافق ذلك مع حملة نفذتها هذه العناصر بهدم عدد من الأضرحة والمدارس الدينية التاريخية في محافظات عدن ولحج والمكلا.
أبرز أعلام الصوفية
ويعد الشيخ الإمام عبدالهادي السودي من أبرز أعلام الصوفية في اليمن، فبالإضافة الى أنه من أسرة علم وصلاح وفضل وتقى، فقد ملأت شهرته كعالم وأديب الآفاق، وسيرته العطرة منهل عذب للمشتغلين والمهتمين بتراث الصوفية، وكان مولده في أواخر القرن التاسع الهجري.
وللإمام السودي العديد من المؤلفات، منها: ديوان شعر أسماه (بلبل الأفراح وراحة الأرواح)، وفي شعره جودة وطلاوة، وأكثره على طريقة أهل التصوف.
وتعتبر قبة مسجد الشيخ عبدالهادي السودي من أكبر القباب في اليمن، وتاريخها يعود إلى حقبة الدولة الطاهرية، ولونها الأبيض يأسر الأبصار، وهي من أجمل المعالم الدينية في تعز القديمة من عصر الخلافة العثمانية.
حوطة سفيان
ومن أهم المعالم الأخرى التي أقدمت العناصر المتشددة والمتطرفة على الاعتداء عليها، ضريح العالم الجليل سفيان بن عبدالله، ويعتبر أحد المعالم الإسلامية الهامة في الحوطة “عاصمة محافظة لحج”، حيث قامت تلك العناصر بهدم المعلم ونبش القبر وتسوية القبة وملحقاتها بالأرض، وتعرف مدينة الحوطة “بحوطة سفيان”، وفي حينها أكدت العديد من المصادر أن تلك العناصر يتبعون تنظيم القاعدة، وأنهم كانوا على متن نحو 30 دراجة نارية.
ولهذه المعالم والأضرحة أهمية تاريخية وثقافية، وهدمها يعتبر هدماً لتاريخنا وحضارتنا وثقافتنا، وتؤكد الكثير من المصادر التاريخية أن تاريخ الضريح يعود إلى أكثر من 800 عام، وتذكر كتب التاريخ والتراجم عن صاحب القبر، سفيان بن عبدالله، أنه “كان عالماً ورعاً ومجاهداً شجاعاً قاتل الفرنجة في دمياط بمصر، وكان ضمن الجيش الذي دخل بيت المقدس بصحبة صلاح الدين الأيوبي، ويعود نسبه، للإمام جعفر الصادق الذي توفي فيه سنة 612 هجرية.
معالم أخرى
لم تكتف هذه العناصر الخارجة عن آفاق التاريخ بذلك، بل أقدمت عناصر أخرى تنتمي لنفس الفكر ونفس الهمجية على الاقتحام والعبث والتخريب والتشويه بمقامات أخرى ومنها ما قامت به هذه العناصر من اقتحام زاوية الطريقة الأحمدية وإغلاقها بعد العبث والتخريب والتشويه بمحتوياتها في منطقة الشيخ عثمان بمحافظة عدن، وقبل ذلك قامت نفس تلك العناصر أو أخواتها بتفجير عدد من الأضرحة منها مسجد وضريح عمر بن علي السقاف، وضريح ولي الله حسن البحر في محافظة لحج، وتفجير ضريح الإمام الحبيب محمد بن علوي الشاطري بالمعلا مدينة عدن.
تنديدات واستنكار
لقد أدانت واستنكرت الفعاليات الرسمية والشعبية والدينية هذه الأفعال، حيث طالبت الهيئة العامة للآثار والمتاحف المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمثقفين والحقوقيين باستشعار هذا الخطر المحدق بالآثار اليمنية الإسلامية في ظل ما تتعرض له من تدمير وتخريب من قبل الجماعات المسلحة المتطرفة، كما دعت المنظمات الدولية ممثلة بمنظمة اليونسكو إلى إدراج مواقع التراث في اليمن في دائرة الخطر، والعمل بجد مع اليمن على ايقاف هذا العبث بمقدرات الوطن الثقافية من أي تدمير ممنهج باعتباره تراث أمة وجزءاً من التراث الإنساني يجب على المجتمع الدولي حمايته.
فيما أكدت وزارة الأوقاف والإرشاد من جانبها وعبر كوادرها ومشائخها وأئمة المساجد أن نبش القبور والاعتداء على الأموات محرم في الإسلام ولا يجوز شرعاً، وأوضحوا بالقول: “لا يجوز الاعتداء على الأموات، ونبش القبور، والاعتداء عليها محرم في الإسلام، حتى المشي على الأضرحة لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلاً يجلس على قبر فقال له: قم يا هذا، لا تؤذِ صاحب القبر ولا يؤذيك”، مؤكدين أن تفجير الأضرحة يعتبر جريمة يحرمها ديننا الإسلامي الحنيف والأدلة على ذلك كثيرة من سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
قيمة التراث الثقافي
تمثل وتصنَّف المعالم الدينية ضمن التراث الثقافي والديني للشعوب، وتكمن قيمة التراث الثقافي وأهميته باعتباره تراثاً إنسانياً يجسِّد عبقرية شعب، ويشكِّل حلقة من حلقات التطور الثقافي والحضاري للإنسان، وما يؤكد هذه الأهمية أن ضياع أي أثر أو فقده يشكل خسارة كبرى لا تعوض لا للدولة صاحبة الأثر فحسب بل للإنسانية جمعاء، لأن تراث أي دولة إنما هو حلقة في سلسلة متصلة من الحلقات من قصة الإنسان منذ ظهر على سطح الأرض حتى الآن.
ويؤكد العديد من الاختصاصيين في مجال التراث أن استهداف المعالم والمواقع الأثرية والتاريخية يعتبر عملاً إجرامياً ممنهجاً في إطار عملية التطهير الشامل لهوية وحضارة الشعب اليمني، وأن هذه الجرائم تتم على الرغم من تحذيرات المنظمات الدولية والمحلية بتحييد مواقع التراث والثقافة عن أي صراعات كما تؤكده المواثيق والاتفاقيات الدولية.
إن هذه المواقع والمدن التاريخية والأثرية والممتلكات الثقافية التي استهدفها العدوان في السنوات السابقة لا تقاس خسارتها مادياً فقط وإنما الخسارة معنوية وتاريخية أكبر من كل المعايير والمقاييس الاعتيادية.
وبحسب القوانين الدولية التي تنص على حماية التراث الثقافي الإنساني أثناء الحروب فإن اتفاقية لاهاي لعام 1954م بشأن حماية الملكية الثقافية في حالة نزاع مسلح تُكرّس حماية خاصة تعترف بالتراث الثقافي لكل شعب، وتم تعزيز هذه الاتفاقية ببروتوكولين إضافيين عام 1977م وأصبحت جزءاً من القانون الدولي العرفي.