الشعور بتحرك اليمن في اتجاه الاستقلال أحيا مخاوف قوى الاستكبار فشحذت آلتها العسكرية لاستهدافه
“الوهابية”الشر المستطير
العدوان اليوم يثبت صوابية الخيار اليمني في التمسك بقيمه الأصيلة
عندما اختار اليمنيون التمسك بهويتهم الإيمانية عمدت “الوهابية” إلى ارتكاب مذبحة “تنومة”
كاتب عربي: لهذا تعمدت “الوهابية” إزهاق الأرواح وإطفاء أمل سعادة الأطفال في اليمن
بعد أن جرى تدمير قدرته الدفاعية وفق برنامج منهجي مدروس ومحكم، والاطمئنان إلى إن اليمن لن يكون قادرا على القيام بأي ردة فعل لو جرى استهدافه -وهو ما كان فعلا- حلَّقت طائرات من غير دولة عربية وأجنبية وعلى رأسها: أمريكا، إسرائيل، السعودية، الإمارات، قصفت، دمرت، قتلت، أصابت، شردت، استخدم في الأمر كل أنواع السلاح المشروع وغير المشروع، وانتهك في الأمر كل القوانين والمواثيق الدولية التي تحرم استهداف المدنيين وتستهدف الوسائل التي تساعده على الحياة.. ثم ماذا؟ ثم انتقل الأمر إلى مرحلة أكثر قساوة تمثلت في الحصار بدءاً بنقل البنك المركزي والسيطرة على عوائد النفط والغاز وكافة الموارد انتهاء بحصار الموانئ والمطارات ومنع حتى المواد الغذائية والأدوية من الدخول بالسلاسة التي تضمنها مواثيق الأمم المتحدة لكل شعوب العالم.. ثم ماذا؟
الثورة / وديع العبسي
ثم بدأ يتساءل: كيف لشعب تعرض لكل هذا الاستهداف، وصار في التقييم الأممي يعاني أسوأ كارثة إنسانية عالمية أن يبقى متماسكا، أن يبقى صامدا، ومن رحم الدمار والاستهداف ينهض لينفض غبار الأنقاض ومن ثم يصنع السلاح العسكري الذي يصل به إلى عقر دار المعتدي، يقلب الموازين، يغير معطيات المعادلة، ويمنح كفته ثقلا يجعل منه نهوضاً لمارد سكن طويلا بفعل المؤامرات التي نالت منه سنوات طويلة؟
العالم لا يزال يقف مدهوشاً!! كيف يكون لهذا الشعب الجريح أن يطرح شروطه في طاولة المحاورات وهو الذي راهنت دول العدوان على إخضاعه في وقت وجيز؟!
الصمود هو السلاح البارز والوحيد الذي آثار فضول العالم، لكنه لم يكن كافياً لإشباع تطلع هذا العالم للمعرفة، إذ تحول اهتمام البحث لما يقف خلف هذا الصمود.. ما الذي يجعل هذا الشعب الفقير يصمد كل هذه الفترة أمام الآلة العسكرية الكبيرة، وجبروت الحصار الخانق؟
يقول السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي في الخطاب الذي ألقاه في جمعة رجب ”مصدر قوة اليمنيين نابع من هويتهم الإيمانية، وهي تقف وراء بناء قوتهم العسكرية وصمودهم”.
تساءل البعض: وكيف ذاك؟.. هذا التساؤل ناتج طبيعي عن عدم المعرفة بماهية هذه الهوية، ومكون هذه الهوية، وأساسها، وتأثيرها.
تعرَّف الهوية فيما اتفقت عليه علوم الاجتماع بأنها مجموعةٍ من السّمات الخاصّة والمُميّزات التي يمتلّكها الأفراد والمجتمعات، والتي تحقق فيهم صفة التفرّد عن غيرهم، وهناك العديد من الهويات في المجتمعات: الهوية السياسية، هوية النظام الاجتماعي، الهوية الوطنية، والقومية.
يرى البعض أن الهوية الإيمانية سلوك وانتماء ديني وأخلاقي ووطني لها تأثير إيجابي في بناء النفس البشرية وتهذيبها والارتقاء بالإنسانية إلى مستويات تؤهلها للارتباط الوثيق بدينها وقيمها.. وأن الهوية الإيمانية هي البطاقة التعريفية للإنسان المؤمن، وهي علاقة وانتماء للإيمان، كما أنها أسمى وأشرف هوية يمكن للمرء أن ينالها من خلال ارتباطه بالله سبحانه وتعالى واعتبار أنها الانتماء المطلق للإيمان والالتزام بطاعة الله تعالى والعمل بما جاء في القرآن الكريم والاقتداء بالسيرة النبوية.
كما جاء في كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي “إن التمسك بالهوية الإيمانية وقيم الدين الإسلامي هما الدرع الواقي والحصن الحصين اللذان يعززان وحدة النسيج الاجتماعي، ويقويان أواصر الأخوة الإيمانية بين أبناء الوطن الواحد”.
ويقول مطهر يحيى شرف الدين “الهُوية الإيمانية اليمانيّة هي إثبات الذات الطاهرة الصادقة التي صدّقت برسالة نبينا صلوات الله عليه وآله وانتصرت للمبادئ الإسلامية، وهي تحقيقٌ للوجود الراسخ في الدين الحنيف والمتجذر في أعماق هذا الوطن، الهُوية هي السلوك السامي وهي الممارسة الإيجابية الصادرة عن المجتمع الفاضل المعبَّرة عن الفطرة السليمة التي تنبذ المذموم وتقبل المحمود وهي الأصالة بصفائها وعراقتها.”
وفي معاداة السعودية لليمن التي بدأت مبكرا من خلال أشكال مختلفة من الاستهداف الفكري إلى الاستهداف بأسلحة الدمار الأمريكية والإسرائيلية، عُدَّ الاستهداف الفكري لقيم الإنسان اليمني في مثله الدينية وقوام معتقداته أهم وأخط شكل للعدوان، فتشويه المعتقد على الإنسان يسلبه القدرة على استيضاح الطرق المثلى في قضايا الحياة، ولذلك صعُب ربما على الكثير من الناس على المستوى الوطني بل وحتى على مستوى الدول الإسلامية التحديد والتثبت في معرفة العدو وتحديد طرق مواجهات.
في تناولة للكاتب أنس القاضي حول الهوية الإيمانية والنهوض الحضاري يقول: مَن يُسيطر على وعي الآخر يوجه حركته وسلوكه، يُحذر السيد من أن فقدان الهوية الإيمانية يترك الوعي مُستباحاً، لأن أحد أساسات هذه الهوية وسمات المؤمنين هو الوعي والبصيرة، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ}؛ فالهوية الإيمانية وفق هذا الفهم سبيل الاستقلال الثقافي والفكري من الاستعمار، وتحصين وحماية للأمة من الغفلة عن المخططات العدوانية الغربية، ومن التخلف الحضاري عنها، وإخلاء الساحة العالمية لشرورها.
هذا الاستخلاص ينتهي إليه القاضي من محاضرة للسيد عبدالملك الحوثي حول (الهوية الإيمانية) فيها قال السيد: مبدأ الاستقلال أننا كأمة لا يجوز ولا يمكن أبداً بحكم هذا الانتماء الإيماني أن نعيش حالة التبعية لأعدائنا، لا بدَّ أن نحقق لأنفسنا الاستقلال، ونسعى في هذا الاستقلال أن يكون استقلالاً لا نعيش فيه حالة التبعية بأي شكلٍ من أشكالها، لا تبعيةً ثقافيةً وفكرية، هذا المبدأ المهم العظيم يبنينا كأمةٍ مستقلة، ويحصننا من العبودية والإذلال والاستعمار لصالح أعداء الأمة، مبدأ إيماني بنَّاء يجعلنا نتجه في هذه الحياة بشكلٍ عمليٍ وبنَّاء، يحمينا من خطر كبير من جانب أعدائنا، نجد فيه أيضاً عنصر قوة، ومن أهم قيم هذا الإيمان العزة، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، أن نكون أعزاء، في واقع حياتنا، في علاقتنا بالآخرين.
الجدارات المنيعة
في نهجها العدائي لمقومات الهوية اليمانية أدركت السعودية وأخواتها أن أضرحة ومقامات الأئمة والأولياء في اليمن ستظل شاهدا على صدقية معتقد هذه الأمة ورابطا لها بجذورها ومنابع هويتها، ولذلك انتهجت مبدأ التدمير لكل شيء له صلة بهذه الجذور، فصبت جام حقدها الذي منبعه الوهابية (البريطانية) على الأضرحة والمقامات والمآثر الإسلامية المختلفة في كل أرجاء اليمن.. ومعلوم ما للآثار عموما من قيمة إنسانية كبيرة ولذلك عُد استهدافها انتهاكا للقانون الدولي، إلا أن قوى العدوان لم تعطي الأمر بالا وانتهكت كل شيء.
استهداف الهوية الإيمانية لليمنيين جرى منذ وقت مبكر، منذ وجدت الحركة الوهابية جدارات منيعة في اليمن، وأخذ هذا الاستهداف أشكالاً عديدة منها عسكري عبر أعمال عنف دموية، ومنها استهداف لفكر وعقيدة الشعب عبر تلويث أفكاره من جهة واستهداف الآثار الإسلامية من جهة أخرى كما سيأتي.
فمشهد استهداف المقامات والأضرحة ليس مشهداً جديداً، فقد بدأ حتى من قبل العدوان الظاهر في يوم 26 مارس، بدأ على يد ما يسمى تنظيم “القاعدة”، أو كما يحلو لأنفسهم أن يسموا “أنصار الشريعة”، وكانت تحت مبرر وحجة أنها موروثات تقود إلى الشرك وتتعارض مع فكر التوحيد، وعمد التنظيم إلى استهداف عدد من الأضرحة والقباب والمشاهد الدينية القديمة في عدد من مدن حضرموت جنوب اليمن، التي يسيطر عليها، ولا سيما في مدينتي المكلا والشحر.
ومن بين أبرز المعالم التي استهدفت حتى الآن قبة ولي الله الصالح يعقوب في المكلا عاصمة حضرموت، وضريح المحجوب في المدينة نفسها، وأضرحة عدة مشهورة، يرتادها المتصوفون بشكل دائم، ويعود تاريخها إلى مئات السنين.
حيث قام مسلحو التنظيم بهدم ونسف قبة بن إسماعيل في منطقة (مسي السمعون)، وهي التي تقع على موقع مرتفع، وتعتبر من أكبر وأقدم المزارات الدينية الصوفية في مناطق ساحل حضرموت، إضافة إلى معقل أضرحة الصوفية في ساحل حضرموت اليمنية يوجد عدد من المزارات الأخرى في بعض المدن الأخرى، والتي أيضا تم استهدافها، وكان آخرها أضرحتهم في منطقة الوهط بمحافظة لحج، والتي زحف إليها الصوفيون من حضرموت، وبُنيت لهم فيها العديد من القبور.
في تعز الحالمة
تقول الكاتبة أمة الملك الخاشب: استهدف المشروع التكفيري الوهابي الشافعية في محافظة تعز ودمر المقامات والأضرحة والمساجد، وارتكاب جرائم الإبادة والتطهير العرقي ونسف وفجر المزارات والمعالم التاريخية في تعز خاصة وفي اليمن عامة، وتعرض من أبناء تعز المعروفون بانتمائهم المذهبي لأهل البيت عليهم السلام تعرضوا لمجازر الذبح والإبادة منها الجريمة التي حدثت بحق ساكني قرية الصراري وتفجيرهم المقامات الدينية ونبش قبورها في مديرية صبر الموادم، وكذلك ما حصل في “مشرعة” وحدنان من تطهير عرقي وجرائم لن ينساها التاريخ بحق أسرة “آل الرميمة.”
كما أقدم مرتزقة العدوان على تفجير المعالم التاريخية واستهداف المقامات الدينية في المحافظة والتي كان من بينها تفجير مقام الولي الصالح (ابن فارض اليمن عبد الهادي السودي) في منطقة المظفر وسط مدينة تعز وما سبقها من تفجير لمقام الولي العارف بالله /جمال الدين الجنيد في الصراري وقبة سلمان في حبيل سلمان، وأقدموا أيضا هناك على تدمير عدد من القبب والأضرحة وسط المدينة منها مسجد قبة المتوكل في المدينة القديمة، وتفجير ضريح وقبة الولي عبداللطيف الرميمة الملقب بالحويج في منطقة الحاضر قرية الحبيل.. كما استهدفت المقام الذي أقيم حول ضريح الشهيد (حسين بدر الدين الحوثي)، بـ 14 غارة ما أدى إلى تدميره نهائيًا، وقد سبقه استهداف مقام وجامع الإمام الهادي في صعدة” وغيره من جوامع أثرية تحمل في داخلها أضرحة لأئمة وأولياء من الصالحين في مختلف المحافظات.
كان واضحا من كل ذلك أن استهداف المقامات والقبور جزء من مخطط الفتنة الطائفية، لذلك يأتي العدوان الذي تنفذه السعودية اليوم استكمالا لمشروعها في تدمير مظاهر الهوية الإيمانية لليمنيين.
من عاثوا فساداً في الأرض
تعتبر مذبحة (تنومة) 1920م من أبشع مظاهر الحقد الإنساني المرتكز على المفاهيم المغلوطة الرافضة لقيم التعيش مع المختلف في بعض تفاصيل المعتقد، أقدم فيها قطيع من الوهابيين على ذبح ثلاثة آلاف حاج يمني بدم بارد، وقد أفرد التوثيق التاريخي مساحة كبيرة من الحديث حول هذه الجريمة، ومن ذلك ما أورده الكاتب سلطان الحروي في تناولته (حقائق تاريخية.. أسباب الحقد السعودي على اليمن).. يقول الحروي: جرائم العدوان السعودي اليوم ضد اليمن -أرضاً وإنسانا- وبهذه الوحشية ليست وليدة اللحظة وإنما لها امتدادات تاريخية، فعندما نجدهم يقصفون الأحياء السكنية في صنعاء أو عدن أو المخا أو صعدة أو إب أو عمران ويبيدون المواطنين العزَّل في الأسواق وفي المساجد وفي الطرقات أو المدارس أو داخل منازلهم، فقد سبق أن اقترف آل سعود “في الدولة السعودية الأولى” مثل تلك الجرائم ودمروا المساجد اليمنية وذبحوا اليمنيين العزَّل، وجيشوا الجيوش الوهابية لاحتلال اليمن وإدخالهم في هذا الدين المتوحش.. لقد وجد آل سعود -اليوم- في الفار هادي مبرراً كما وجدوا ذلك في الدور الذي أداه المدعو أحمد الفلقي -آنذاك- والذي عبره أحرقوا زبيد والعديد من مدن تهامة الأولى؟ فثار عليهم اليمنيون وطردوهم من أراضيهم.
وإذا عدنا لتلك الأحداث التاريخية في العلاقات اليمنية- السعودية سنكتشف بلا ريب لماذا يرتكب آل سعود كل هذه الجرائم ضد الشعب اليمني.. كما سنعرف لماذا يُذبح اليمنيون بوحشية، ولماذا تدمر البنى التحتية.. ولماذا يحاول آل سعود طمس الهوية اليمنية بتدمير الآثار والمعالم التاريخية والسدود والقلاع القديمة؟ فعند العودة إلى بعض أحداث التاريخ سنجد الإجابات الشافية للكثير من مثل هذه التساؤلات عن دوافع هذا الحقد السعودي الذي يحرق بنيرانه فلذات أكباد اليمن.. ويطفئ أمل وفرحة وسعادة أطفالها.. ويزهق أرواح أهلنا بوحشيته وهمجية لا مثيل لها في التاريخ.
إن الجرائم التي تقترفها السعودية اليوم ليست من أجل عودة ما تسميه الشرعية لحكم اليمن، وإنما تعد محاولة لطمس اليمن من خارطة التاريخ السياسي وابتلاعها بطريقة الإبادة وإحراق الأخضر واليابس فيها وإخضاع شعب الإيمان الذي ما يزال يقف حجر عثرة أمام أحلام آل سعود الذين يسعون لابتلاع جزيرة العرب منذ أكثر من مائتي عام- الدولة الوهابية الأولى في القرن السابع عشر.
يواصل الحروي القول: كانت الدولة السعودية الأولى التي حددت طبيعة أهدافها الدعوة الوهابية ترى اليمن واليمنيين بنفس المنظار الذي نظرت به إلى المسلمين في العالم الإسلامي، أي افترضت فيهم نقص دينهم ما داموا لم يدخلوا في طاعة إمامهم، أي أنهم كانوا ينظرون لليمنيين بالشرك والكفر خصوصاً بعد أن أدخلوا المسلمين الشيعة في الإحساء بدعوة التوحيد!!
منذ بدء الدعوة الوهابية أفشلت القبائل اليمنية أحلام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الأول الذي كان يحلم في دولة واسعة الأرجاء تكون اليمن جزءاً منها، إلاّ أن القبائل اليمنية قاومته وجعلته يبعدها من حسابه نهائياً.. بعد أن تصدت له بشراسة، ومن ذلك ما يذكره أمين أبو زيد مؤلف كتيب (الوهابية وخطرها على مستقبل اليمن السياسي) الذي قال: لقد حفظ لنا المؤرخون الممارسات التي كان البدو وجيش محمد بن عبدالوهاب يمارسونها أثناء دخولهم إلى المدن (زبيد والطائف ومكة والمدينة في الحجاز وكربلاء في العراق) والتي تعكس العقائد الراسخة في عقول الوهابيين تجاه إخوانهم من المسلمين في تلك البلدان والتي كان من أهم معالمها قتل مئات وآلاف الناس واستباحة أموالهم وأعراضهم ودعوتهم للإيمان من جديد وتخريب أماكن عبادتهم ونهبها وتخريب كل ما يمت بصلة للعلماء والصالحين والأولياء.
لهذا عندما نشاهد ما تقترفه الطائرات السعودية من جرائم وقتل جماعي لليمنيين وتدمير للمساجد والقلاع والحصون وتدمير للآثار فذلك ليس بغريب على نظام قام منذ البداية بتكفير المسلمين واعتبارهم مشركين واستباح أموالهم ودماءهم إذا لم يؤمنوا بالوهابية.
وإذا كان البعض يتساءلون باستغراب منذ بداية العدوان السعودي على اليمن عن سر قيام طائرات العدوان بقصف اليمنيين خلال أوقات الصلوات الخمس وفي وقت صلاة الجمعة؟ فإن الرد على تلك التساؤلات يحتاج إلى بحث وعناء، حيث أن آل سعود أضفوا على عدوانهم على اليمن منذ البداية قدسية دينية تتمثل بالحرب ضد الروافض ومقاتلة المجوس -كما يدَّعون- وقد سارع علماء الوهابية إلى إصدار فتاوى أباحوا فيها دماء اليمنيين واعتبار كل من يقاتل ضد اليمن شهداء ومدافعين عن الإسلام والحرمين الشريفين، وتزامن ذلك مع شن حملة تحريض وكراهية واستعداء ضد اليمنيين على المستوى العربي والإسلامي والعالمي عبر مختلف وسائل الإعلام ومنابر المساجد بدعوى تبعية اليمن لإيران..
إلى درجة أن معظم الشعوب العربية والإسلامية تخلت عن الشعب اليمني، وهذا يعكس حقد آل سعود المتراكم وكراهيتهم لليمن واليمنيين منذ بداية ظهور هذه الدولة التي قامت على الفكر الوهابي التكفيري الذي يؤمن بأن الشهادتين إذا نطق بهما المسلم وصلى وصام وزكّى وظن أنه مسلم ثم قام بأعمال قد يفهم من ظاهرها شرك بالله كأن يقول يا محمد فإنه قد سقط إسلامه وخرج من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر وأصبح واجباً على محمد بن عبدالوهاب ومن آمن بدعوته جهاده وقتاله وإدخاله في الإسلام من جديد، وبذلك حكم على المسلمين من غير الوهابيين بأنهم كفار واستباح أموالهم وأعراضهم ودماءهم وحكم على من لم يكفّرهم بالكفر.. حسب أمين أبو زيد.
لذا لا عجب أن يذبح آل سعود الشعب اليمني اليوم بهذه الوحشية في ظل هذا الصمت العربي والإسلامي المريب، على الرغم من أن اليمنيين أكثر التزاماً وتمسكاً بالإسلام وتطبيقاً لتعاليمه كما أنهم مدافعون أشداء عن تعاليم الدين الحنيف ويترجمونها في حياتهم منذ ظهور الإسلام.
لكن المشكلة تكمن في الفكر الوهابي الذي قسَّم أعمال الناس وأفعالهم إلى بدعة وسنة، وهذا التقسيم أتاح لهم اتهام الناس بالشرك في عباداتهم وعقائدهم ومن ثم سهّل لهم محاربتهم.
عندما حانت له الفرصة عاد عبدالعزيز آل سعود لإعلان حربه على اليمن، حيث استغل تعاطف أحمد الفلقي من أهالي صبيا مع الدعوة الوهابية فاتصل به وعزز علاقته به وذاع صيت الفلقي بين القبائل التي بايعته ومعها أبرز رجال قبائل يام.. عندها مدّه الملك السعودي بجيش يقوده أحد رجال القبائل المشهور بـ”أبو نقطة”.
وبتعاون الفلقي وأبو نقطة وطامي بن شعيب استولى الجيش الوهابي على عسير وسهَّل له مهمته الشريف حمود بن محمد أحد عمال الدولة القاسمية ومكنهم من الاستيلاء على الحديدة وبيت الفقيه واللحية وزبيد.
ويذكر مؤلف كتيب “الوهابية وخطرها على اليمن” أن الوهابيين عاثوا فساداً في هذه المدن وقتلوا سكانها ونهبوا أموالها وخربوا مساجدها ومزقوا الكتب والمصاحف وطالبوا الناس بأن يدخلوا في دين الله، ويتركوا ما كان يعبد آباؤهم، وقد خرَّبوا جامع زبيد ونهبوا ما فيه!! وعاملوا الناس كمشركين.. وبعد اتساع دعوتهم المتطرفة سارع الشريف حمود بن محمد الذي كان سبباً في انتصارهم، فاختلف معهم وقاتلهم وقتل قائدهم أبو نقطة وأخرجهم من تهامة وكان ذلك عام 1224هـ.
ويورد الكتيب أنه: في عام 1340هـ 1920م عندما أقدمت مجاميع وهابية مسلحة على قتل 3000 حاج يمني بصورة وحشية في وادي تنومة وهم عزَّل من السلاح ذاهبون لأداء فريضة الحج، حيث أبادوا في ذلك الوادي جميع اليمنيين العزَّل ولم ينجُ منهم سوى خمسة أشخاص عادوا إلى أهليهم ليقصوا عليهم بشاعة تلك المذبحة.. ومثلت هذه المذبحة نقطة تحول في العلاقات اليمنية- السعودية- بل إنها كانت أحد الأسباب وراء تفجر الحرب اليمنية السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي والتي فاقمت من الحقد السعودي على اليمنيين الذين شعروا بفقدان ملكهم على أيدي اليمنيين بعد أن أخضعوا كل قبائل نجد والحجاز..