فضائل أهل اليمن.. الشواهد والأبعاد الإيمانية والتاريخية

 

ورقة عمل مقدمة في ندوة (جمعة رجب وهوية اليمنيين الإيمانية)

إعداد/ حمود عبدالله الأهنومي

المسارعون إلى الأعداء وإضاعة الهُوِيَّة
أما لماذا هرول المُهَرْوِلون إلى الاصطفاف ضد وطنهم ومجتمعاتهم، فإن ما يجمعهم على اختلاف فئاتهم فهو أنهم ظلوا يعانون من نقصان كبير في الانتماء إلى الهُوِيَّة المعبِّرة عن ثقافة المجتمع وتاريخِه وذاتيَّته؛ لهذا فما يجمع المُرتزِق اليساريَّ الاشتراكيَّ العلمانيَّ بالمرتزِق اليميني الإسلاموي الوهابي تحت الراية السعودية والإماراتية والأمريكية هو أن جميع أولئك لا يؤمنون بالهُوِيَّة اليمانية الإيمانية الجامعة..
لقد كانت لديهم هويات بعيدة أو مناقِضة للهُوِيَّة الإيمانية اليمانية الجامعة؛ فهُوِيَّة الإسلاموي المتطرف هُوِيَّة مستورَدة غريبة على هذا البلد، وتَدين بالولاء للوهابية السعودية أكثرَ مما تَدين بالولاء لليمن الإيماني؛ لهذا عند احتدام الصراع لحِقَ كلٌّ بأصله، وعاد كلٌّ إلى هويته، فلحق اليمانيون بيمانيتهم، ولحق النجديون بنجديتهم.
المرتزِق اليساري الاشتراكي لم يكن على علاقة متينة بالهُوِيَّة الإيمانية اليمانية، ونظرياتُه مستوردة من الخارج؛ فهو يَدين في الفكر والثقافة بما عليه منظرو الاشتراكية الذين كانوا يحملون هويات وطنية مغايرة، في الوقت الذي كان منفصلا تماما عن هذه الهُوِيَّة الإيمانية اليمانية، وكان احتماؤه بهذه الهوية البعيدة والمغايرة حامل التباس ذاتي بالنسبة له، سرعان ما كشفت الأحداث أنه كان بعيدا عن الهوية الجامعة؛ ولهذا لم تبق لديه حتى الهوية الوطنية لتؤثر في وعيه رفض الاحتلال والغزو الأجنبي لبلده، على أنه كان ينظر إلى تاريخ اليمن ورموزه وأعلامه باحتقارٍ وازدراء؛ لهذا وقع خارج دائرة الواجب، وسهُلَتِ السيطرةُ عليه وعلى أمثاله من قبل أعداءِ هذه الهُوِيَّة وغرمائها، بل وصاروا جنودا للمعتدين ضد بلدهم وأمتهم وشعبهم ومجتمعاتهم.
إن ما يعيشونه اليوم هو حالةٌ من التنكُّر للهُوِيَّة اليمانية الإيمانية، وهو نتيجة من نتائج بُعْدِهم عن الهُوِيَّة الإيمانية اليمانية.
إن المسألة غاية في الأهمية، وهنا أقتبس بعض العبارات من كلام السيد القائد حفظه الله وهي أنه قال: “يجب أن ننظر لهذه المسألة مسألة الهُوِيَّة على أنها غاية في الأهمية”، وقال عن الهُوِيَّة الإيمانية بأنها تنتمي للإيمان، وأن “الإيمان مبادئ، وقيم، وأخلاق، والتزامات، ومفاهيم تَنزِل إلى واقع الحياة، وتُبْنَى عليها الحياة، وهو مواقف، وسلوكيات، وأعمال، ومسار حياة، ومشروع حياة”، وذكر أن: “القيمة الإنسانية قيمة عظيمة في الهُوِيَّة الإيمانية”، وذكر أن “أسوأ عملية مسخ للإنسان اليمني أن يخرج من الحالة الإيجابية الراقية التي عُرِفَ بها الإنسانُ اليمني الإسلامي وهويته، والتي توارثها منذ فجر الإسلام، ومنذ الصدر الأول للإسلام على يد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى يد تلامذته العظماء، وفي طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ومعاذ بن جبل، وغيرهما”.
الاحتفال بعيد الإسلام تعبيرٌ أصيل عن الهُوِيَّة الأصيلة
من جانب آخر كان من حُسْنِ حظِّ اليمنيين أنهم الشعب الوحيد في هذا العالم الذي يحتفل بعيد إسلامه، وأفضل من ذلك أن إيمانَهم ارتبط مباشَرةً بالنبع الصافي، والمصادر الأصيلة في الإسلام، حيث تعلّموا على يد تلامذة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المقرَّبين كالإمام علي، ومعاذ بن جبل، ثم هم الشعب الوحيد الذي ظلَّ يتمسّك بالثقلين كتاب الله وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا شكَّل ضمانة بأن تكون وسائط الهداية مضمونة، وذات قيمة إيمانية عالية وموثوقة؛ وذلك هو عينُ ما عبّر عنه النص النبوي الشريف (الإيمان يمان).
لهذا نجد أن عمومَ مَنْ يدافع عن البلاد اليوم، ويتحرك تحت راية الجهاد – لهم علاقة وطيدة بهذه الهُوِيَّة الإيمانية، ولهم انتماء صادق إليها،..
هذا التقديم يعطي أهمية كبيرة جدا لبحث موضوع الهُوِيَّة الإيمانية اليمانية، التي تشكل هُوِيَّة استثنائية من بين الهويات الوطنية العالمية؛ كونها إسلامية، وكونها جاءت مباشَرة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكونها هوية تعالج الأخطاء الحتمية التي تقع فيها الهويات الوطنية القومية، والعرقية، والمناطقية، والعصبوية.
في هذه الورقة – التي اتبعت المنهج الوصفي التحليلي – سيتم معالجة فضائل أهل اليمن والشواهد التاريخية من هذه الزاوية، زاوية علاقتها بالهوية، وبالصراع الراهن، بشكل أو بآخر، وتسلط الأضواء على بعض الالتباسات التي قد تطرأ على مَن لم يمعن النظر في طبيعة الصراع القائم..
فضائلهم في القرآن الكريم
ورد عددٌ من الآيات الكريمات، ذكَرَت الرواياتُ الحديثية أنها في فضل أهل اليمن، وهي مع ذلك تنسجم والمنطقَ التاريخيَّ لدور أهل اليمن في الإسلام، قديما وحديثا، ومن المهم التنبيه بأنه حين يتم الحديث عن هذه الفضائل فهو ليس من باب الفخر، ولا من أجله، وإنما من أجل كشف العلاقة بين الحق وأهله في هذه الزاوية، وتبيين الحكم الشرعي على مَن لهم علاقة، ولا سيما اليمنيين، تجاه هذه النعمة، وتجاه ما يستتبعها أيضا من شكر لمولي النعم وبارئها، وهو الله تعالى، والعمل على استكمالها في واقعنا، وأن نكون من أهلها المستحِقِّين لاستمرارها.
وهذه بعض الفضائل القرآنية:
1 -قوله تعالى: (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ) [الأنعام:89].
هذه الآية تتحدَّث عن أنه إن كفر هؤلاء (أهل مكة) بالكتاب والحكم والنبوة التي أُنزِلت على الأنبياء، فإنه عز وجل قد وكّل بها قوما لا يكفرون بها دائما، أي هم مؤمنون بها بشكل مستمر، واختيار عبارة (وكَّلنا) التي تعني التوكيل من الله وإنابتَه لقومٍ آخرين يكونون على قدر المسؤولية في الحفاظ على تلك الأمور والقيام بها؛ له دلالة على عظيم المسؤولية التي قلّد الله بها أولئك القوم، وعلى عظمة دورهم ومكانتهم، وهم الأنصار من الأوس والخزرج، الذين وصفَتْهم الآية بأن من شأنهم الإيمانَ بالله دائما، (ليسوا بها بكافرين)، وهي الجملة التي تعني الاستمرار والثبات على الإيمان، المفهوم من نفي الكفر دائما.
التوكيل هذا أمرٌ موعود به، وهي سنة من سنن الله عز وجل، وهي سنة الاستبدال بقوم آخرين، فكلما تحقّق كفر كافرين بهذا الدين، فإن لله تدخُّلا إلهيا بتهيئة قوم آخرين، وتوكيلِهم للقيام بعملية الحفاظ عليه، والاستمرار في ذلك، وهذا هو ما يحصل اليوم، وقد تخلى الكثير عن مبادئ هذه الدين وفرائضه الكبيرة، فظهر اليمنيون متمسكين به، ومستمرين عليه، وهذا هو معنى أن ينص الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن (الإيمان يمان).
2 – قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
وصف الله الأنصار بأنهم الذين تبوّأوا الدار والإيمان من قبلهم، وهنا إشارة إلى الهُوِيَّة التي حملها الأنصار، فلديهم دار، ولديهم منهج، يحكُم تلك الدار، وهناك انصهارٌ كامل بين الدار ومنهجها، ولكن لا بدّ لأحدهما من الآخر لينتُجَ عنه تشكُّلُ الهُوِيَّة المطلوبة، لا بد للمنهج (الذي هو الإيمان) من دارٍ، ولا بدّ للدّار من منهج، وهو تنظيمها على أساس الإيمان.
والدار في القرآن الكريم في أيام الشدة والجهاد تكون دارين، دار إيمان، والكلمة فيها للمؤمنين، ودار كفران ونفاق، والغلبة فيها لأئمة الكفر والنفاق، وقد خص الإسلام الدار الإيمانية بأحكامٍ تميّز المسلمَ عن كونه مسلما فقط؛ فالمسلم من أهل دار الإيمان يختلف عن المسلم الذي ليس من أهلِ دار الإيمان؛ حيث المسلم المهاجر إلى الدار الإيمانية له حقُّ الولاية الكاملة، والمناصرة الكاملة من قبل جميع المسلمين الآخرين، لكن المسلم الذي لم يهاجر لا يحصل على هذه المزية، فيجب نصرته في الدين فقط، ولكن لا يجوز نصرته على المحاربين له والمرتبطين مع مجتمع المؤمنين بعقود صلح، ومواثيق سلام؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال:72].
الآين تبين أنه قد صار الإيمان وطنا؛ قال السيد القائد حفظه الله: “ما أعظم هذه العبارة استوطنوا الإيمان كما استوطنوا الدار، إيمان راسخ، إيمان ثابت، إيمان عظيم”. واللفظ القرآني قوي في تشبيه الإيمان بالدار التي يمكن أن تُسْتَوطَن وتُتَبَوّأ، وهذا أمرٌ ظاهر في حق اليمنيين اليوم، حيث يُمثِّلون دارَ الإيمان، التي تواجِه أئمةَ الكفر، تماما كما حصل مع أجدادهم الأنصار في المدينة المنورة..
3 – قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54].
هذه الآية أتت في سياق التحذير من فتنة الولاء لليهود والنصارى وأن الذين في قلوبِهم مرض من جماعة المؤمنين يُسارعون في موالاتهم والارتداد عن الدين بإطاعتهم، والانتماءِ إليهم، وأنه سيسقط المنافقون في هذا الاختبار، بموالاتهم والانتماء إليهم، وهنا ميّز الله قومًا مؤمنين وعَدَ عزَّ وجل أن سيأتي بهم، كما تقتضيه سنته في الاستبدال، وقد حدد مواصفاتِهم ومحدِّدات هُوِيَّتهم الإيمانية، فقال عز وجل: (يحبهم ويحبونه)، ومن كان هذا شأنه فإن الله لن يتخلى عنه.
-(أذلة على المؤمنين) ولم نر هذا يتحقق إلا هنا في أهل اليمن، في جهادهم لليهود والنصارى المعتدين، وأوليائهم المنافقين..
-(أعزة على الكافرين) وهل هناك من يصرخ في وجوه أئمة الكفر في هذه الدنيا سوى أبناء اليمن المؤمنين.
-(يجاهدون في سبيل الله) الهُوِيَّة الإيمانية تقتضي منا أن نكون أعزاء بعزة الله وأن نجاهد في سبيل الله.
-(ولا يخافون لومة لائم) قد تجاهد ولكن عندما يوجّه إليك اللوم قد تسقط، لكن المؤمنين لا يسقطون حتى في هذه الجولة الأخيرة من جولات الصراع.
هذه محدّدات الهُوِيَّة الإيمانية اليمانية التي ذكرها القرآن لأهل اليمن، وهي توصِّف وتشخِّص طبيعة الصراع الراهن، وتشير إلى الأوصاف التي يكون عليها المؤمنون المخالفون للمنافقين والمسارعين في موالاة اليهود والنصارى المعتدين.
أما المنافقون الذين يظهَرون في القرآن الكريم دائما حين يكون هناك حديثٌ عن الهوية الإيمانية، وعن الموالاة، وابتغاء العزة، فقد عرّفهم القرآن الكريم بأنهم مَنْ لديهم خللٌ في منظومة الولاء والانتماء، فقال عزّ من قائل: (بشِّرِ المنافقين بأنه لهم عذاباً أليماً، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) [النساء:138-139]. لاحظوا كيف جعل الله العزة جميعا له، فمن ابتغاها من أعدائه أيا كانوا فهو إنما يعبِّر عن مدى اهتزاز هُوِيَّته، وضعف ثقته وإيمانه بالله؛ يقول تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر:10].
ويقول عن المنافقين: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].
من جانبٍ آخَر فقد بيّنَتِ الأحداث القائمة أن هذا الشعب جدير بوصف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه يحقِّق ما قاله عنه، حيث ينطلق في موقفه المناهض للعدوان من مبدإ إيماني، وثقافة قرآنية؛ يقول السيد القائد: “لا يمكن لهذا الشعب أن يُفارق عِزَّته إلا ويفارق إيمانه”، ويقول: “اليوم نحن نجد أن الهُوِيَّة الأصيلة لشعبنا اليمني لها أبلغ الأثر، لها أكبر التأثير في ثباته في مواجهة التحديات”، ويقول: “هويتنا تَفرِض علينا أن نكون أعزاء وأن نكون عبيدا لله تعالى فقط”.
4 – قال تعالى: (هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].
الآية في سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بيّن الله فيها شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجهادية التي بالتأكيد عاشت أجواء الصراع مع الكفر من جانب، ومع النفاق من جانبٍ آخَر، في سياق الحديث عن الجهاد، ثم بيّنت الآية هذه بأنه حين يكون هناك تولٍّ، أيَّ تولٍّ كان، كفرا أو فسقا أو نفاقا أو بخلا، فإن الله هو من يُهيِّئ ويُوَكِّل ويَسْتَبدِل قومًا آخَرين، وقطعا لن يكونوا كأولئك المفرِّطين.
إن التدخُّل الإلهيَّ يأتي في أوقاتِ الشدة، حين يكون هناك انحراف خطير، أو حين تمارَس ضغوط كبيرة ضد الأمة المؤمنة تضطر بعضَهم إلى الخضوع والإعلان عن موالاة اليهود والنصارى أو الوقوع في حالة التولِّي والانحراف، وهنا تحصل المعجزة الإلهية بتوكيل الآخَرين، وهم القوم من الغير، الذين لن يكونوا مثل أولئك؛ وهذا كله هو ما يحمل على القول بأن حركة اليمنيين الجهادية اليوم، وهي تمثل ريادة الجهاد في العالم الإسلامي، ما هي إلا تعبيرٌ إلهي عن سنة الله في الاستخلاف، ومظهرٌ من مظاهر الاستبدال الإلهي، ومشهدٌ من مشاهد التوكيل الرباني.
5- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الجمعة:3-5].
قال المفسرون: إن هذه الآية (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) نزلت في أهل اليمن، ومعلوم أن (وآخرين) الواو واو العطف، وهو معطوفٌ بالمفعولية على ضمير (ويزكيهم)، أو الواو واو المعية، وهو منصوب بالمفعولية، على أن مفعول معه، بعد (الأميين)، أي ويزكي آخَرين لمَّا يلحقوا بهم، أو مع تزكيته لقوم آخرين لما يحلقوا بهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، من باب التنازع، تنازع أكثر من عامل تتوجَّه كلُّها إلى معمول واحد، وهذه الآيات في سورة الجمعة، وهي السورة التي خصّصت مساحة واسعة لخطر اليهود، وردّت على بعض ترهاتهم.
وهذا ليس بعيدا عن واقع صراعنا اليوم، وما يحصل في اليمن من عملية الاهتداء بالقرآن الكريم، والتزكّي به، لإنتاج مواقف حكيمة، هو مصداق عظيم من مصاديق الآية الكريمة.
أليس (الإيمان يمانيا والحكمة يمانية) إذن؟
أتذكر أن السيد القائد قال ذات مرة: الأمة اليوم وهي تخوض هذه المرحلة الخطيرة من الصراع أحوج ما تكون إلى القرآن الكريم، فقد تحدَّث رسول الله عن الفتن ذات مرة، وكان لديه هناك طالب نجيب، هو الإمام علي عليه السلام، بادره بسؤاله، قائلا: ما المخرج منها يا رسول الله، قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، …إلخ).
6 – قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ:15]، وهي تدل بوضوح على طيبة البلدة، وكون أهلها ممن يهتدون ويتوبون إلى الله بشكل أفضل من غيرهم؛ ولهذا اختارها الله لتكون موطنا للإيمان، ومتبوأ للجهاد والمجاهدين.
7 – قال الله تعالى عن الملأ من مملكة سبأ، بأنهم وصفوا أنفسهم أنهم (أولي بأس شديد): (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) [النمل:33]، وبينت الآية شدة بأسهم، ومبلغ حلمهم، وحصافتهم، ليس استدلالا بقول اليمنيين، ولكن بطريقة حوارهم وإدارتهم لهذه الأزمة، ثم بإقرار القرآن الكريم لهذه الأوصاف.
8 -قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم * إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) سورة النصر.
فضائلهم في السنة الشريفة
1 -قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) ورد في أحاديث كثيرة، ويكاد أن يكون من الأحاديث المتواترة أو المستفيضة.
هذا إخبارٌ باستمرار الإيمان في اليمن، وهو إخبارٌ كاشفٌ عن ما يكون من جولات صراع بين الكفر والإيمان، وتنازعٍ بين هويتيهما المتناقضتين.
ونسبتُها إلى اليمن باعتبارها الجغرافي تردُّ على من يزعم قصر الإيمان على الأنصار، وكونُها جملة اسمية يفيد الاستمرار والثبات والدوام، وما يجري اليوم من صراع قائم وما تتخذه اليمن الإيمانية من مواقف هو مصداق من مصاديق تحقُّق هذه الإيمانية اليمانية، والحكمة، والفقه، اليمانيين؛ وهو يوافق ما قاله الله سبحانه وتعالى: (ليسوا بها بكافرين).
2 – وعن عمران بن حصين قال: إني عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال: (اقْبَلوا البشرى يا بني تميم)، قالوا: بشَّرْتَنا فأعْطِنا، فدخل ناس من أهل اليمن، فقال: (اقبَلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلْها بنو تميم)، قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقَّهَ في الدين، ولنسألَك عن هذا الأمر ما كان. قال: (كان الله ولم يكن شيءٌ قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كلّ شيء). ثم أتاني رجل، فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها، فإذا السراب ينقطع دونها، وأيمُ اللهِ لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم. رواه البخاري من ست طرق.
ومن المعلوم أن مساكن بني تميم في نجد، والسؤال لماذا ورد ذكر بني تميم، مع ذكر أهل اليمن؟ لماذا ذكَر القبيلة النجدية مع ذكره اليمن؟
ألا يشير هذا إلى طبيعة الصراع القائم اليوم على أساس الصراع بين الهويتين، هُوِيَّة أهل الإيمان، وهُوِيَّة أهل الشيطان، الذين ينطلقون من نجد، رأس الفتنة، وحيث تسعة أعشار الشر، وحيث رأس الكفر، وحيث الزلازل، والفتن.
3 -عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (يأتيكم أهل اليمن هم أرق قلوبا، وألين أفئدة، يريد القومُ أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم).
متى يرفعنا الله؟ حين ننتصر لهويتنا.. لديننا .. لإيماننا، حين نحقق معنى (الإيمان يمان)..
وعَنْ أَنَسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله سلم- «الأَزْدُ أُسْدُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يَضَعُوهُمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يَرْفَعَهُمْ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ الرَّجُلُ يَا لَيْتَ أَبِى كَانَ أَزْدِيًّا يَا لَيْتَ أُمِّى كَانَتْ أَزْدِيَّةً». [سنن الترمذى ج14 ص109].
4 -عن ابن عمر: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الإيمان يمان، وهم مني وإليّ، وإن بَعُدَ منهم المربع، ويوشك أن يأتوكم أنصارًا وأعوانا فآمركم بهم خيرا). رواه الطبراني وإسناده حسن.
5 – عن أبي مسعود، قال أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده الكريمة نحو اليمن، فقال: (الإيمان ههنا، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفَدَّادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلعُ قرنا الشيطان في ربيعة ومضر) رواه البخاري في صحيحه من ثلاث طرق. وعن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (غلظ القلوب والجفاء في أهل المشرق، والإيمان يمان، والسكينة في أهل الحجاز)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الأحاديث يتحدث عن بعض مصاديق الهويتين، الهوية الإيمانية اليمانية، والهوية النجدية الشيطان، واللتين تصطرعان اليوم..
6 -عن عمرو بن عبسة قال بينما رسول الله ص يعرض خيلا، وعند عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، فقال رسول الله ص: أنا أبصر بالخيل منك، فقال عيينة: وأنا أبصر بالرجال منك، قال: فكيف ذاك؟ قال: خيار الرجال الذين يضعون أسيافهم على عواتقهم، ويعرضون رماحهم على مناسح خيولهم من أهل نجد، فقال رسول الله ص: (كذَبْتَ بل خيارُ الرِّجال أهلُ اليمن، والإيمانُ يمان، وأنا يمان، وأكثر القبائل يوم القيامة في الجنة مذحج، وحضرموت من خير بني الحرث). رواه أحمد متصلا ومرسلا، والطبراني.
ومرة أخرى يكون هناك الصراع بين أهل نجد ممثلين بعيينة بن حصن الفزاري، وأهل اليمن، يمثلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
7 -عن عقبة بن عامر أنه قال: إن رجلا، قال: يا رسول الله العن أهلَ اليمن، فإنهم شديدٌ بأسُهم، كثيرٌ عددُهم، حصينةٌ حصونهم، فقال: (لا)، ثم لعن رسول الله الأعجَمين، فارس والروم. وقال: (إذا مروا بكم يسوقون نساءهم، يَحْمِلون أبناءهم على عواتقهم، فإنهم مني، وأنا منهم) رواه أحمد والطبراني.
والحديث يبين فضل اليمنيين وعظيم منزلتهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف وجه رسول الله بوصلة اللعن والعداء ضد الفرس والروم، بلغة اليمن ضد أمريكا والصهاينة، وليس ضد اليمنيين، بينما أوضح أنهم منه، وهو منهم.
8 -وعن الإمام علي عليه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أحب أهل اليمن فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني).
هذا لأن اليمنيين يمثلون الهوية الإيمانية، فمن أبغضهم فإنما يبغضهم لأجل إيمانهم، ومن أحبهم فلذلك؛ لهذا كان رسول الله يعتبر موقفه هو ذات موقف اليمنيين.
9 – وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم باليمن إذا هاجت الفتن، فإن قومه رحماء، وإن أرضه مباركة، وللعبادة فيه أجر عظيم). (إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن)، و(إني لأجد نفس الرحمن من ناحية اليمن).
وهي أحاديث تدل على أن اليمن تشكل بارقة أمل للأمة التي طحنت بالفتن، وعلى رأسها فتنة قرن الشيطان، فالنصر للمسلمين كأمة يأتي من قبل اليمن.
10 -وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (الإيمان يمانٍ والكفرُ قبل المشرق)، رواه الطيالسي. وعن البراء أن رسول الله قال: (ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والقسوة وغلظ القلوب في الفدّادين في ربيعة ومضر عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان) رواه الخطيب، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله سلم قَالَ: (الإِيمَانُ يَمَانٍ ، وَالْفِتْنَةُ هَا هُنَا ، هَا هُنَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ). أخرجه البخاري 5/220. وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (رأسُ الكفر من ههنا من حيث يطلُعُ قرن الشيطان – يعني المشرق) أخرجه مسلم كتاب الفتن باب الفتنة.
وهي أحاديث ترسم معادلة الصراع القائمة، وتبين مكان الحق فيه، فمن غير المعقول أن يضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليمن ونجدا في اتجاهين متغايرين، باعتبار أن اليمن تمثل الإيمان، ونجدا تمثل الشيطان، ورأس حربة الكفار، ومنبع الفتنة، ثم لا يكون المراد هذا الصراع الحالي.
إن معرفتنا التاريخية بأنه لم يكن صراع بحجم صراع بين الإيمان والكفر بين البلدين (اليمن ونجد) منذ صدر الإسلام، وإلى التاريخ المعاصر، ولا سيما في ظل هذه الحرب، تجعلنا نوقن أن رسول الله يتحدث عن الصراع الحالي، وهذا ما يعزز قوة الحق في قلوبنا، ويبين أهمية التحرك الجاد، والتمسك القوي بهذا الخط والمسار، تحت قيادة علم الهدى السيد القائد سلام الله عليه، أما دلالة (نجد الشيطانية) و(اليمن الإيمانية) فهي دلالة مكانية، تدل على مكان الحق والباطل، وصحة المنهج من سقمه، وليست دلالة عصبوية، مناطقية.
11 – عن ابن عمر، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وآله سلم، وقال: (اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: (اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا)، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة: (هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)، صحيح البخاري:ج6/ص2598 ح6681.
هذا الحديث ورد بشكل مستفيض، نراه اليوم متحققا، ومبينا أن اليمنيين الأحرار المدافعين عن بلدهم مبارك أمرهم، وتعتني بهم اليد الإلهية، وتنصرهم، وتلطف بهم، بينما نجد أن النجدية الشيطانية، تحاول أن تغرقهم في الفتن، والزلازل.
رسول الله في هذه الأحاديث يتحدث عن الصراع القائم، وإلا لما ذكر أهم مناطق لها الدور الكبير في هذا الصراع القائم بيننا المنضوين تحت هوية الإيمان اليماني من جهة، وبين أهل الكتاب وعملائهم ومنافقيهم المسارعين إلى الانتماء إليهم، والمنسلخين من هويتهم، أهل الشيطان، وإلا فما معنى أن يذكر رسول الله في حديث واحد، (اليمن والشام من جهة، ونجد من جهة أخرى).
12 – في الإشاعة لأشراط الساعة للسيد محمد البرزنجي ص151 من حديث طويل، من رواية نعيم بن حماد، عن ابن مسعود مرفوعا في وصف الملحمة الكبرى بين المسلمين والكفار، وأنه سيحصرهم المسلمون في دمشق، وجبل المعتق بحمص بعد خراب الكفار بيت المقدس، قال: (حتى تجيئهم مادة اليمن ألف، ألف الله بين قلوبهم بالإيمان، معهم أربعون ألف من حمير، حتى يأتون بيت المقدس، فيقاتلون الروم، فيهزمونهم، ويخرجونهم من جند إلى جند، حتى يأتون قنسرين، وتجيئهم مادة الوالي) الحديث، وفيه أن (مسلمين الفرس تنصر مسلمي العرب، فيلحقون الكفار إلى القسطنطينية، فيحصرونهم بها ليلة الجمعة إلى الصباح، فيفتحها الله لهم، وترجع دار إسلام بيد المسلمين مرة أخرى). ص43 من نثر الدر المكنون للعلامة الوشلي التهامي.
هذا الأثر يمكن أن يشكل مشهدا من مشاهد الصراع القادم، ومسارا من مساراته، وكيف يكون لليمنيين ولا سيما أهل صعدة من حمير، دور في تحرير بيت المقدس، ومطاردة الصهاينة، في الشام، ومنطقة حوض البحر المتوسط.
شواهد تاريخية تدل على هويتنا الإيمانية
1 – أسرة آل ياسر أول أسرة يمانية تُسْلِم ويستشهد بعض أفرادها ويعاني بعضهم (أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)
2 – زيد بن حارثة اليمني الصعدي، ابن رسول الله بالتبنّي، وأحد شهداء الإسلام وعبدالله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب، من تبنّاه رسول الله وهو أحد اليمانيين الأوائل، وجاهد مع رسول الله، ورفض أن يعود مع والده وأسرته إلى صعدة، ثم استشهد في مؤتة، التي كان قادتها يمنيين وهاشميا، عبدالله بن رواحة، وزيد بن حارثة، وعبدالله بن جعفر.
وكأن هذه المعركة تقول لنا: إن قادة المسلمين في مواجهة أهل الكتاب يجب أن يكونوا من اليمن وأهل البيت سلام الله عليهم.
3 -إسلام اليمنيين على يد الإمام علي عليه السلام، وتخصيص رسول الله لهذا الشعب أفضل سفير، هو علي بن أبي طالب عليه السلام، لأفضل سفارة، وهي الإسلام، إلى خير شعب، وهو اليمن.
4 -نصروا رسول الله وآووه، والشرف الذي فات اليمنيين في اليمن، لم يفت إخوتهم في الحجاز، في المدينة المنورة.
5 -خزيمة بن ثابت الأنصاري اليمني، كان أمين أسرار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذا الشهادتين.
6 -تمسك أهل اليمن بأهل البيت عليهم السلام، منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا، وهو تمسك بالإسلام النقي، (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ..إلخ)
7 -ويعجبني تلك المعادلة التي رسمها أمير شعراء اليمن التقي الزاهد الحسن بن علي الهبل، حين قال:
يا من يسائل عن قومي .. رويدك ما
جهلت إلا العلى والمجد والدينا
قومي الألى ما انتضوا أسيافهم لوغىً
إلا وعادوا لآي النصر تالينا
إن تلقهم تلق أحبارا جهابذة
أو طاعنين العدا شزرا ورامينا
سل الأئمة عنا أي ملحمة
لسنا بأرواحنا فيها مواسينا
مضت على حب أهل البيت (أسرتنا)
ونحن نمشي على آثار ماضينا
فمن يفاخرنا أم ما يساجلنا
أم من يطاولنا أم من يدانينا
يكفيك أن لنا الفخر الطويل على
كل الورى .. ما عدا الآل الميامينا
8 -إن كون اليمن إيمانية، مؤشِّر من مؤشّرات صحة موقفِنا اليوم، أما ارتباطُ هذا المؤشر بمؤشر أقوى وأهم، وهو كون الحق في جناب أهل البيت الذين استقروا تاريخيا في اليمن فإن هذا يشكّل ضمانة حقيقية وإضافية لكل ملتبِس في موقفه أنه في الموقف الحق، والمكان الصحيح.
9 -إسلام أهل اليمن إسلاما قويا وقويما، ودائما، وبشكل سريع، ومن دون معارك كبيرة، بل بالحوار والإقناع.
10 – وتفردهم بخصوصية أن يسجد رسول الله شكرا حينما جاءه خبر إسلامهم، وقوله: (السلام على همدان السلام على همدان السلام على همدان) ولم يرو أن فعل ذلك عند مجيئه خبر إسلام قبيلة أخرى..
11 -وقوله: (نعم الحي همدان، ما أصبرها على الجهد، وأصدقها عند اللقاء، فيهم الأوتاد، والأبدال)..
12 -عمار بن ياسر العنسي المذحجي اليماني معلم من معالم الحق في الإسلام، قال عنه رسول الله: (تقتله الفئة الباغية).
13 -مالك الأشتر النخعي الهمداني المبشر بالجنة، هو معلم أيضا من معالم الحق، وهو يماني، من النخع من منطقة أعالي أبين، بالقرب من البيضاء، قال فيه الإمام علي بعد أن تم اغتياله: (رحم الله مالكا وما مالك، لو كان حديدا لكان فندا، ولو كان حجرا لكان صلدا).
14 -نصرتهم للإمام علي، ووثوقه فيهم، وكونُهم شكّلوا معظم جهازه الإداري، دليل على إيمانهم، وانتمائهم الحضاري العريق، (كيف تبعثني إلى قوم هم أعلم مني).
15 -كون اليمنيين متعلّقين وجدانيين برموز الإسلام، وأعلامه، فمثلا يتعلقون بالحج، ويتعلقون بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبعلي عليه السلام، عين علي، وضربة علي، وحمام علي، ويكثر في أسمائهم اسم (محمد وعلي)، ويتعلقون بالحرمين الشريفين، والحج، وكان يجعلون للحج أهمية كبيرة، لا نجدها إلا عند المؤمنين، ولهذا يسمون من وفقه الله للحج بـ(الحاج)، ولهذا تكثر أسماء بيت الحاج في اليمن.
16 – الإمام علي (لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)، واليمنيون معروف عنهم تعلقهم به، وتشيعهم فيه، ومن العجيب أن يأتي الحديث عن فاتح خيبر، على أن باغضه منافق، أي أنه لا ينتمي إلى هوية المؤمنين؛ لأنه أصلا من تلك الفئة التي تمردت على هوية الإيمان اليماني، وما حملات المنافقين من أذيال الاستعمار على الإمام عليه وأهل البيت إلا مصداق من مصاديق الحديث الصحيح عند جميع المذاهب والتيارات. بينما نجد الأحرار المجاهدين يتولون الإمام عليا وأهل بيته عليهم السلام باعتبار ذلك من فرائض الإسلام.
17 -هذا التعلق وهذه العلاقة بين الإمام علي واليمنيين، والعكس، لم تكن على أساس عصبوي، ولا على أساس محاباة، بل نتيجة انطلاقتهم القوية في الإسلام، ونتيجة تمثيل الإمام علي للإسلام كأفضل نموذج؛ ولهذا جاء وصفهم في كلام الإمام علي عليه السلام كما ورد في ذلك الشعر:
لهم تعرف الرايات عند اختلافها
وهم بدأوا للناس كل لحام
رجال يحبون النبي ورهطه
لهم سالف في الدهر غير أيام
هم نصرونا والسيوف كأنها
حريق تلظى في هشيم ثمام
لهمدان أخلاق ودين يزينها
وبأس إذا لاقوا وحد خصام
وجد وصدق في الحديث ونجدة
وعلم إذا قالوا وطيب كلام
أي أنه عليه السلام وصفهم بهذه الأوصاف العملية، وحصلوا على تلك المكانة لديه؛ لأنهم كانوا على هذا النحو من المحبة للإسلام، ولنبيه، وأهل بيته، ولنصرتهم، وجهادهم، وأخلاقهم، ودينهم، وبأسهم، وجدهم، وصدقهم، ونجدتهم، وعلمهم، وطيبة كلامهم.
18 -وبناء على ذلك فإن الحملات التي تستهدف الإمام عليا وأهل بيته اليوم هي لا علاقة بها بالهُوِيَّة الإيمانية؛ كون الإيمان يفرض على صاحبه أن يكون محبا لعلي، وأن من يبغضه هو منافق، والعجيب أن الإسلام عبر عنه بالنفاق، وليس بالكفر، أي أن له علاقة باليهود والنصارى، وبالهويات المناقضة لهُوِيَّة الإسلام.
19 -وكونهم حملوا راية الإسلام، والفتوحات، وقوّضوا الإمبراطوريات.
20 – ونشرهم للإسلام في الشرق والغرب وأفريقيا وجنوب شرق أندونيسيا.
21 -وكونهم وقفوا في صف الإسلام في مختلف المراحل، منذ الإمام الهادي وإلى يوم الناس هذا ، قال الإمام الهادي عليه السلام:
فما زالت الأخبار تخبر أنهم
سينصرنا منهم جيوشٌ كتائب
وناديْتُ همدانا وخولان كلهم
ومذحج والأحلاف والله غالب
تذكرني نياتهم خير عصبة
من الناس قد عفت عليها الجنائب
22 -وهذا شاهد على عصره، هو ابن فضل الله العمري (المتوفي في القرن التاسع الهجري) في موسوعته مسالك الأبصار في ممالك الأنصار، كان يتحدث عن الدولة اليمنية العادلة في عصره، والتي كان يقودها أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، والتي كانت تمثل خلاصة الهُوِيَّة الإيمانية اليمانية، فقال:
“وهي إمارة عربية، لا كبر في صدورها، ولا شَمم في عرانينها، وهم على مِسكةٍ من التقوى، وتردٍّ بشعائر الزهد، يجلس في ندي قومه، كواحدٍ منهم، ويتحدث فيهم، ويحكم بينهم، سواء عنده المشروف والشريف، والقوي والضعيف، وربما اشترى سلعته بيده، ومشى في أسواق بلده، لا يُغْلِظُ الحجاب، ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجاب، يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع، ولا تكثر غير مشبع، هكذا هو وكل من سلف قبله مع عدل شامل، وفضل كامل”.
23 -واليمنيون اليوم يقدمون نموذجا رائدا للإيمان النقي والمواجه والمحمدي الأصيل على مستوى العالم الإسلامي ؛ ولهذا ليس بعيدا أن تكون اليمن هي رائدة العمل الإيماني والجهاد الإيماني في زمن الارتداد.
24 -والمجاهدون والعلماء، والقادة، والأشراف، اليوم يُشَكِّلون الشكل والنموذج والهيئة التي كان وظل عليها اليمني، فليست أشكالهم مستوردة، ولا هوياتهم قادمة من خارج دائرة اليمن الإيمانية.
25 -ولدينا قيادة متميزة من أعلام الهدى، وقادة الإيمان، بشكل يتمنى المؤمنون في أنحاء الأرض أن تكون لهم قيادات على ذلك النحو وبتلك المنهجية الإيمانية.
26 -والرسول دعا بالبركة لنا وفينا أهل اليمن، وفي أهل الشام، واليوم نرى هذه البركة، وآثار هذه البركة في مدى الالتزام بالمواقف، بالأخلاق الكريمة، في الانتماء الصادق، في الحفاظ على الهُوِيَّة، كما يقول السيد القائد حفظه الله.
27 -وأظهرت الأحداث المعاصرة والمواقف اليوم في آخر الزمان، أن إيمان المؤمنين في اليمن علماء ومجاهدين وقادة ومواطنين “على نحو راق، ومتميز، وهم في طليعة الأمة بكل ما يمثله إيمانها من مبادئ وقيم وأخلاق وروحية” على حد وصف السيد القائد سلام الله عليه.
توصيات
في ختام هذه الورقة المستعجلة، يحسن إيراد بعض التوصيات لمن لهم علاقة بهذا الموضوع، وهي التالية:
1 – يجب أن تكون استجابتُنا مُعبِّرة عن هذه الهُوِيَّة، علما وجهادا وأخلاقا وفكرا وثقافة وتحركا وانطلاقة.
2 – الاستمرار في الإيمان، ومظاهره، وأعماله، وأركانه، وأجزائه بذات الوتيرة والفاعلية التي يريد الإسلام أن نكون عليها.
3 – إجراء مزيد من الندوات والدراسات حول الهُوِيَّة، وأن تجعل الهُوِيَّة الإيمانية هي الهُوِيَّة الجامعة لكل اليمنيين، والتي جاءتنا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
4 – أن تُضَمَّن هذه الهُوِيَّة في الدستور والقوانين، وأن تُشتق منها فلسفة الدولة اليمنية العادلة، ومناهجها التعليمية والإرشادية والتثقيفية، وأولوياتها، وغاياتها.
5 – إقامة برامج دعوية وإرشادية فنية وثقافية وإعلامية ودعوية، لنشر هذه الهوية، والترويج لها، نشرها، وتثبيتها في عقول ناشئتنا وأولادنا، باعتبارها الهُوِيَّة الجامعة التي تنبعث من روح الإسلام الحنيف، والتي لا تقف في وجهها إشكالات لا زالت مسرح الجدل في هذا العالم.
والله الموفق، وحرر بتاريخ 2 رجب 1440هـ – صنعاء.
رابطة علماء اليمن – الجامع الكبير – 2 رجب 1440هـ

قد يعجبك ايضا