ورقة عمل أعدتها رابطة علماء اليمن
بداية ينبغي التأكيد على أن أهداف ومهام الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة كهيئة رقابية عليا مستقلة لا تنحصر في مسألة كشف ومكافحة الأفعال والوقائع المضرة بالأموال والممتلكات العامة فحسب بل تمتد لتشمل أهدافاً وجوانب أوسع نطاقاً تتعلق بالمساهمة في تطوير أداء الوحدات الخاضعة للرقابة وصولاً إلى ضمان الاستغلال الأمثل للموارد والممتلكات العامة والكشف عن الطاقات والإمكانيات غير المستغلة وإظهار مواطن الإسراف ونقاط الاختناق وتحديد الانحرافات المالية والإدارية والقانونية وأسبابها واقتراح وسائل علاجها وتلافيها.
وسنتطرق في هذه الورقة الى الدور المأمول من القضاء بالشراكة مع الجهاز لحماية الأموال العامة من خلال أربعة محاور على النحو الآتي :
المحور الأول
دور الجهاز في حماية المال العام بالشراكة مع القضاء
إن مسألة حماية المال العام تعتبر في طليعة أهداف الجهاز وتمثل القاسم المشترك الذي يميز علاقة الجهاز بالسلطة القضائية باعتبار أنها علاقة تكاملية تهدف إلى الشراكة في تحمل مسؤولية عبء حماية وصون المال العام إعمالاً لأحكام ونصوص قانون الجهاز والقوانين ذات العلاقة ، حيث يقوم الجهاز بدوره وفق ما جاء في القانون رقم (39) لسنة 1992م ولائحته التنفيذية والذي حدد للجهاز أهدافاً واختصاصات ومنها ما يلي:-
1) (تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة والتأكد من حسن إدارتها من حيث الاقتصاد والكفاءة والفعالية) ولتحقيق هذا الهدف منح الجهاز صلاحية ممارسة أنواع الرقابة الآتية (الرقابة المالية والرقابة على الأداء والرقابة القانونية).
2)- وحدد القانون الاختصاصات والصلاحيات المخولة للجهاز لممارسة مهامه الرقابية والتي تخوله حق القيام بفحص ومراجعة وتقييم كافة الأنشطة المالية والإدارية الخاصة بكافة وحدات الجهاز الإداري للدولة والوحدات الاقتصادية والوحدات المعانة والمجالس المحلية وتكويناتها ، بالإضافة إلى تتبع الأموال العامة أينما وجدت والتأكد من حسن إدارتها.
وأثناء ذلك تتكشف للجهاز العديد من التصرفات والمخالفات التي تتفاوت من حيث جسامتها والضرر الناجم عنها تستوجب الجزاء الإداري ، ومنها ما قد تشكل وقائع جنائية يستوجب إحالتها إلى النيابة وفقا لنص المادة (11/7)من قانون الجهاز .
3)- منح الجهاز الحق في متابعة سير قضايا المال العام المنظورة أمام الجهات القضائية المختصة سواءً كانت تلك القضايا محالة من قبل الجهاز أو من الجهات الخاضعة لرقابته و لا يعد ذلك بأي حال من الأحوال من قبيل التدخل في أعمال السلطة القضائية لما لها وإنما الغرض منها هو الوقوف على ما آلت إليه القضايا المحالة أو المبلغة للجهاز حتى يتخذ بشأنها ما يلزم وفقا للقانون .
المحور الثاني
طبيعة العلاقة بين الجهاز و السلطة القضائية و محاكم ونيابات الأموال العامة
تكتسب علاقة الجهاز بالقضاء أهمية بالغة باعتبار النيابة هي صاحبة الولاية في تحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم التي تنظر تلك القضايا وفقا لنصوص وأحكام قانون الإجراءات الجزائية ، وقد تم مؤخرا إنشاء أجهزة قضائية نوعية و هي نيابات ومحاكم الأموال العامة وكان ذلك ثمرة لجهود الجهاز في المطالبة بإنشائها والتي عهد إليها في اطار النظام القضائي العام القيام بإجراءات التحقيق والمحاكمة في القضايا الجنائية ذات الصلة بالمال العام واعتبرها القانون من الجرائم المستعجلة التي تستوجب اتخاذ إجراءات المحاكمة المستعجلة ، وتعد علاقة الجهاز بنيابات الأموال العامة أكثر ارتباطاً وتلازماً من علاقته بمحاكم الأموال العامة نظراً لكون النيابة هي المتلقي الأول لما يقوم الجهاز بإحالته إليها من وقائع جنائية باعتبارها صاحبة الولاية والاختصاص مباشرة إجراءات التحقيق وتوجيه الاتهام في قضايا المال العام ، وبالتالي فإن العلاقة بين الجهاز والسلطة القضائية فيما يتعلق بقضايا المال العام هي علاقة تكاملية لغرض إنفاذ أحكام القانون .
الجدير بالذكر ان قيادة الجهاز الحالية والسلطة القضائية تبذل جهوداً متواصلة حيث تم مؤخرا عقد لقاء بين الأخ رئيس الجهاز والنائب العام ومحامي عام نيابة الأموال العامة وتم فيه مناقشة علاقة الجهاز بالنيابة وشدد على أهمية متابعة القضايا المحالة من الجهاز وإيلائها الاهتمام اللازم ، حيث نتج عن ذلك اللقاء الاتفاق على الإعداد والتحضير لتشكيل لجنة تنسيق مشتركة بين الجهاز والنيابة تعنى بدراسة المشاكل والصعوبات التي تعترض عمل كل من الجهاز والنيابة وتسعى لإيجاد مصفوفة من الحلول المناسبة بما في ذلك العمل على إيجاد آلية مشتركة للتسريع في البت في قضايا المال العام وتبادل المعلومات بشأنها.
ورغم جهود الجهاز في تفعيل الدور التكاملي بين الجهاز والقضاء إلا أن هناك صعوبات تعترض عمل الجهاز مع القضاء نستعرض بعضاً منها في المحور التالي
المحور الثالث
أهم المشاكل والصعوبات التي تواجه الجهاز مع القضاء
هناك العديد من المشاكل التي تؤثر على أداء أجهزة القضاء المختصة بقضايا المال العام و تؤثر بشكل أو بآخر على دورها في حماية المال العام ومنها ما يلي:
بطء إجراءات سير التقاضي في بعض قضايا المال العام على الرغم من أن هذه القضايا وفقاً للقانون من القضايا المستعجلة مما يؤدي الى تعثر كثير من قضايا المال العام لدى الجهات القضائية وتأخير البت فيها فعلى سبيل المثال أحال الجهاز في العام 2018م عدد (25) قضية تم إحالة عدد (3) قضايا فقط منها للمحكمة فيما لاتزال (22) قضية رهن التحقيق ، كما أحال الجهاز في العام 2019م عدد (19) قضية منها (3) قضايا بلاغات واردة للجهاز و جميعها لا تزال رهن التحقيق لدى النيابة.
عدم توفر الخبرة الكافية لدى بعض العاملين في القضايا المتعلقة بالمال العام و القصور في فهم الجوانب المالية والمحاسبية والفنية لتقارير الجهاز، خاصة عندما تكون عناصر الوقائع الجنائية ذات طبيعة مالية أو محاسبية أو فنية ونظرا لما تتطلبه نوعية هذه القضايا من كوادر قضائية ذات مواصفات متخصصة ،ويرجع سبب ذلك لعدم إلمام بعض أعضاء النيابات والمحاكم بالمعارف والخبرات الكافية لهذه الجوانب و تغيير الأعضاء الذين اكتسبوا خبرات في هذا المجال بأعضاء جدد لا تتوفر لديهم أي خبرات في هذا المجال ولحل هذا الإشكال يقترح الجهاز عقد دورات تدريبية لكوادر ومنتسبي نيابات ومحاكم الأموال العامة في المجال المحاسبي لكافة أعضاء النيابات والمحاكم والمختصين بنظر قضايا المال العام وبخاصة الاعضاء المنقولين من النيابات والمحاكم العادية و اقتراح حصر الحركة القضائية لأعضاء نيابات ومحاكم الأموال في إطار تلك النيابات والمحاكم حتى لا يتم تغيير من قد تم تدريبهم وتأهيلهم في هذا المجال.
عدم تجاوب النيابة والقضاء بشأن طلبات الجهاز المتكررة بإنشاء نيابة متخصصة بالفصل في القضايا التي يحيلها الجهاز والتي من شأنها الاسهام في سرعة البت في تلك القضايا .
عدم توفر العدد الكافي من أعضاء نيابات الأموال العامة والتي تعد مشكلة قائمة منذ فترة طويلة حيث يكلف العضو بقضايا تزيد عن طاقته وقدرته على الإنجاز وهو ما يوثر على الكيفية التي تنتهي بها هذه القضايا .
إن تأخر البت في قضايا المال العام يودي إلى إهدار الجهود المبذولة من قبل الجهاز ويؤدي الى ضياع الأدلة و صعوبة الحصول عليها بسبب تغير الموظفين المنسوب اليهم الوقائع وانتقالهم لأعمال أخرى أو لوفاتهم ..الخ.
عدم إيلاء قضايا المال العام الاهتمام الكافي رغم أن هذه القضايا تستدعي الاهتمام أكثر من غيرها من القضايا الجنائية نظرا لتشعبها و كبر حجم الوثائق والملفات المتعلقة بتلك القضايا وعدد المتهمين ونوعيتهم .
قيام نيابات الأموال العامة أحيانا بإصدار قرارات بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية بحجة القصور في تقرير الجهاز أو لعدم كفاية الأدلة ، دون مراعة لما يوجبه القانون على النيابة من استكمال جوانب القصور في حال وجوده أو طلب الاستيفاء من الجهاز إذا لزم الأمر ، كون النيابة هي في الأصل صاحبة الولاية والاختصاص في رفع الدعوى الجنائية و لها سلطات واسعة في الحصول على الأدلة والمستندات.
عدم تعامل النيابة بجديه مع القضايا التي يحيلها الجهاز بشأن وقائع عرقلة سير العمل التي يتعرض لها مراجعوا الجهاز بين الحين والآخر من قبل الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز ، بل وفي كثير من الأحيان تصدر النيابة قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية بحجة أنها من القضايا الإدارية مع أنها من القضايا الجنائية المنصوص عليها في قانون العقوبات النافذ في المادة ( 165 ) منه.
عدم فهم النيابة والقضاء لطبيعة العلاقة بين الجهاز والنيابة و الذي يترتب عليه تأخير البت في قضايا المال العام و من ذلك قيام بعض النيابات والمحاكم بطلب حضور فاحص الجهاز لتوضيح تقارير قد مضى عليها فترة طويلة منذ أن أحالها الجهاز إلى النيابة ويرجع السبب في ذلك الى تأخر البت في مثل هذه القضايا من قبل النيابة والقضاء، و طلب الفاحصين بعد مضي هذه الفترة الطويلة قد يؤدي إلى إضعاف الأدلة و تكليف المراجع وانشغاله بمهام أخرى، و لمعالجة ذلك يرى الجهاز ضرورة تحديد مدة زمنية يمكن للنيابات أو المحاكم طلب التوضيح أو الاستيفاء من الجهاز، على أن تكون مدة قصيرة تلافيا لتأخير البت في القضايا.
عدم تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح المال العام ويرجع السبب في ذلك الى ضعف الإمكانيات للأقسام المعنية بالتنفيذ وعدم وجود آلية واضحة لتنفيذ الأحكام القابلة للتنفيذ بالإضافة لعدم تخصيص قوة أمنية مؤهلة وكفؤة تتبع قسم التنفيذ للاستعانة بها عند تنفيذ الأحكام .
قيام بعض النيابات بحفظ قضايا و التصالح فيها أمام النيابة مع أن المشرع منح المال العام ضمانات بغية توفير الحماية له، ومن ضمن تلك الضمانات عدم التنازل عنها أو التصالح في مثل هذه القضايا، ويرجع السبب في ذلك الى عدم التعاطي من قبل القضاء مع الضمانات الممنوحة للمال العام كما يجب ولمعالجة ذلك يرى الجهاز بأن يقوم النائب العام بإصدار تعميم يلزم النيابات بعدم القبول بأغلاق ملف أي قضية يتم فيها التصالح أو التنازل عن المال العام .
عدم موافاة الجهاز وفروعه بالأحكام والقرارات الصادرة في قضايا المال العام سواءً المحالة منه أو المبلغة إليه على الرغم من مطالبة الجهاز المستمرة بهذا الخصوص وصدور توصيه في اللقاءات السابقة بهذا الخصوص ناهيك عن صدور تعميم من وزير العدل بهذا الخصوص ويرجع السبب في ذلك لعدم تنفيذ التوصيات الصادرة في اللقاءات التشاورية السابقة وعدم تعميم تلك التوصيات على النيابات والمحاكم ولمعالجة ذلك نرى ضرورة تعميم التوصيات عقب كل لقاء على كافة فروع الجهاز والنيابات والمحاكم لكي يتم مراعاتها أثناء أداء أعمالهم اليومية .
قيام النيابة بطلب حضور فاحصي الجهاز جلسات المحاكمة ومواجهتهم بالمتهمين، والسماح للمتهمين أو محاميهم باستجوابهم كما لو كانوا خصوماً أو أنهم أطراف في القضية ويعد ذلك سوء فهم لطبيعة المهام والاختصاصات والصلاحيات المناطة بالجهاز كونه جهة رقابية عليا مستقلة ومحايدة.
المحور الرابع
الحلول والمقترحات لتفعيل وتعزيز دور القضاء والنيابة في حماية الأموال العامة
تعد الأجهزة المعنية بحماية المال العام الحصن الوثيق لحماية الأموال والممتلكات العامة وأهم هذه الأجهزة هي الجهاز والنيابة والقضاء وحتى تحقق هذه الجهات غاياتها المنشودة في حماية المال العام يجب أن ترتبط ارتباطا وثيقا في أداء مهامها في حماية المال العام وحتى تكون هذه الحماية على قدر من الفاعلية والكفاءة فإن الأمر يتطلب:
تلبية طلب الجهاز بإنشاء نيابة متخصصة بالفصل في القضايا التي يحيلها الجهاز والتي من شأنها الاسهام في سرعة البت في تلك القضايا .
ضرورة استمرار اللقاءات التشاورية بين الجهاز وأجهزة القضاء لدراسة المشاكل والصعوبات التي تعترض عمل هذه الأجهزة ووضع الحلول اللازمة بشأنها وتنفيذ التوصيات الناتجة عن تلك اللقاءات .
تفعيل العلاقة القانونية بين أجهزة القضاء المختصة بقضايا المال العام والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ولما من شأنه وضع آلية تحدد طبيعة هذه العلاقة وتكاملها وتسهم في تسريع البت في قضايا المال العام .
تزويد نيابات ومحاكم الأموال العامة بالعدد الكافي من الكوادر القضائية الكفؤة وما تحتاجه من مقرات ملائمة وامكانيات كافية .
عقد دورات تأهيلية في المجالات المالية والمحاسبية والأنظمة المالية.
ربط نيابات ومحاكم الأموال العامة والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بنظام معلوماتي يسهل تبادل المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بقضايا المال العام المنظورة أمام القضاء.
اجراء التعديلات التشريعية على بعض القوانين التي تعيق أداء الأجهزة القضائية لدورها في حماية المال العام ومنها القانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن محاكمة شاغلي الوظائف العليا.
وضع نصوص عقابية تجرم مخالفة أحكام قانون المناقصات والمزايدات كون أكثر الأفعال المضرة بالمال العام تتم بمخالفة ذلك القانون و يؤدي إفلات الجناة من العقاب لعدم وجود نصوص تجرمها .
ضرورة الالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية وقانون إنشاء محاكم الأموال العامة فيما يتعلق بتطبيق إجراءات المحاكمة المستعجلة في قضايا المال العام.
تفعيل النظم والقوانين المالية والإدارية من قبل الجهات الحكومية للحد من ارتكاب الجرائم المضرة بالمال العام وتفعيل مجالس التأديب الإداري فيها.
توحيد مفاهيم وإجراءات العمل المتعلقة بالمال العام لدى الجهات المعنية بهذه القضايا .