أعياد مدن وادي حضرموت عادات وتقاليد ضريرة وعريقة


سيئون / أحمد سعيد بزعل –
لعيد الأضحى المبارك ذكريات ساكنة في أعماق كل شخص خاصة أيام الطفولة والصبا فما أكثر ذكريات العيد ولياليه الجميلة وربما فقدت أعيادنا حاليا العديد من الطقوس التي كانت موجودة سابقا بفعل التطور التكنولوجي واختراق عصر العولمة للشعوب الإسلامية.
حول العيد وذكرياته في الماضي على صعيد مدن وقرى وادي حضرموت التقينا عدد من الشخصيات وخرجنا بالحصيلة التالية :

* الباحث والمؤرخ الأستاذ/ جعفر محمد السقاف أول المتحدثين عن العيد في سيئون حيث قال :
إن لعيد الأضحى بمدينة سيئون عادات وتقاليد فريدة حيث تبدأ هذه التقاليد الموروثة أباٍ عن جد من أول شهر ذي القعدة كمايلي:
بالنسبة لملابس العيد يحضر المواطنون أقمشة العيد للرجال والنساء والصغار والكبار إلى الخياطين حيث لاتوجد ملابس جاهرة كما هو الآن , فيقوم الخياطون بخياطة الملابس فقط أما الأزرار وتركيبها وثقوبها فهي من وظيفة ( درزي) آخر يقوم بها , كما يقدم المواطنون من الطبقة العليا الكوافي ( القلنسوات ) التي توضع على رؤسها خيوط ذهبية أو ملونة كما تطعم بمواد النشاء المقوى والذي يجعل القلنسوة قائمة بذاتها وكأنها ( الطربوش) والكبار يشدون عليها العمائم بأوضاع مختلفة , أما الشباب فيلبسونها لحالها وعند ما تنعكس أضواء الشمس على رؤسها المذهبة تحمل انعكاسات على الجدران وعلى المجاميع السائرة في موكب العيد لأداء صلاة العيد وزيارة الأهل والأقارب , طيلة أيام العيد الثلاث .
بالنسبة للأغنام وكباش العيد من أول شهر القعدة تقوم ربات البيوت بإعطاء الأغنام أفضل الغذاء الذي ينبت اللحم والشحم , فيدقون النوى المستخرج من التمور ويسمونه ( العجم ) ويقدم للأغنام صباحا ومساءا فتسمن الأغنام وتكتتز باللحم والشحم , ويخصص الكبير منها ليذبح سنة ( الأضحية ) صدقة للفقراء والمساكين , وقبل بداية أيام العيد تأخذ البيوت في الرش بالنورة خاصة واجهات النوافذ وأساسات ومقدمات المداخل الرئيسية , وأما ( التكة ) وحوالي البيت فتطلى بالطين الناعم الممزوج بالتبن (مخلفات حصاد القمح ).
الإعلام تضئ شعلات النار من أعلى قمم الجبال ليعرف أبناء الريف حلول هلال العيد كما تطلق الإعيرة النارية والمدافع , وفي واجهة صالون السلطان تحضر فرقة ( الطبول السلطانية ) فتضرب الطبول بإيقاعاتها المختلفة إيذانا بحلول العيد وفي ليلة الزينة تسرج المساجد ويحضر الجيران إليها ليلة العيد لتلاوة القرآن والتفسير وتوزيع بعض الحلويات إضافة إلى شراب القهوة المنعش والذي يحتسونها ساعات طويلة من الليل إلى انبلاج الفجر , وتنشغل ربات البيوت بتبخير الملابس بالدخون وتنظيف الأحذية .
أما الصغار فينشغلون بفرقعة القراصيع النارية المصنوعة محليا من حجره يثقب عليها ثقب وتوضع فيه مفرقعات البارود وباحتكاكه بعملية الضرب على الحجرة تتفرقع المفرقعات محدثة صوتا يتناسب وحجم مادة البارود , والتي تستخلص محليا من معادن في الجبال (شبه كبريتية).
كما يتغنى الأطفال ذكورا وإناثا بأغاني العيد (الليلة عيد على الدنيا سعيد) و( أهلا مرحب بالعيد ) و( ياليلة العيد قلبي سعيد ).
وبعد أداء صلاة العيد يتزاور الأهل والأقارب ذكورا وإناثا وأطفالا ويقدم البخور (العود) وشراب القهوة بنية أن تعود العيد وفي بعض الجلسات تنشد أناشيد , أما آخر الجلسة فلابد من قراءة فاتحة الكتاب بعد الدعاء بنية العواد.
* وعن العيد في مدينة تريم الغناء يحدثنا من هناك الأستاذ/ ابوبكر حداد بلفقية وهو من أبناء هذه المدينة الشهيرة بقوله :
يختلف العيد من مكان لآخر .. إذ يتخذ صفاتا وألوانا متعددة .. الا أن كل ألوان العيد في اليمن السعيد تكاد متقاربة ومتشابهة إلى حد كبير وتختلف في بعض الأشياء بحكم البيئة التي لها أثر في رسم العادات والتقاليد من مدينة إلى أخرى .
وهنا في تريم تكون العادات فيها مميزة إذ هناك مزيج من التقاليد الشعبية التي تتحكم في إضفاء الطابع الاحتفالي ورسم الجانب الجمالي للعيد , وتعمل على زيادة التقارب بين الناس بعضهم ببعض .
وتبدأ العادات الاحتفالية بعيد الأضحى المبارك من اليوم السابع من شهر ذي الحجة بالخروجات ( النزولات ) العائلية والجماعية , العائلية في الصباح تجد أعلب الأسر يذهبون إلى مكان ما لتناول وجبة الغداء , وربما طبخوه في ذلك المكان , وتناولوا بعدة كاسات الشاي وحبات الحنظل , وفي عصر هذا اليوم تبدأ التجمعات الشبابية , يقضون ساعات العصر في الجبال يستطلعون المدينة ويتناولون بعض الوجبات الخفيفة ويروحون عن أنفسهم بالحديث والمرح وبعض الألعاب المسلية ويسمون هذا اليوم في تريم (بمطلع الحطب ) وفي المساء تتواصل التجمعات بين الأصحاب والخلان رجالا ونساء لعقد ساعات السمر وتناول وجبة العشاء وربما سهروا إلى ساعة متأخرة من الليل أو واصلوا سمرهم ( خصوصا الشباب منهم ) إلى مطلع الفجر , وهذه الوجبة المسائية تسمى في تريم بـ ( المداد ) بمعنى أن كل فرد يمد ويعاون بقسط من المال لتغطية تكاليف وجبة العشاء , التي ربما اختاروها وجبة دسمة , وسهروا مرحين بين أعمال الذبح والشوي والطبخ , ثم جلسوا يتبادلون الطرف والنكت والأحاديث المرحة والمسلية , وينتهي بهم هذا اليوم هكذا.
وفي اليوم الثاني ( أي يوم الثامن من شهر ذي الحجة ) تتواصل عاداتهم الفرائحية استعدادا للفرحة الكبرى يوم العيد , وهذا اليوم يسمى في تريم بعيد الصغار ( الصغيرين ) أي الأطفال , إذ تحتفل الأسر مساء في بيوتها بتوزيع قطع الحلوى والشوكلاته , ويسهر الأطفال في تقشير حبات الكزاب , ثم يسلمونها رب الأسرة ليتولى توزيعها على كل أفراد الأسرة , وهم على هذا الحال يتناولون وجبة العشاء ويحتسون كؤوس الشاي.
وفي يوم عرفة يكون أكثر الناس ( ان لم نقل جميعهم ) في المدينة صائمين هذا اليوم , للاجر العظيم الوارد في صيامه , الذي أصبح عادة من عادات هذه المدينة , وفي عصر يوم عرفة يتوجة الرجال والأطفال إلى بعض المرتفعات , متشبهين بإخوانهم الحجاج في جبل عرفة , مجتمعين على قراءة بعض الأذكار والأوراد متضرعين إلى المولى عز وجل بالدعاء والابتهال أن يقسم لهم بنصيب وافر من رحمته التي كتبها لحجاج بيته الكريم , ثم يستمعون إلى المواعظ والخطب التي تذكرهم بفضائل يوم العيد والسنن الواردة فيه , وهم على هذا الحال حتى غروب الشمس وأذان المغرب يتناولون إفطارهم في تلك الساحة ويؤدون صلاتهم , ويعظمون ربهم الجليل بالتكبير , ويتبادلون التحايا والتهاني وينادي المنادي معلنا موعد صلاة العيد في اليوم الثاني , وهم كذلك يتوجهون إلى منازلهم ويجتمعون مرة أخرى في النصف الثاني من الليل , كل في المسجد الذي يجاوره وذلك لإحياء ليلة العيد بالاعتكاف في بيوت الله وتلاوة القرآن الكريم والتكبير , وتدور أثناء ذلك كؤوس القهوة وقطع الحلوى وبعض المأكولات الخفيفة حتى طلوع الفجر .
صباح العيد : ملابس زاهية وألوان باهية , الكل قد لبس الجديد احتفاء بالعيد والأطفال يلونون العيد هذا اليوم بلون جميل , قبعات ـ بالونات ـ حلويات ـ طماش قارح , والنساء يعددن وجبة الغداء في المنازل , والبقية في مصلى العيد , والطريق يعج بصوت جميل : الله أكبر الله أكبر …. الخ .
ومنذ الساعات الأولى تزاور وتبادل التهاني بين الأقارب والخلان وتناول الشاي والحنظل في المنازل وتبخير بالعود والطيب ونشيد وسماع وغناء وتبادل لأطراف الحديث , وعلى هذا المنوال يمر يوم الزينة .
أيام التشريق تتواصل طيلة أيام التشريق الثلاثة الزيارات بين الأهل والأقارب والأصحاب والخلان لتقديم تهاني العيد في الصباح والمساء , وفي عصريات هذه الأيام تقام الألعاب الشعبية التراثية مثل ( الشبواني , الزامل , الرزيح وغيرها ) وهناك أيضا مباريات الألعاب الرياضية , وفي هذه الأيام أيضا يذبح المستطيع أضحيته , وربما شهدت الثلاثة الأيام كلها ضيافات بين الأهل والأقارب .
بعد أيام التشريق تتواصل وعلى مدى ثلاثة أيام من الأسبوع مراسيم العيد في شكل آخر إذ ينطلق الرجال مرة أخرى في تبادل التهاني بالاجتماع لدى العلماء وذوي الوجاهة واعيان البلد , في جلسات قصيرة تؤخذ فيها بعض الأناشيد الدينية ويتناولون فيها مشروب القهوة , متنقلين من بيت إلى آخر على مدى ثلاثة أيام , تسمى في تريم بأيام ( العواد ) والتي تتواصل في مسائها الألعاب الشعبية والرياضية , وتختتم أيام عيد الأضحى المبارك في اليوم السادس عشر من شهر ذي الحجة , أعاده الله علينا وعليكم في خير ولطف وعافية , وكل عام وانتم بخير .

قد يعجبك ايضا