كسرن حاجز العادات والتقاليد لتنفيذ أدوار بطولية وصلت إلى العمليات الفدائية ضد المستعمر


إعداد / رجاء عاطف –
المناضلة “دْعرة” تركت الحجاب وحلقت شعر رأسها وارتدت ملابس الرجال وحملت البندقية لتقاوم المستعمر

جمع التبرعات وتوعية المواطنين ودعم الفدائيين ونقل الأسلحة والمشاركة في المسيرات .. جهود إضافية للمناضلات

إعداد / رجاء عاطف

شهدت البلاد خلال الثورة اليمنية أدوارا بطولية للمرأة اليمنية التي كانت تعتبر الوجه الآخر للثورة والثوار في الريف والمدينة خلال مرحلة النضال وحرب التحرير وكان لها مواقف إيجابية ومشرفة في نصرة ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر التي اندلعت أولى شراراتها من على قمم جبال ردفان والضالع حيث كان لها مشاركات فاعلة إبان فترة الكفاح المسلح إلى جانب أخيها الرجل كونهم عاشوا على السواء حياة قاسية ومأساوية عانوا فيها أشكال الذل والاضطهاد والفقر والتخلف والظلم من قبل المستعمر البريطاني وأعوانه والحكم الإمامي المستبد لفترة طويلة من الزمن.
حتى قامت الثورة السبتمبرية والأكتوبرية وأعلنت الجمهورية وبزغ فجر الحرية بجلاء المستعمر في الـ30 من نوفمبر 67م ورحيل آخر جندي بريطاني من جنوب الوطن اليمني . ولقد سجل لها التاريخ أدوارها في تلبية النداء والواجب الوطني دفعها إلى ذلك حبها وشعورها الوطني الذي كان أقوى من محاولات الاستعمار البريطاني وقد تعددت أدوارها في حرب التحرير والعملية الثورية وكانت حينها ذا أهمية وضرورة لنجاح الثورة .
وفي هذا الاستطلاع نقرأ أهم الأدوار البطولية للنساء المناضلات اللاتي أثبتن جدارة في الدفاع عن وطنهن والولاء له وتقديم تضحيات فدائية عظيمة من أجل الحصول على الاستقلال ودحر المستعمر.. فإلى الحصيلة :

_ نور باعباد رائدة في العمل السياسي تقول: كان للمرأة اليمنية دور بطولي في النضال ومرحلة حرب التحرير وتحقيق الاستقلال في جنوب البلاد في فترة الكفاح المسلح حيث كان دورها في الريف لا يقل عن دور الرجل فقاتلت معه ببطولة وشجاعة لا يستهان بها خاصة أمام ما شهدته مناطق الضالع وردفان من عدوان الانجليز وقصفهم للمناطق بالطائرات ضد العزل من المواطنين وكان ذلك القصف محفزا لتثور المرأة في هذه المناطق لتعين أخاها الرجل في الثورة على الانجليز فقد حملت السلاح وآزرته في القيام بالرد على القصف الجوي وقامت بتقديم العون والمساعدة للفدائيين والثوار خلال انتقالهم إلى القرى وأعالي الجبال وفي منازلهن بكل ما يحتاجونه من طعام وماء وأيضا إرساله إلى مواقع الثورة السرية وكذلك عمل الإسعافات الأولية لهم وتمريضهم والاحتفاظ ببعض الأدوية في منازلهن لمثل هذه الأمور والتوجه إلى المدن لشراء متطلباتهم من أدوية وأيضا إخفاء السلاح و الثوار في حقولهن ومنازلهن أثناء مرور دوريات الاحتلال ونقل الأسلحة الثقيلة إليهم كمدافع الهاون والرشاشات حيث كانت تفكك أجزاءها وقطعها وتضعنها داخل أعواد القصب وتحملها إلى المواقع المحددة كما كانت المرأة بمثابة ساعي البريد تقوم بنقل الرسائل الخاصة والمعلومات السرية بين الفرق الثورية المنتشرة في عدد من المناطق الريفية أو المدن وبين القيادات وأفرادها وبين الثوار والمعتقلين السياسيين و يخفين الرسائل بين خصلات شعر رؤوسهن خاصة عند ذهابهن لزيارة المعتقلين في السجون أو خلال تنقلهن من منطقة إلى أخرى بالرغم من وجود التفتيش الدقيق والرقابة المشددة .
دور سياسي
وأضافت باعباد : لقد تطور وتنوع دور المرأة في المدينة حيث كان دورها هاما وحيويا منذ ما قبل قيام الثورة في التحاقها بالتعليم منذ عام 1925م ثم 1941م في مدينة الشيخ عثمان واتسم دورها بالطابع السياسي والتنظيمي وقد انخرطت المرأة في تنظيم الجبهة القومية أثناء العمل السري منذ نشوء التنظيم وكانت تقوم بتوزيع المنشورات في الشوارع والمقاهي والمدارس وفي كل مكان تستطيع الوصول إليه وتساهم بل تقوم بكثير من المسيرات الشعبية وتوزيع السلاح بين الفدائيين وأيضاٍ تقوم بمختلف المهمات النضالية التي كان يتعذر على الرجال القيام بها فتنوع نشاطها في بداية نهوضها فكانت طالبة ثم عملت معلمة وممرضة في وقت كانت العادات والتقاليد تقف حائلا أمامها في التعليم والعمل واستطاعت أن تنال حظها لتفسح المجال لمن تأتي بعدها مما مكنها من المشاركة في مختلف أشكال النضال السلمي عبر النقابات خاصة مع تأسيس الحركة العمالية وقيام المؤتمر العمالي1956م.
وقالت : كان الجو العام السياسي لموقع ميناء عدن الاستراتيجي وقيام منشأة مصافي عدن بمدينة البريقة يشكل تجمعات مدنية اقتصادية واجتماعية مما رفع الوعي ومنه الثقافي – وأثر ذلك في المشاركة في الحياة العامة للمجتمع عامة والمرأة خاصة بدءا بالتعليم ثم العمل كمعلمة وممرضة في الجهات الحكومية ومنها الإذاعة والتلفزيون كما كان للدور التنويري من ظهور الصحافة المحلية ووصول الكتب والصحف القادمة من مصر تأثير هام وشكل ذلك تمهيدا لمشاركة وطنية في الخروج بالمسيرات المنددة وهي بدايات لتكوين وعي المرأة في عدن باعتبار أنها بوتقة لصهر الثقافة وبالتالي انطلقت نحو التعليم والعمل والحياة الثقافية والمشاركة السياسية في المسيرات والجمعيات واتسمت الساحة بوجود عدد من التنظيمات التي اعتمدت الكفاح المسلح وكان هذا الدور يحتاج للارتقاء والاعتراف به وقد استقطبت النساء في هذا النشاط التنظيمي باعتبار أنه مشكل من عدة تجمعات وتم تدريبهم بتربية تنظيمية وطنية وقومية مؤثرة تعتمد على السرية بالنظر لخصوصية العمل من ناحية اجتماعية وسياسية وكان أن تكونت المراتب والخلايا التنظيمية النسوية المنفصلة عن الرجال حتى أصبحن هؤلاء النساء يستلمن التعليمات ويوجهن جماهير النساء فتكونت بذلك شبكة من التواصل السري عبر آليات عديدة حينها كانت التلفونات محدودة ولم يكن هناك موبايلات ولكن دقة العمل والتطلع نحو هدف طرد المستعمر هو الهدف السامي . وتابعت: بل أتذكر أن إحدى الأخوات كانت حاملاٍ وهي تحمل معها قنابل وتمر هي وزجها بالسيارة عبر ثكنات الجيش البريطاني كما استفادت النساء من الشيدر (الحجاب ) والعادات التي تجعل الجندي البريطاني يحذر من أي تعامل قد يعرضه لغضب ورد فعل عنيف .
نموذج للنضال
وأردفت بالقول: كانت المرأة في الضالع مثلا بطبيعة المجتمع الرافض للعدوان والاحتلال لا تقل موقفا عن الرجل بل إن المناضلة (دْعرة) خير نموذج وقد جرحت ونقلت إلى تعز ثم إلى مصر للعلاج وكذا المناضلة (شلعه).. التي شاركت في قتال ضد الانجليز وقدمت كلتاهن نموذجاٍ مشرفاٍ لنساء الضالع وعدد آخر من النساء فالمناضلة (مريم ) التي عرفت فيما بعد ب( دْعرة ) كانت تنمو وينمو معها الشعور بضرورة المقاومة والرفض للاستعمار وكما وصفتها إحدى الصحف المصرية في ستينات القرن الماضي- بأنها ضربت بتقاليد بلدها عرض الحائط تخلصت من الحجاب الذي كان يخفي وجهها وحلقت شعرها وارتدت ملابس الرجال ووضعت في وسطها الخنجر وعلقت على كتفها البندقية وكانت دائماٍ ما تردد بأن بالها لن يهدأ حتى ترى كل وطنها العربي متحرراٍ من رجس المستعمر الأجنبي فقد شاركت في العديد من المعارك والاشتباكات بدءاٍ من انتفاضات القبائل في العامين 65 و 75م ومعارك صرواح دفاعاٍ عن الثورة السبتمبرية الأم والتي أبلت فيها بلاءٍ حسناٍ وأظهرت من الشجاعة والبسالة ما أبهر الرجال وكذا مشاركتها في معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية في جبال المحابشة بحجة إلى جانب أخيها القائد الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة..
صور بطولية
وكانت دْعرة بالنسبة للمستعمر مصدر قلق وعدم استقرار وهو ما دفع قيادة الشرق الأوسط البريطانية إلى رصد مبلغ مائة ألف شلن لمن يقبض على دْعرة ويسلمها للانجليز تقول باعباد: في واحدة من صور البطولة التي أبدتها المناضلة دْعرة في معركة التحرير أنها في إحدى الليالي خرجت مع مجموعة من الفدائيين ليقوموا بهجوم مفاجئ على مقر القيادة البريطانية ودامت المعركة أكثر من ساعتين قتل خلالها الكثير من الجنود البريطانيين واشتعلت النيران في مخازن الذخيرة وأحرقت مصفحتين وأثناء تأهب الفدائيين للانسحاب أصيبت في ساقها واستمرت في الانسحاب ولكن أصيبت مرة أخرى في ساقها فسقطت على الأرض ولم تقو على الحركة ثم واصلت وهي جريحة راقدة خلف صخرة تطلق النار على الانجليز لتحمي انسحاب الفدائيين ولما نفذ رصاصها حطمت بندقيتها فوق الصخرة حتى لا يأخذها الانجليز سليمة وأسرت المناضلة ونقلت إلى سجن عدن وبعدها أذاع راديو لندن وعدن أكثر من مرة نبأ القبض على الإرهابية دْعرة ووزعت منشورات داخل المعسكرات تزف هذا النبأ إلى الجنود والضباط الإنجليز واستجوبها الانجليز وحاول ضباط المخابرات البريطانية معرفة الطريقة التي يتسلح بها جيش التحرير ومستوى التدريب على حرب العصابات الذي حصلوا عليه والجبهة التي تقوم بمساعدة المناضلين ولكنها أصرت على الصمت ومرت أيام وبعدها عثرت السلطات على خمسة من حراس السجن مذبوحين وزنزانة البطلة خالية منها وعادت هذه المناضلة إلى جبهة القتال في ردفان توزع الموت على جنود الاستعمار وعلى أعوانه فكانت شخصية وطنية وقومية تتناقل أخبارها وسائل الإعلام المحلية والعربية..
دور رائد
ومن جانبها تقول انتصار عمر خالد مدير عام المرأة والطفل بوزارة الإعلام: إن دور المرأة اليمنية في الجنوب أثناء فترة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني كان دوراٍ رائداٍ في المنطقة فبعد انفجار الثورة في 14 أكتوبر 1963م من على قمم جبال ردفان الشماء كانت بمثابة الإعلان الشعبي للمقاومة ضد الاحتلال الذي ظل رازحاٍ على صدر جنوب اليمن المحتل منذ العام 1839م وحتى خروجه في 30 نوفمبر 1967م وخلال هذه الفترة تعرضت اليمن بجنوبها إلى ويلات التشكيل والقتل والنفي والتعذيب وانتهاك مقدراته الاقتصادية وأضافت : بدأت مقاومة أهل اليمن للاستعمار خلال الفترة من 1963م- 1967م والتي قادتها الجبهة القومية وألتف حولها جميع فئات الشعب من نساء ورجال وشيوخ وشباب وباركوا لهذه الثورة ودافعوا عنها وبدأت العمليات العسكرية المسلحة وفتحت جبهات القتال في السهول والوديان والتهبت نيران الثورة في كل مكان وتحولت عدن إلى بركان متحرك يحرق جنود الاحتلال أينما كانوا .
برع يا استعمار
وتابعت بالقول: عند اندلاع الثورة كنت لازلت في المرحلة المتوسطة ولم أكن حينها أعي الكثير عما يدور حولي حيث كنا في القطاع الطلابي نتلقى بعض التوجيهات من الأحزاب لافتراش الشوارع لتعطيل سير حركة الجنود البريطانيين وهم فوق مدرعاتهم أو عرباتهم العسكرية وأذكر حينها كنا نفترش الشارع الرئيسي في المعلا وبأيدينا الحجارة التي كنا نرمي بها جنود الاحتلال ونصرخ بأعلى صوت ( برع يا استعمار) وبهذه الطريقة تتعطل حركتهم وهذا كان يعطي فرصة للثوار لتنفيذ خططهم الفدائية كما كنا نقوم بتوزيع المنشورات الصادرة من الثوار وكنت حينها لا أدرك من هو فدائي الجبهة القومية أو جبهة التحرير فكلهم كانوا بنظري أبطالاٍ لأنهم قاوموا الاحتلال إضافة إلى أننا كنا نقوم بحماية الفدائيين عندما تكون هناك حملة تفتيش عنهم ونخبأهم في بيوتنا وفي بعض الأحيان نعطيهم (العباية) ليلبسها الفدائي كتمويه حتى يبتعد عن أنظار الجنود وأردفت: كان يعطي لنا أسلحة وذخيرة مثل (الرصاص والقنابل) لنمررها من مكان إلى آخر وأتذكر في أحد المرات حصلت حملة تفتيش في المنازل كان لديهم قنابل ورصاص كثير خبأها أحد الفدائيين لديهم وقال بأن لديه مهمة كمين للجنود ثم سيعود وفي حال (كبس) الجنود البريطانيين على المكان للتفتيش قاموا برمي الرصاص والقنابل في (البالوعة) ليقوم المناضل بإخراجها عند عودته. وأشارت انتصار خالد إلى أن للمناضلات أدوار كثيرة من خلال مرحلة الكفاح المسلح منها جمع التبرعات من الشعب وتوعية المواطنين بأهمية المشاركة في الكفاح المسلح ودعم الفدائيين بكل الإمكانيات عن طريق التجمعات النسائية أو من خلال منابر المساجد وحشد المواطنين في المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية ضد المستعمر المغتصب لأرضنا.
حلم بعيد
ورغم الظروف القاسية آنذاك حصلت البعض من النساء على نصيب لا يستهان به من التعليم حيث كان يعد العلم بالنسبة للبعض حلما بعيد المنال ورغم ذلك هناك من قدمت روحها فداءٍ للاستقلال في فترة لم تكن تملك المرأة أمر نفسها وهي مازالت ترتدي الحجاب ولا تستطيع الخروج من المنزل بدون أن تستأذن من ولي أمرها تقول أنيسة الصائغ: كان وجود المرأة في إطار تنظيم الجبهة القومية أثناء حرب التحرير خطوة أولى في طريق إثبات ذاتها وتحقيق تحررها أمام الحجاب الذي كان قيداٍ يحد من حريتها وإن كان في تلك الفترة قد خدم المرأة المناضلة كثيراٍ. فيما تقول المناضلة عائدة سعيد في ذات السياق: رغم مساوئ ( الشيدر) إلا أن له حسنات بالنسبة لهن كمناضلات لأنه يساعد على التنكر وتسهيل حرية التنقل من مكان إلى آخر لأنه يخفي شخصيتهن وما يحملنه من أسلحة ومنشورات وغيرها .
مهام صعبة
ومن المهمات الجريئة والصعبة التي كانت تقوم بها المرأة دخول مساجد الرجال- حيث لم يكن يوجد مساجد للنساء- وأخذ الميكرفون ثم إذاعة بيانات الجبهة القومية من إعلان وفاة شهيد إلى التنديد والتشهير بالمواقف المخزية لبعض العملاء والمأجورين ثم تعميم خبر إعدامهم وأخيراٍ الإخبار عن العمليات الفدائية لمناضلي الجبهة القومية وقد تعرضت المرحومة زهرة هبة الله علي بعد أن انتهت من إذاعة منشور للجبهة القومية من على منبر مسجد الزعفران لمحاصرة جنود الانجليز للمسجد ولكنها حسب حديث أنيسة الصائغ لم تهتز بل ابتسمت ولم تترك المسجد إلا بعد أن ترك الجنود الانجليز المسجد . وتواصل حديثها بالقول: من المواقف الشجاعة لبعض الفدائيات كانت الأخت أنيسة صالح حاملاٍ وتنزل يومياٍ لتوزع المنشورات وقد هجم عليها الجنود وحاولوا ربطها بمقدمة دبابة كانت واقفة بالقرب من فرزة أبين ووقفت بجلد وهي تضع الكيس وفيه المنشورات على بطنها تحت الحجاب ولولا نجدة الرفاق لكان الجنود قد أجهضوها ومع ذلك استمرت في توزيع المنشورات كل يوم بدون مبالاة وكان كل همها أن تؤدي واجبها .
تنظيمات
وحسب وثائق أرشيف حرب التحرير فإن أعداداٍ كبيرة من النساء التحقن في الكفاح ضد المستعمر البريطاني سراٍ من خلال موقعهن في جمعية المرأة العربية وعند الإعلان عن قيام ثورة أكتوبر عام 1963م وإعلان الكفاح المسلح ضد المستعمر حتى نيل الاستقلال أنشئت التنظيمات السياسية والفصائل المسلحة للقيام بهذه المهمة وقيادة الكفاح المسلح والعمل الفدائي ومثِل ذلك نقطة تحول كبيرة في مسيرة نضال الشعب اليمني وتحرره الأمر الذي دفع بالعديد من النساء اليمنيات المناضلات إلى إعلان انضمامهن إلى التنظيمات والفصائل المناهضة للمستعمر حيث انضمت بعض المناضلات اللواتي كن في التنظيم النسائي السري إلى جمعية المرأة العربية ليمارسن نشاطهن العلني ضمن هذه الجمعية التي كان مصرحاٍ لها بالعمل العلني وكان من أوائل تلك المناضلات الأخوات: زهرة هبة الله(نعمة) عائدة علي سعيد نجوى مكاوي(خالدة) فتحية باسنيد (سلمى) أنيسة محمد سعيد الصائغ (خديجة).
وطبقاٍ للوثائق كانت هذه المجموعة من أوائل النساء اللواتي انضممن إلى الجمعية ليمارسن النشاط التنظيمي واستقطاب النساء المناصرات والعضوات للجبهة القومية كما انضمت كثير من النقابيات في النقابات العمالية (النقابات الست) المشهورة وعلى رأسها نقابة المعلمين وانضمت إليها أبرز ست معلمات هن: ثريا منقوش (رجاء) فوزية محمد جعفر الشاذلي (وفاء) فطوم علي أحمد أنيسة أحمد سالم آمنة عثمان يافعي (سعاد) رجاء أحمد سعيد واللواتي عملن في صفوف المعلمات على كسب العناصر المؤمنة بالكفاح المسلح للانضمام إلى التنظيم السري للجبهة القومية.
عمليات فدائية
ولم يقتصر دور المرأة في المسيرة النضالية على الدور الاجتماعي والتوعوي بل إنها شاركت في تنفيذ العمليات الفدائية بالإضافة إلى أن نجاح معظم العمليات الفدائية ضد القواعد العسكرية والمراكز والمنشآت الحيوية للمستعمر البريطاني كان يعود الفضل فيه للمرأة في مختلف المحافظات أما في المدن فكانت النساء المناضلات يعملن على تهيئة الظروف المناسبة والآمنة لتنفيذ العمليات المسلحة ضد الاستعمار حيث مرت الجبهة القومية بأزمة مالية في عام 1966م جراء قطع المعونات والأسلحة بسبب واقعة فك الدمج القسري فتولى القطاع النسائي بحملة تبرعات كبيرة..
شرف الاستشهاد
وفي مدينة عدن وتحديدا في معارك التحرير حظيت العديد من المناضلات بشرف الاستشهاد والاعتقال وقيادة دبابات القوات البريطانية بعد سقوط مدينة كريتر في أيدي فدائيي الجبهة القومية حيث قتلت خديجة الحوشبية برصاص الانجليز في منطقة الحواشب فيما اعتقلت كلا من ونجوى مكاوي وفوزية محمد جعفر اعتقلتا أثناء توزيعهن منشور الشهيد بدر في منطقة كريتر أمام فندق الجزيرة وقد سحبت سيارتهما بدبابة بريطانية إلى شرطة خورمكسر وقامت نجوى مكاوي بقيادة الدبابة البريطانية التي قتل فيها البريطانيون يوم سقوط مدينة كريتر في 20 يونيو 1967م وحكم على هاتين المناضلتين بالإعدام أبان حملة الصراعات والاغتيالات بين الجبهة القومية وجبهة التحرير أما المناضلات زهرة هبة الله وعائدة يافعي وأنيسة الصائغ فقد تم محاصرتهن في مسجد الشيخ عبدالله بالزعفران من قبل قوات الاحتلال البريطانية عندما كن يذعن منشوراٍ عبر منبر المسجد وبقين طوال النهار معتقلات في المسجد حتى غادرته القوات البريطانية بعد مغرب ذلك اليوم وهناك العديد من المناضلات مطمورات تعرضن للضرب والاعتقال من قبل سلطات الاستعمار البريطاني وبالذات عندما كن يقمن بالاعتصام أمام سجن المنصورة الذي كان فيه العديد من المعتقلين.
مناضلات في الريف
وفي القرى الريفية كان لربات البيوت في القرى الريفية مواقف شجاعة لا تقل عن مواقف بعض النساء القياديات حيث تقول نوره قاسم وهي واحدة من المناضلات في عهد الاحتلال البريطاني: أنا كامرأة ريفية انتقلت أنا وأسرتي من الريف إلى عدن بسبب عمل زوجي وكان في القرية الكثير من الفدائيين معتصمين بجبال مودية ومجموعة من رجال أبين بجبال ردفان وذلك لشن عمليات فدائية ضد مراكز السلطنة والمباني التابعة لهم وكانوا ينزلون من الجبال لتفقد الأهل وأخذ الغذاء والماء بسرية حتى لا يتم القبض عليهم وكان دوري في ذلك الوقت أنا ومن معي من النساء المناضلات دعمهم والوقوف بجانبهم بقناعة راسخة للدفاع عن الوطن بكل الطرق .
وقالت : أتذكر من ذلك عمليتين قمت فيها بتهريب المتفجرات لزوجي ورفاقه في النضال حيث تمكنوا من القيام بعمليات فدائية ضد الجيش ودوريات الاحتلال وبحسب ما تدونه ذاكرتي في بداية 1963م كان زوجي حارساٍ في معسكر صلاح الدين بمديرية البريقة وقمت بتهريب الديناميت الذي سيقوم بتفجير المعسكر به ووضعت الديناميت داخل الخبز وغلفته بجريدة ووقتها كانت دوريات الاحتلال تنشط بتفتيش المنازل وأثناء تفتيش الانجليز خفت من كشف الديناميت وصادف وصول باص المعسكر فسارعت ووضعت الخبز وبداخله الديناميت على شبك فوق سطح الباص لأنه إذا تم اكتشافه لن يعرفوا مصدر تسليم الديناميت ولحسن الحظ لم يكتشفوه واستطاعوا أن يقوموا بنجاح بتفجير الديناميت داخل المعسكر.
كانت المرأة اليمنية في عدن قائدة للكثير من المظاهرات الجماهيرية المنظمة والعفوية وكانت تتقدم الحشود لتكون في مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال ففي أكبر مظاهرة جماهيرية حاشدة في كريتر شارك فيها آلاف المواطنين من أبناء عدن قاطبة تقدمتها النساء . كان ذلك في 24 سبتمبر 1962م أي قبل قيام الثورة في المملكة المتوكلية اليمنية حين احتشدت الجماهير رافضة تكوين الاتحاد الفيدرالي وضم عدن إليه وتم يومها حرق مبنى المجلس التشريعي في كريتر وقد راح في ذلك اليوم العديد من الشهداء وجرح المئات من المواطنين وزج بالعديد منهم في غياهب المعتقلات السياسية وقتها كانت رضية إحسان الله وصافيناز خليفة من ضمنهم وحكم عليهما بالسجن لبضعة أسابيع وهن رهن الاعتقال وقد أضربت رضية إحسان عن الطعام تعبيراٍ عن احتجاجها على السياسة الاستعمارية القمعية ورفضها للاحتلال ونتيجة لأدوارهن البطولية المؤثرة في إسناد الثورة فإن المرأة في مستعمرة عدن تحديداٍ تعرضت لأنواع شتى من أساليب الإرهاب والتعذيب النفسي والجسدي حيث كانت منازلهن تتعرض للمداهمة والتفتيش كما اعتقل عدد كبير منهن وزج بهن في السجون بالإضافة إلى انخراطهن في المسيرات التي كن يقمن بها ومواجهتهن بالقنابل المسيلة للدموع وبالرصاص كما نالت المرأة شرف الشهادة كما حصل مع الشهيدة لطيفة شوذري التي استشهدت بقناصة جندي بريطاني في مسيرة سلمية .
وهكذا نجد أن المرأة اليمنية قد صنعت مع أخيها الرجل ملاحم بطولية من أجل التحرير والاستقلال الذي تتوج بإعلان الاستقلال يوم الـ30 من نوفمبر 1967م ورحيل الاستعمار البريطاني عن بلادنا إلى الأبد..

قد يعجبك ايضا