هل تنسحب السعودية من المشروع الأميركي في اليمن؟

 

د. وفيق إبراهيم*

تمر الحرب السعودية على اليمن بأسوأ مراحلها بعد خمس سنوات متواصلة من انطلاقتها، بدليل أن اليمنيين نجحوا في نقل الجزء الأكبر منها إلى المواقع الأكثر أهمية في الداخل السعودي، محطمين حلفاً سعودياً، إماراتياً، مدعوماً من الغربيين وبعض العرب مع لمسات عسكرية سريّة لـ”إسرائيل”.
هناك إذاً تراجع سعودي واضح في الميدان، نراه متجلياً بمظهرين عسكري وسياسي مع محاولات سعودية تعمل كدأبها على تحويل هزائمها الى استهداف للمصالح الغربية، وذلك في محاولة للاختباء خلفها.
هذه طريقة سعودية تاريخية لم تحدث فيها أي تغيير، فتهاجم بموجبها غير المنسجمين مع سياساتها القرون ـ أوسطية، وتختبئ خلف الغرب إذا شعرت بانكسارها.
إن الخليج بكامله وعلى رأسه السعودية – هذه البقرة الحلوب التي يبتزها الأمريكيون ومجمل الغربيين منذ ستة عقود ونيّف – ما يدفعهم إلى الدفاع عن «سعوديتهم» المدللة؟
ما هي مظاهر التراجع العسكري السعودي؟
صمد اليمنيون في الجزء الغربي الساحلي وبعض الوسط والشمال من بلادهم، مستمرّين في مهاجمة اهداف الغزاة في كل المناطق.
للتوضيح أكثر، فإن معظم المناطق الجنوبية خرجت من إطار السيطرة السعودية لتصبح ميداناً لصراع سعودي مع قوى إماراتية، وسط تشكل تيارات مستقلة تعتبر السعودية والإمارات قوى احتلال، وهذا تبدلٌ عميق في مزاج شعبي جنوبي كان صامتاً مع مشاركة قسم منه الى جانب قوى الاحتلال، لكنه يبدو اليوم أقرب الى الدولة اليمنية في صنعاء، منه إلى قوة أخرى.
ألا يكشف هذا الصراع بين السعودية والإمارات النفوذ في الجنوب، إنهما ليستا إلا قوى احتلال وهمية لها مصالحها الخاصة المرتبطة بالمصلحة الأميركية الكبرى.
هذا جانب من التراجع، بموازاة تراجع أكبر له طعم الهزيمة، متجسّد في مستويات عدة وملعبها الصمود الشمالي والغربي وبعض الوسط الذي كبّد القوات الغازية خسائر كبيرة، متسبباً في ضعضعتها إلا أن الأمر لم يقف عند هذا المدى مدركاً حدود إلحاق هزيمة كبرى بالغزاة، بدت بانسحاب الإمارات من القتال في مناطق الدولة اليمنيّة، لكنها تحولت للسيطرة على المراكز المهمة جنوبي اليمن، خصوصاً السواحل.
ألا تكشف هذه المعطيات وجود خسارة كبيرة لآل سعود في منطقة يمنية كانوا يحرضونها على الانفصال عن الشمال بذرائع تاريخية ومذهبية وقبلية لم يصدقها أحد؟
ما فعله انصار الله وحلفاؤهم له نفحات اسطورية، فبإمكانات متواضعة وبتطبيق نظرية «الحاجة أم الاختراع» والقليل من المؤن والكثير من الشجاعة والإقدام، أوقف اليمنيون هجمات سعودية ـ إماراتية مدعومة جواً وبحراً من دول القرن الأفريقي والسواحل الأفريقية للبحر الاحمر، مع إسنادات بحرية من مصر و”إسرائيل” وبرية من السودان وباكستان وبلدان اخرى.
لكن ما دحر هذه التحركات هي الجهادية العالية لليمني ونجاحه في تطوير اسلحة يزعم آل سعود أنها إيرانية، وتجسّدت في مئات الطائرات المسيَّرة والصواريخ التي أصابت عشرات الأهداف العسكرية والاقتصادية داخل السعودية.
والأخطر أنها تواكبت مع هجمات يمنية اخترقت حدود السعودية في أعالي صعدة فأصبح هناك اختراق بري في نجران وجيزان ومناطق أخرى بالمسيّرات والصواريخ مع الهجوم البري الحدودي.
إلا أن عمليتي أرامكو ونجران تذكران أن هذه الحرب السعودية تذهب نحو الاستسلام الكامل، بدليل أن قصف اهم مصاف سعودية تنتج سبعة ملايين برميل يومياً لأرامكو لم تؤدِ الى ردود فعل من السعودية وتغطياتها الخارجية، فاكتفى هؤلاء باتهام إيران بهذا القصف، معلنين أيضاً أنهم لن يحاربوا إيران، مسدّدين رمية إحباط كبرى تكاد تخنق السعوديين وتتسبب في ضياعهم، فيظهرون كالمنتظر حبل نجاة من الأميركي او الإسرائيلي إنما من دون أمل كبير.
لذلك سارع اليمن إلى دعوة السعودية إلى وقف لإطلاق النار وانسحابها من اليمن مقابل مفاوضات يمنية ـ يمنية في السويد برعاية أممية، فلم يستجب آل سعود حتى الآن، لأن القرار الأميركي لم يأت بعد.
لكنهم قدموا مبادرة خبيثة لوقف إطلاق النار في مناطق هم مهزومون فيها كصعدة والحدود وبعض مناطق في الساحل الغربي.
وهذا دفع انصار الله إلى الكشف عن هزيمة كبيرة للقوات السعودية في المناطق الحدودية في أعالي صعدة ونجران، حدثت منذ اسابيع ولم يتم الإعلان عنها من الطرفين لأسباب كانت ترتبط بالمشروع السياسي اليمني الذي أرسلته صنعاء الى الرياض.
وتبين أن اليمنيين نجحوا في تكبيد القوات السعودية خسائر ترقى إلى هزيمة حرب كاملة، بمعنى أن ثلاثة إلى أربعة آلاف جندي سعودي بين قتيل واسير وبينهم فصيل سعودي كامل من بضع مئات وتدمير أعتدة وصواريخ وآليات كافية للسيطرة على آلاف الكيلومترات، وانكشف أن معظم هؤلاء من جنسيات أجنبية وعربية ومعهم بضع مئات من القادة والعسكريين السعوديين.
تدل هذه النتائج على انكسار في الحرب العسكرية متواكب مع تقهقر في المشروع السياسي الذي يُعاديه اليمنيون اليوم بغالبيتهم، ودول أوروبا وقسم من الأحزاب الأمريكية وتنتقده كل من الصين والهند وروسيا المصرة على المفاوضات بين اطراف يمنية رافضين تحميل إيران مسؤولية قصف أرامكو.
آل سعودي إذاً، منكسرون سياسياً وعسكرياً في مشاريعهم اليمنية والخليجية والإسلامية والعالمية مروراً بالعربية ايضاً، فماذا يفعلون في اليمن؟
يبدو أنهم يعملون سراً على فك تدريجي لارتباطهم بالمشروع الأميركي في اليمن، وهذا عمل قد يتسبب بأذية كبيرة لآل سلمان إذا لم يختاروا توقيتاً ملائماً لهم لا يضعهم أمام مشروع انتقامي لترامب.
فهل يعلنون موافقتهم العودة إلى مشروع السويد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك للتخفيف من غضب ترامب او استياء نتنياهو؟… هذه مأساة آل سعود التي لن يجدوا حلاً لها إلا بتخلّيهم عن الحكم لمصلحة نظام شعبي يؤمن بأن إمكانات الجزيرة العربية هي لأهلها في إطار مشروع عربي متطوّر.
* هعن “الديار اللبنانية”

قد يعجبك ايضا