أحمد الحبيشي
لا يمكن فصل المشهد الإعلامي في ظل العدوان السعودي على اليمن ووسائله وأدواته , عن الخطوط والظلال المتداخلة مع مشاهد العمليات العسكرية والحروب الإعلامية والنفسية والاقتصادية التي تستهدف تحقيق الأهداف الاستراتيجية للعدوان , وفي مقدمتها اخضاع قدرات وسيادة بلادنا للهيمنة السعودية, ومصادرة قرارها الوطني المستقل.
بمعنى أن رصد وسائل وأدوات المشهد الإعلامي الراهن في ظل العدوان , يرتبط بضرورة مقاربة مفاعيل المشهد السياسي والإعلامي للتفرة التي سبقت العدوان خلال السنوات الأربع الماضية.
شهدت البلاد في ظل ” نظام المبادرة الخليجية ” ميولا خطيرة للاستحواذ على السلطة وتمديد البقاء فيها , وانتهاج سياسات قائمة على التسلط والاقصاء و”أخونة الدولة ” والجيش والأمن والعبث بالوظيفة العامة وتغول الإرهاب والفساد والاغتيالات ونهب المال العام وتفكيك القوات المسلحة وفي مقدمتها القوى الجوية .
الثابت أن العدوان العسكري استهدف منذ الضربة الأولى القواعد الجوية والمعسكرات ومخازن الأسلحة والبنية التحتية للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية , حيث اتضح عدم وجود اعتراض تلقائي من منظومات الدفاع الصاروخي بسبب تعرضها للتفكيك الممنهج من قبل ما تسمى لجنة إعادة الهيكلة المكونة من ضباط أمريكيين وخليجيين وأردنيين بإشراف الرئيس الفار عبدربه منصور والجنرال العجوز علي محسن الأحمر , تحت مسمى ” إعادة الهيكلة “.
استخدم العدوان السعودي الغاشم ترسائة متطورة من الطائرات والبوارج الحربية والآليات والمعدات القتالية المتطورة والأسلحة المحرمة دولياً مدعومة من الماكينات الإعلامية عابرة الحدود , والخزائن المالية الضخمة والشركات العالمية المتخصصة بتوريد جيوش الظلام والمرتزقة الأجانب .
وزاد من خطورة هذا العدوان حصوله على دعم لوجستي علني من الجيشين امريكي والبريطاني والمخابرات الإسرائيلية , بالإضافة إلى اعتماده على غطاء محلي من القيادات الحكومية السابقة والأخزاب السياسية العميلة التي أعلنت تأييدها للعدوان ومنحته صكاً (شرعياً) مزوراً في ظل فراغ سياسي سعت قيادة وحكومة المبادرة الخليجية إلى إيجاده .
بهدف إسقاط البلاد في أتون ما تسمى (الفوضى الخلاقة) وتمرير مخطط التفكيك والتقسيم , لكن الانتفاضة الشعبية الثورة التي أسقطت الأوليغارشيات الحاكمة يوم 21 سبتمبر نجحت في منع تحول الفراغ السياسي إلى فراغ أمني , وتعبئة طاقات المتجمع ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والمالية لمواجهة العدوان .
قامت القوات المعتدية خلال الساعات الأولى من العدوان بشن آلاف الغارات الجوية والبحرية على المعسكرات ومنظومات الدفاع الجوي التي تم تفكيكها في ظل نظام حكم الرئيس الفار عبدربه منصور و” أحزاب السفارات ” وشملت الغارات الجوية تدمير الموانئ والمطارات والمطارات والطرقات والجسور ومصائع الأغذية ومحطات توليد الكهرباء وإنتاج المياه والمدارس والجامعات والمجمعات التجارية والملاعب الرياضية والأسواق الشعبية ومزارع تربية الدواجن والمواشي ومزارع إنتاج الخضار والفواكه , وزوارق صيد الأسماك وصالات الأعراس النسائية وصوامع الغلال ومخازن الحبوب والأدوية والأغذية وناقلات ومحطات المشتقات النفطية والغاز وشبكات الاتصالات ووسائل الإعلام والآثار التاريخية .
وتم خلال المرحلة الأولى من العدوان إنزال الأسلحة والمتفجرات والأموال للمرتزقة المحليين والجماعات الإرهابية , بهدف خلق بؤر متحركة للحروب الداخلية بغطاء جوي فيما استخدمت أسلحة محرمة دوليا لقتل عشرات الآلاف من المدنيين وإحراق الجبال والأشجار وهدم المساكن فوق رؤوس ساكنيها من الحرب والجرائم المعادية للإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي العام والقانون الدولي الجنائي والقانون الدولي الإنساني ولا تسقط بالتقادم .
كما فرض العدوان حصاراً خانقاً على كل أبناء الشعب اليمني بهدف منع وصول المواد الغذائية والمشتقات النفطية وكل مستلزمات الحياة في صورة من صور حرب الإبادة الشاملة على اليمن أرضا وشعبا ً .
ولذلك يجب الوقوف أمام مسار الحرب الإعلامية والنفسية التي رافقت العدوان العسكري الشامل بمختلف صوره البشعة وأدواته الخبيثة وأهدافه القذرة وصولا إلى مقاربة الخبرات الإبداعية للعاملين في جبهة الإعلام الحربي والإعلام العام ودورها في التصدي لنشاط الترسانة الإعلامية الضخمة للعدو, وكسر الحصار الإعلامي الذي سعى العدو إلى فرضه منذ اليوم الأول للعدوان من وسائل إعلامية وقنوات فضائية مزورة وحجب القنوات الفضائية الوطنية عن بعض الأقمار الصناعية الوسيطة والتشويش عليها وشراء ذمم بعض مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية ودفع أموال ضخمة وخيالية لفرض تعتيم إعلامي شامل على جرائم الحرب في اليمن .
أساليب الحرب الإعلامية والنفسية
الثابت أن الحرب النفسية التي استخدمها تحالف العدوان على اليمن استهداف تحطيم الروح المعنوية للشعب والمدافعين عن السيادة والاستقلال من خلال استخدام أساليب مختلفة أهمها :
1. الاشاعة: وهي عبارة عن كلام صادر من جهة ما يقصد به نشر أشياء موجودة فعلاً, وغير مرغوب بسماعها , وتعميمها على البسطاء من الناس لتتداول بشكل عفوي , حتى تصير كلاما موثوقاً به ويصدقه حتى مروجو الاشاعة .
2. الدعاية : بمعنى استخدام أي وسيلة من وسائل الإعلام العامة أو الشعبية بقصد التأثير في عقول وعواطف أفرد المجتمع والمدافعين عن السيادة والاستقلال في مواجهة العدوان والاحتلال .
3. غسيل الدماغ: وهو عملية تطويع المخ وإعادة تشكيل التفكير، وتغيير الاتجاهات النفسية والقيم السلوكية، بحيث يتم هذا التغيير بطريقة التفجير الذي يوجه الفكر الإنساني أو العمل الاجتماعي ضد مصالح وإرادة أفراد المجتمع، أو ضد ما يتفق مع أفكارهم ومعتقداتهم وقيمهم، بمعنى أنه عملية إعادة تعليم باتجاه التخلي عن الأفكار التي كان الأفراد يؤمنون ويسترشدون بها، وصولا إلى الإيمان بنقيضها.
4. استخدام الطابور الخامس في إضعاف الجبهة الداخلية وشق الصف الوطني وتشكيك الجماهير في قدرة قيادتها السياسية والعسكرية على الصمود في وجه العدوان، وكسر شوكته.
وبوسعنا القول إن جرائم الحرب على اليمن لم تقتصر فقط على سلاح العدوان في المجالات التي سبق الإشارة إليها، بل إن الحرب الإعلامية والنفسية التي كانت تقودها هيئة الأركان المشتركة لهذه الحرب في مبنى وزارة الدفاع السعودية بالرياض، كانت بمثابة كتائب عدوانية متقدمة وشرسة، حيث تمت الاستعانة بأعداد كبيرة من الصحفيين والإعلاميين والمثقفين والمهاجرين الانتهازيين والقادة السياسيين المأزومين وبعض الجواسيس المحليين، في شن أكبر حرب نفسية عرفها تاريخنا الحديث، بموازاة أخطر وأطول عدوان على اليمن، استهدف إلحاق أكبر قدر من الأذى والضرر بالإنسان والهوية والشجر والحجر والطير والسابلة والتاريخ والحاضر والمستقبل.
اللافت للنظر أن قوى العدوان لم تحصل فقط على دعم لوجستي أمريكي وبريطاني وإسرائيلي في المجال الحربي والاستخباري، بل وفي مجال الدعاية السوداء والحرب النفسية حيث تم توظيف أموال ضخمة لإنتاج حملات إعلامية مباشرة وبرامج حوارية استهدفت استخدام وسائل وأدوات وأساليب حديثة، لتحقيق أهداف غير تقليدية، والتأثير على الوعي الشعبي الاعتيادي وإثارة النعرات الطائفية والمناطقية في الداخل، وممارسة التضليل وتزوير الحقائق على المستوى الخارجي، وتوفير الفرص الاستراتيجية التي تساعد جيوش التحالف السعودي على تحقيق نصر سياسي وعسكري سريع، الأمر الذي أكسب الحرب الإعلامية والنفسية للعدوان السعودي على اليمن، شكلا ومضمونا جديدين.
إن المقاربة الموضوعية لخبرة شعبنا في التصدي للحرب الإعلامية والنفسية الشرسة التي رافقت العدوان السعودي على اليمن، أثبتت قدرته على الصمود ليس فقط في وجه العدوان ومنعه من تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية في أسرع وقت ممكن، بل إنه تمكن أيضا من الصمود في وجه الحرب النفسية التي شنها العدو بموازاة أسلحته الحديثة والمتطورة، حيث كشفت خبرة شعبنا في مواجهة الحرب النفسية للعدو، نجاحه في شن حرب نفسية مضادة، بما يجعل التعاطي معها ينطلق من الحاجة إلى فرض الإرادة الوطنية للتحكم في أعمال العدو بوسائل غير عسكرية.
تأسيسا على ما تقدم، بوسعنا رصد المحطات التالية في الحرب الإعلامية والنفسية التي شنها العدوان السعودي بموازاة عملياته العسكرية الميدانية في مختلف الجبهات العسكرية:
– جبهات القتال في محيط محافظتي صنعاء والحديدة.
– جبهات القتال في عدن والمحافظات الجنوبية.
– جبهات القتال في تعز.
– جبهات القتال في مارب والجوف.
– الجيوب العملية للعدوان في محافظات إب الضالع والبيضاء.
– الجيوب الاستخبارية العميلة للعدوان في أمانة العاصمة وبقية المحافظات.
تقنيات وأدوات الحرب الإعلامية النفسية
تميزت عمليات الحرب الإعلامية والنفسية في مختلف الجبهات باستخدام عدد كبير ومتنوع من وسائل وأدوات التأثير المعنوي على المقاتلين والمواطنين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – القنوات الفضائية.
2 – الإذاعات.
3 – الإعلام الإليكتروني.
4 – وسائل التواصل الاجتماعي.
5 – الطابور الخامس.
وكان لافتا حرص العدوان على استخدام بعض التقنيات الحديثة التالية في الحرب الإعلامية والنفسية من خلال الوسائل المذكورة آنفا:
• مقاطع فيديو.
• مقاطع صوتية.
• ألعاب البلاي ستيشن.
• الخدع السينمائية والتلفزيونية.
• الصور الفوتوغرافية المدبلجة بتقنية الفوتوشوب.
• الاستعانة بمقاطع أو لقطات مصورة لوقائع سابقة في بلدان أخرى.
• منشورات وملصقات.
• الشائعات بمختلف أنواعها.
• الدعاية بمختلف أنواعها.
فيما كانت الأهداف الرئيسية لكل وسائل وأدوات الحرب النفسية تتمثل في ما يلي:
*العزل الإعلامي.
*بث الذعر وروح التخاذل في قلوب المقاتلين والمواطنين.
*تشويه وتزييف الحقائق.
*غسل المخ ونشر ثقافة الكراهية من خلال استبدال الوعي الوطني والديني باللا وعي العنصري والطائفي (عدن وتعز نموذجاً).
*بث اليأس وزعزعة الإيمان بالصمود والنصر.
*شق وإضعاف الصف الوطني والجبهة الداخلية.
*إثارة القلق والتوتر.
*الإغواء والتضليل.
*الادعاء بتوالي سقوط المحافظات بسرعة (تعز وإب والحديدة نموذجاً).
خبرة التصدي للحرب النفسية: كان واضحاً أن إسرائيل شاركت بخبراتها في الحرب النفسية، ووضعتها تحت تصرف قوات التحالف العدواني السعودي وهو ما كشفت النقاب عنه صحيفة (هآرتز) الإسرائيلية مؤخراً.
وقد حصرت دول العدوان منذ بداية الحرب على توسل النصر السريع من خلال تسويق صورة نمطية عن “التفوق المطلق” لأسلحة دول العدوان المتطورة للجيش السعودي التي قيل إنها ستكسب المعركة بصورة مطلقة خلال أيام قصيرة ومعدودة، وهو ما يفسر حالة الارتباك والإحباط التي أصابت حملات الحرب النفسية للعدو، حيث لم تخف وسائل الإعلام التابعة للعدو خيبتها من فقدان مصداقيتها لدى مشاهديها في السعودية والإمارات وبلدان الخليج، بسبب بث أخبار وتحليلات وتوقعات كاذبة وغير ممكنة التحقق.
من نافل القول إن الآلة الإعلامية المتواضعة للقوى الوطنية المناهضة للعدوان، تمكنت من قراءة وتفكيك العقل العسكري والإعلامي لدول تحالف العدوان التي تتباهى بامتلاكها أحدث الطائرات والدبابات والأسلحة الالكترونية المتطورة، دونما حاجة إلى الالتحاق المباشر في ساحة المعركة.
في هذا السياق نجحت القوى الوطنية المناهضة للعدوان في خلق وتعميق حالة انفصال بين البيئة الواقعية والبيئة التكنولوجية، وتوظيف الانتصارات التي حققها أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف جبهات القتال، والتوغل داخل العمق السعودي وتدمير آلياته وثكناته العسكرية، لوضع عقل المقاتل المعتدي خارج دائرة الواقع.
والحال إن العدو بالغ في استخدم النموذج الأمريكي للحرب الاليكترونية عن بعد بما فيها تقنيات ألعاب البلاي ستيشن القتالية، حيث يتم تغليب حسابات القوة على حسابات الحق، من خلال استخدام الكثافة النارية بالوسائل الاليكترونية، للحيلولة دون وقوع خسائر في صفوف الجنود والآليات العسكرية، ما أدى إلى افتقار جنود دول العدوان ومرتزقتها روح المبادرة والقدرة على الالتحاق والإقدام.
نجح الإعلام الوطني المقاوم، وبضمنه الإعلام المرئي في الاستفادة من الانتصارات العسكرية في جبهات القتال والصمود البطولي في مواجهة الحصار الاقتصادي، وتوظيفها من أجل صياغة استراتيجية ميدانية للحرب النفسية، أتاحت للإعلاميين إمكانية التحول إلى جنود ميدانيين سواء في جبهة الإعلام المرئي والحربي، أو في جبهة مواجهة الحرب النفسية.
في هذا السياق شنت الآلة الإعلامية للقوى الوطنية المناهضة للعدوان، هجمات مضادة تعتمد الطابع التفكيكي على حملات العدو الذي لجأ إلى ممارسة الخداع السينمائي والتلفزيوني، والتحايل في استخدام صور مستنسخة لوقائع حدثت في بلدان أخرى، حيث قام الإعلام الوطني بفضح هذه الهجمات الإعلامية وإبراز حيلها وأكاذيبها، بوسائل تقنية ومهنية اعتمدت على مبادئ وقيم الصدق والموضوعية والحقيقة.
الشائعات السوداء والرمادية: ما له دلالة أن العدو السعودي خاض- إلى جانب معاركه الجوية والبرية والبحرية في مختلف جبهات القتال- حرباً نفسية شرسة ومعقدة، ورجت في جانب منها لاغتيال عدد من قادة المقاومة الوطنية وعلى رأسهم السيد عبدالملك الحوثي، واحتلال مدينة صنعاء وتفريغها من السكان، حيث ضخت آلة الدعاية السوداء للعدوان سيلا ضخما من الشائعات السوداء والأخبار التي زعمت بقرب زحف قوات العدوان ومرتزقته من ذمار إلى العاصمة صنعاء.
كانت قوات العدوان السعودي الإماراتي بعد عجزها عن حسم المعركة، تراهن على تشغيل مفاعيل الشائعات السوداء التي تسهم في تحقيق انهيارات معنوية عنقودية بين صفوف المدنيين والمدافعين عن سيادة واستقلال الوطن، في حال نجاح الطابور الخامس بتسويق أكذوبة مقتل العديد من قادة المقاومة الوطنية وفي مقدمتهم السيد عبدالملك الحوثي.
استندت حملة الحرب النفسية السعودية إلى الفرضية القائلة بأن الحرب النفسية يمكن أن تساعد قوات التحالف العدواني السعودي على إلحاق الهزيمة بالجيش واللجان الشعبية بأقل جهد وبأسرع وقت.
بيد أن الآلة الإعلامية للقوى الوطنية المناهضة للعدوان السعودي الإماراتي، نجحت في قيادة ناصية الحرب النفسية المضادة وتوسيع نطاقها، ولم تقف إزاء العدوان السعودي موقفا تنافسيا أو نديا فحسب، بل إنها أربكت موقف النظام السعدي وأضرت بوعي حكامه وأحيت من جديد هواجس بقاء مملكتهم.
ولسوف يأتي يوم يتعمق فيه الباحثون والدارسون في الجانب من هذه الحرب النفسية التي تعرض لها اليمنيون وتعاملوا معها بروح الصمود والتصدي، سواء من ناحية الأدوات والوسائل والأشكال والأنواع، أو من ناحية مواجهة الأساليب الملتوية التي استخدمها العدو مثل الدعاية السوداء والشائعات السوداء والرمادية والضغوط الاقتصادية والمناورات السياسية والاغتيالات والاستعانة بالجماعات الإرهابية، وفتح بؤر داخلية للتمرد والتخريب وتسليحها وتمويلها، وصولا إلى عمليات غسل الدماغ وإثارة النعرات الطائفية والمناطقية.
وبوسعنا القول- بعد مرور أربع سنوات من العدوان السعودي الإماراتي المدعوم من قبل أمريكا وبريطانيا وإسرائيل- إن صمود الجيش واللجان الشعبية، وما رافقه من انتصارات بطولية وتضحيات عظيمة، كان له تأثير كبير على تعزيز قدرات الآلة الإعلامية الوطنية في إطلاق مفاعيل الحرب الإعلامية والنفسية المضادة، وزرع البلبلة والشك في نفوس جنود العدو ومرتزقته إزاء قادتهم السياسيين والعسكريين، ولعل من أبرز مظاهر هذا التمكين، امتلاك الآلة الإعلامية الوطنية خطابا إعلاميا يتميز بالموضوعية والمصداقية.
ولا ريب في أن السلاح الرئيسي للآلة الإعلامية الوطنية هو سلاح الصدق والحقيقة، وهو أحد شروط الحرب النفسية الظافرة، الأمر الذي أربك العقيدة العسكرية للعدو السعودي وأصابها بالاستلاب، لجهة الوهم بأن انتصار العدو أمر سهل ومضمون خلال فترة قصيرة بفضل التسليح الاليكتروني المتطور للقوات السعودية والإماراتية الغازية، مدعوما بسياسة شراء المرتزقة بالأموال المدنسة.
ومن نافل القول إن النتائج العكسية لمسار العدوان الخارجي، أدت إلى وضع العقل العسكري السعودي الإماراتي الأمريكي في حالة انكشاف، لأته انطلق هذا العدوان من استخفاف واضح بالشعب اليمني وإرادته الوطنية وقدراته وتقاليده الكفاحية.
كما أن العقل السعودي الأمريكي الذي خطط للعدوان على اليمن، أغفل أيضاً حقيقة أساسية وهي الإيمان الواعي بالله والإيمان الروحي والنفسي العميق لمقاتلي الجيش واللجان الشعبية بالقيمة العظيمة للاستشهاد، كما أن وسائل الإعلام الوطنية أنجزن دوراً أساسياً في إحباط مخططات العدو من خلال ضخ روح الحماسة بواسطة الصورة و”الزوامل” والأناشيد والشعارات الدينية والوطنية.
لا ننسى التأثير السلبي للمجازر الجماعية وجرائم الحرب التي ارتكبها العدوان ضد المدنيين وفي مقدمتهم الأطفال، حيث كانت تلك الجرائم جزءاً من الحرب النفسية التي شنها العدو بهدف توليد مشاعر الرعب والذعر والخوف والإحباط في أوساط الشعب والجيش واللجان الشعبية، لكنها تحولت إلى شعور وطني عارم بالغضب والإصرار على مواصلة الكفاح وعدم التفريط بدماء الشهداء، ما رفع الثقة بقوة المقاومة وقدرتها، وأفقد العدو واحدة من أهم أوراقه في الحرب النفسية التي يخوضها ضد شعبنا منذ اليوم الأول للعدوان.
وقد أسهم الإعلام الحرب أثناء العمليات العسكرية التي قام بها الجيش واللجان الشعبية في الساحل الغربي والعمق الجنوبي للعدو السعودي، في كسر الحصار الإعلامي الذي فرضته دول العدوان من أجل إخفاء جرائم الحرب المعادية للإنسانية التي ارتكبتها في اليمن، بالإضافة إلى تصوير المعارك والدبابات الأمريكية المتطورة التي دمرها أبطال الجيش واللجان الشعبية، وبث صورها على وسائل الإعلام المحلية والعالمية، الأمر الذي اسهم في سقوط إحدى أبرز نقاط القوة والغطرسة لقوى العدوان، وإجهاض مختلف عناصر التفوق المادية للحرب النفسية التي رافقت العدوان السعودي على اليمن، حتى أصبحت وسائل الإعلام العالمية تتناول صوراً عن جرائم الحرب والتجويع في اليمن، والاحتجاجات المدنية في مختلف بلدان العالم لجهة المطالبة بوقف الحرب ومحاسبة المشاركين فيها والدعمين لها، على النقيض من صور الإعلام الخارجي خلال الفترة 2015-2016م حيث حاولت رباعية العدوان فرض تعتيم شامل على تداول أي معلومات أو صور عن الحرب العدوانية على اليمن، باستثناء ما تبثه ماكنة العدوان الإعلامية.
كما أسهم المجتمع المدني والقطاع الخاص في تكوين شبكة واسعة من الإذاعات المحلية والمواقع الاخبارية الاليكترونية التي كان لها دور كبير في تعبئة الرجال والشباب والطلاب والنساء وبضمنهم ربات البيوت ضد العدوان والاحتلال، ومواكبة بطولات وتضحيات المدافعين عن السيادة والاستقلال، بقدر ما أسهمت في إكساب العاملين والعملات فيها مهارات وخبرات إعلامية حديثة في العمل الإعلامي والنشاط الدعائي ومكافحة الحرب النفسية.
الإعلام المرئي المقاوم
لا نبالغ حين نقول إن الإعلام الوطني المرئي المقاوم للعدوان السعودي الإماراتي نجح في نقل الأفكار والصور والأخبار، ضمن حملة سياسية وإعلامية تهدف إلى التأثير في سلوك الأفراد والجماعات أو الشعوب والمجتمعات والدول.
وبوسعنا القول إن الإعلام المرئي نجح رغم الصعوبات والتحديات الكبيرة في جمع وتحليل ومعالجة البيانات والمعلومات والصور والحقائق والرسائل والتعليمات من كافة المصادر عن أنشطة الجيش واللجان الشعبية ومختلف مكونات المجتمع المدني والبيئة السياسية، والتأكد من مصداقيتها وصياغتها بأسلوب يتقبله المجتمع، ونشرها محلياً وخارجياً وذلك بهدف تزويد الشعب والمقاتلين والعالم الخارجي بالمعلومات الصحيحة، وإحباط نوايا الحملات المضادة للعدو وطابوره الخامس مع التأكيد على قيم الولاء الوطني.
تميزت خبرة الإعلام المرئي المقاوم للعدوان بالحرص على دقة وصحة المعلومات، وضمان وصولها إلى المتقلي بالتوقيت الصحيح والسرعة العاجلة، بهدف توصيل المعلومات إلى المتلقي، في وقت حدوثها ومن مصدرها الحقيقي وبكل حقائقها، قبل أن تشوه من خلال وسائل إعلام دول العدوان ومرتزقتها.
في هذا السياق اكتسب الإعلام المرئي المقاوم للعدوان، ديناميكيته من خلال الحرص على التكامل والتنسيق مع وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والاليكترونية، بما يحقق له دوره الوطني في إطار منظومة العمل الإعلامي للقوى الوطنية المناهضة للعدوان والاحتلال.
كما حرص الإعلام المرئي على التنوع في أداء رسالته من خلال برامج متنوعة تغطي الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية والرياضية للمجتمع، والاعتماد على معطيات ميدانية توفرها شبكة واسعة من الصحفيين والمصورين والمراسلين والمتخصصين بشؤون الحرب وتغطية أخبار جبهات القتال، وتحليل هذه الاخبار والمعلومات وتوثيقها، وصولاً إلى استخدامها في البث المباشر.
يقيناً إن الإعلام المرئي المناهض للعدوان كان وسيظل مرآة عاكسة للتحديات والمتغيرات اليومية في مختلف جبهات المواجهة العسكرية والسياسية مع العدو ومرتزقته، حيث أثبت قدراته على أن يكون وسيلة اتصال بالداخل والخارج بشكل لا محدود على الرغم من صعوبة وخطورة ظروف العمل اليومي ليلاً ونهاراً.
* ورقة عمل في ندوة نظمها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني.