إخوان السودان واليمن تماثل النهج والعمل 2-1
محمد ناجي احمد
يتكئ الإخوان المسلمون على الإفك وإشاعته ضد الخصوم ، والوصول بالخصومة إلى درجة الفجور ، وعلى أحاديث الإفك اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين في انتشارها جماهيريا . ففي البدء تشيع عن خصومها كفريات ثم بعد ذلك تتحرك بمواقفها على أنها رد فعل لمواجهة تلك )الكفريات ( ففي اليمن كانت أحاديث الإفك ضد )الجبهة الوطنية( وتصويرها على أنها ضد الدين والاخلاق ، وكذلك أحاديث الإفك المخترعة في تكفير المثقفين والأدباء ،وجرجرتهم في المحاكم .
يدخل في ذلك تكفيرهم للدكتور عبد العزيز المقالح متعللين بجمل شعرية وردت في إحدى قصائده ،وتكفيرهم للدكتور حمود العودي بسبب مقولات اجتماعية أوردها في أحد كتبه ، ثم تكفير الكاتب أحمد ناجي النبهاني بسبب عبارة قالها في اجتماع تربوي في ديوان وزارة التربية والتعليم قبيل الوحدة مباشرة ،ثم تكفير رئيس تحرير صحيفة الثقافية سمير اليوسفي ،بسبب إعادة نشره لرواية “صنعاء مدينة مفتوحة ” للروائي محمد عبد الولي ، وتكفير كتاب الصحيفة ضمن حملة لتكفير المتخيل ، ولجم الإبداع من أن ينزاح متحررا من سطوتهم إلخ .
وفي السودان بحسب كتاب) الإخوان والعسكر ،قصة الجبهة الإسلامية والسلطة في السودان)) لطه حيدر – مركز الحضارة العربية يناير 1993م – قام الإخوان عام 1954م “بتوزيع منشورات في العاصمة الخرطوم ، وفي عدد من المساجد ممهورة باسم الشيوعيين تدعو فيها الناس إلى التخلي عن الدين الإسلامي ،وإسقاطه في حياة الفرد والمجتمع ،وتنادي فيها بحياة الشيوعية والشيوعيين ، وعلى إثر هذه المنشورات نظمت حملة في المساجد ضد الشيوعيين تطالب بإهدار دمهم ،فقد وقف الفيشاوي –واعظا بعد صلاة الجمعة في مسجد ود نوباوي معيدا “حديث الإفك ” محرضا الناس على هذه الفئة “الملحدة “وأثار الخواطر وهيج العواطف الدينية لدى المصلين الذين كان أغلبهم من كيان ” الأنصار” … وقد حذر الإمام المهدي من هذه الفتنة التي قد يثار أتباعه للاندفاع فيها بحماسهم فيصبحون في مسألة لا تخصهم ولا مصلحة لهم فيها وقال : ليس من حق أحد أن يهدر دماء الناس ” ص25.
وفي مصر كان مبتدأ الصراع مع ثورة يوليو منذ أواخر 1953م هو رغبة الإخوان أن يفرضوا وصايتهم على سن القوانين ، وحين رفض مجلس القيادة ذلك كان تكفير الحكم ،ثم تكفير المجتمع !
وتم اختلاق العديد من أحاديث الإفك والافتراء والكذب بقصد تصوير جمال عبد الناصر بصورة الملحد وعدو الدين !
يصف طه حيدر في كتابه آنف الذكر جماعة الإخوان بأنها ” تقول غير ما تفكر وتفعل غير ما تقول … سمتها الأساسية أنها متغيرة الأشكال والألوان”ص10. متوسلا بعبارة للروائي الطيب صالح ،قالها بأنين ووجع وغضب : من أين جاء هؤلاء الناس ، بل من هم هؤلاء الناس …؟قاصدا بسؤاله الاستنكاري المتفجر ألما وغضبا مجموعة الانقلابيين في الجبهة الإسلامية بالسودان ، التي انقلبت على الديمقراطية في السودان عام 1989م بقيادة الظل الدكتور حسن الترابي ، وعسكريا بقيادة العميد عمر حسن البشير .
على عكس حركة الإخوان المسلمين في مصر واليمن كانت قيادة الإخوان في السودان ، القيادة نالت تعليما عاليا ، فالدكتور حسن الترابي نال دبلوم الدراسات العليا ثم الدكتوراه في القانون المقارن سنة 1964م ، وكان الدكتور جعفر شيخ إدريس حاصلا على درجة الدكتوراه في الفلسفة بإنجلترا ، ومن هنا كان تأثر قيادة الإخوان في تونس ،فكان راشد الغنوشي دارسا للفلسفة بسوريا .
وصمت الثقافة الحقوقية والفلسفية قادة الإخوان في السودان وتونس بقدرة اجتهادية في التفاعل مع الواقع ، ونمو الفكر التجريبي وصياغة الحركة هناك وفقا للتحديات وفقه الواقع ،والتحرك بمشاكله الذي لا يتقيد بتجميد النص ،وإنما يتسع لحركة الحياة بفقه نفعي ميكافيللي ،نجده لدى الدكتور حسن الترابي بقفزات صادمة للتنظيم الدولي ، ولدى راشد الغنوشي بشكل متدرج .
اتسعت براغماتية الترابي التي حذرت من القوالب الجامدة ،وضرورات التطور وفقا للملاحظة والتجريب ، واتسعت لأفكار وتصورات اقتبسها من خصومه الشيوعيين ،ليصهرها في قالب حركة الإخوان المسلمين في السودان .
لقد أخذ الترابي من الشيوعيين منذ منتصف الستينيات نظام ” الحشد والتعبئة الإجمالية ،وأخذ بنظام تأهيل الأعضاء فكريا وتنظيميا في ما يعرف بمدارس الكادر ،واستبدل نظام السر المغلقة بنظام السر المفتوحة ،التي تدعو من شاء لحضورها والمشاركة في برامجها …”27 المرجع السابق. بل وانفتح على التجارب الأوربية في المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية ” ففيها ما أدعى للتقدم ” ص28.
كغيرها من حركات الإخوان استخدم إخوان السودان في مرحلة الكمون تهييج الجماهير دينيا في منتصف الستينيات بغرض الانتشار ومحاصرة الشيوعيين ،فقد تم الدفع بأحد الأشخاص الذين تم شراؤهم ليقول كلاما منافيا للثقافة الدينية السائدة ،حتى تندفع مظاهرات يقودها الإخوان إلى الشوارع ، ومطالبة البرلمان بحضر الشيوعيين . ذات الوسيلة استخدمها إخوان اليمن حين تم تدبير قصة تمزيق المصحف ورميه في حمامات مدرسة ثانوية جمال عبد الناصر بتعز عام 1973م ،ليحدث الصدام بين الطلبة الناصريين والماركسيين من جانب وطلبة الإخوان من جانب آخر ، وقتها كانت حركة الإخوان في اليمن تبحث عن وسائل إفك تساعدها على الانتقال من الكمون إلى الانتشار جماهيريا بتهييج المشاعر الدينية .
يومها طالب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس الشورى بإعدام الطلاب الذين مزقوا المصحف رغم أن لجنة التحقيق لم تدن أحدا واكتفت باقتراح حبس الطلاب من كل الأطراف تأديبيا ،لمدة تتراوح من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع لتهدئة العواطف المنفلتة .فلم تؤت حكاية تمزيق المصحف ورميه في الحمامات أُكلها ،لكنها كانت مهمة بالنسبة لحركة الإخوان في اليمن كي يبدأوا بالانتشار جماهيريا وتحجيم خصومهم ونعتهم بالكفر والإلحاد ، بتكامل الأدوار بين ياسين عبد العزيز الذي كان على تماس مباشر بتحريك القضية وبين الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي أراد تلجيم الخصوم !