1440 سنة هجرية والله مع المؤمنين
مطهر يحيى شرف الدين
الخروج من عباءة الطغيان والتخلص من الوصاية والتبعية للمخلوق بما فيها من ذل وانكسار وهجر القيود والنفوذ الذي يسيطر على بني البشر وصولاً إلى الحرية ونيل الكرامة والاستقلالية، هي “الهجرة” بمعناها الحقيقي التي تجسدت في هجرة رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم ومن معه من المؤمنين المستضعفين من مكة إلى المدينة.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا والله يؤيد بعونه ونصره كل من رفض العبودية والخنوع للظلم والطغيان واعتصم بحبل الله المتين ونصر الله وتولاه واتبعه فنصره الله ، قال تعالى ” للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ” فصدق التوجه إلى الله والاستعانة به وحسن الظن بالله والاعتقاد واليقين بأن الله هو المعين و القوي الناصر لعباده هي البشرى بذاتها وهي فاتحة الفتح المبين والفرج القريب الذي يأتي بعد كل عناء ، فكل هجرة يقوم بها المخلوق وكل انتقال من الحصار والانعتاق له ما بعده من آثار وأبعاد إيجابية تحقق الآفاق الواسعة والاتجاهات المتعددة التي تحتوي على كل مضامين الحق الذي يبني القيم والسلوك والثقافة والحرية التي لا تقبل قيداً أو حداً ينال من عزة وكرامة الإنسان ، قال تعالى ” ولقد كرمنا بني آدم ” وذلك هو وعد الله وطمأنته لرسوله ولعباده المؤمنين بحمايتهم والدفاع عنهم والوقوف إلى جانبهم في الشدائد والمحن طالما وهم قد تولوا الله واتبعوه ونصروه وانتصروا لأنفسهم ولكرامتهم فكان الوعد من الله بحفظ وحماية المؤمنين قال تعالى ” له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ” وكل ذلك بلا شك هو سبب وقوف المؤمنين إلى جانب الحق الذي ينتصر لعدالة القضية والمبدأ الذي يسيرون عليه منذ هجرة نبي هذه الأمة محمد صلوات الله عليه وآله وحتى يومنا هذا ، فكان من ثمار ونتائج التولي لله ولرسوله الانفراج والخروج من الظلمات إلى النور المتمثلة في الهجرة من العبودية والطغيان والظلمات والاستكبار الذي مارسه كفار قريش على المؤمنين المستضعفين ، قال تعالى ” الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات “.
ولذلك فمن يضحي في سبيل الله ببذل النفس وإنفاق المال فهو قريب من الله والله أقرب إليه من حبل الوريد ، فلا خشية ولا قلق ولا حزن من فاقة أو عدو أو ضلال لأن الله مع المؤمنين في كل وقت وحين ، قال تعالى ” الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ” لذلك فإن مسألة الارتباط بالله والتعلق به بحاجة إلى رصيد كبير من الأعمال الصالحات التي تعمل على تحرير القلب من اتباع الشهوات والأهواء واتباع المخلوق ، ولذلك فإن العهد من الله والميثاق الذي إن سرنا عليه وانتهجناه سبيلاً فلا خشية ولا حزن لأن الله سيكون مع المؤمنين في كل زمان ومكان ، َ فاتباع الله وتوليه وهجران الشيطان أو الطاغوت والابتعاد عنه إنما هو من فضل الله ورحمته بعباده لأن إتباع الحق هو هجران الباطل وهي الهجرة من البيئة الضالة إلى البيئة الإيمانية بما فيها من أمن وطمأنينة وسلام وتعايش مع الآخر ، فالهجرة إذاً هي هجرة رسول الله ومعه المؤمنين من بعده على مر القرون وهي مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها طالما وأن هناك صراعاً بين الحق والباطل وبين محور الخير ومحور الشر وبين الإيمان بالله والكفر به ، فمن ارتضى لنفسه الارتهان لعبيد الشيطان ومحور الشر وأعداء الله كان من الضالين الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا ذلك بأنهم كفروا بالله واتخذوه هزوا ولأنهم اتبعوا أهواءهم والله لا يهدي القوم الظالمين ، فالهجرة طوال 1440 سنة هي هجرة إلى الله وفي سبيله وهي الهجرة من الحالة الزمانية والمكانية السيئة إلى الحالة الزمانية والمكانية الحسنة وهي هجران العبودية والباطل والطاغوت والهجرة من الشح والبخل إلى الإنفاق والبذل والعطاء والوقوف إلى جانب الحق والعدل وصولاً إلى توفيق الله ورضاه ورحمته ومغفرته ، قال تعالى ” ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراَ رحيما ” ولأننا نحن اليمانيون الأحرار كنا ولا زلنا نحمل رصيداً كبيراً في الهجرة إلى الله ورسوله وجهادً في سبيله ، ولنا الحضور الأبرز في تاريخ الإسلام فالشعب اليمني بجيشه ولجانه الشعبية منذ أن تعلقت قلوب أجدادهم بخاتم الأنبياء والمرسلين ونصروه حتى يومنا وهم يشكلون قوة ضاربة برموزهم وقبائلهم الحرة مسجلينً موقفاً بطولياً تشهد له الفتوحات الإسلامية منذ أن ناصر الأوس والخزرج نبيهم فخرجت أعظم أمة مؤمنة ومخلصة تناهض العدوان والطغيان والاستكبار قال تعالى ” محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا ” َ.