طه هادي الحاضري
الجهاد في سبيل الله فريضة ومبدأ وواجب ويكون فرض عين على كل مسلم إلاَّ من عذرهم القرآن الكريم في حال جهاد الدفع وصد العدوان وجهاد الغزاة المحتلين من اليهود والنصارى وكل من كان من غير المسلمين – والبغاة – من المسلمين بمختلف مسمياتهم خونة، عملاء، مرتزقة، تكفيريين.
يقول الله تعالى ” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ” ويقول سبحانه: “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ” ويقول: ” وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ” ويقول: ” انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ” وقد جاء الحديث عن الجهاد في سبيل الله في القرآن الكريم في كثير من الآيات، وتكرر في كثير من السور وذلك لأهميته ولتوضيحه ولإقامة الحجة على الناس بأن الجهاد فريضة في الظروف العادية كما في حال قتال العدو وفي أرضه، أما إذا أتى العدو إلينا وقد احتل أجزاء من بلادنا ويريد احتلال البلاد كلها فهو واجب، وفي حالٍ كهذا وفي ظل العدوان على الشعب؛ فهو فرض عين على كل مسلم قادر غير معذور- وسنبين من هم المعذورون من خلال القرآن الكريم- كما أن الجهاد لا ينتهي بوقت أو زمن حتى تقوم القيامة إلا بنصر بالنسبة للأمة أو بشهادة بالنسبة للمؤمن يقول تعالى:”قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ” لأن كلمة جهاد تعني بذل الجهد كل الجهد استمرار بذله ومن هنا سمي جهاداً، وما أمر الله به إلا لأنه باستطاعتنا قال تعالى:” وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ “ذلك لأنه سبحانه لم يكلفنا فوق طاقتنا ولم يأمرنا إلا بما فيه وسعنا قال تعالى:” لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ” وما أمر الله تعالى بالجهاد حسب استطاعتنا وفي حدود طاقتنا إلا بعد أن وعد بالنصر والتمكين والاستخلاف في الأرض ووعد بالتأكيد والتثبيت للمجاهدين وإنزال السكينة وإفراغ الصبر، وبعد أن كشف لنا واقع العدو وضعفه في الميدان قال تعالى:” لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ” وبعد أن بين سبحانه أن القتال والجهاد في سبيل الله لا ينقص من عمر الإنسان يوماً ولا حتى لحظة واحدة كما لا يزيد في عمر الإنسان القعود عن الجهاد وإيثار السلامة بمعنى أنه ليس كل من يقاتل في سليل لله يُقتل ويُستشهد وينال كرامة الشهادة التي هي مطلب نبيل ويتمناها المؤمن المجاهد ويأسف إذا لم ينلها ولا كل من يقعد مخافة القتل أو الموت يسلم منها رغم كراهيته لهما وهروبه منهما ولا يخلد في الدنيا؛ لأن مخافة القتل والموت “نيل الشهادة” هو أكثر ما يُقعد الإنسان ضعيف الإيمان عن القيام بواجبه الجهادي قال تعالى:”قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ “ويقول سبحانه: ” قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ” وتتجلى هذه الحقيقة في الواقع حيث نجد ضحايا حوادث المرور بالسيارات أكثر من الشهداء في جبهات القتال وفي كل الأعمال الجهادية الأخرى، ونرى أيضاً الذين يموتون بالأمراض والجلطات أكثر من الشهداء في الجبهات وفي كل الأعمال الجهادية الأخرى، ونرى ضحايا القصف الجوي على البيوت أكثر من الشهداء وفي كل الأعمال الجهادية الأخرى، ونرى أن القتلى من الناس القاعدين في حال تمكن العدو وانتصاره بسبب قعود أكثر بكثير من الشهداء في الجبهات وفي كل الأعمال الجهادية الأخرى، ونرى كذلك المقابر في كل قرية ومدينة ومنطقة مملوءة بالموتى قبل العدوان ونؤمن أننا جميعاً سنغادر الدنيا شئنا أم أبينا وأننا لن نبقى فيها وأنها زائلة وستنتهي الحياة الدنيا بكلها بقيام القيامة.
حقيقة الجهاد القرآنية
ينظر الناس للجهاد على اعتبار أنه شيء شاق ومكلف وفيه القتل والجراح والدمار والمآسي وهذا منافٍ كلياً لحقيقته في القرآن التي هي حقيقته في الواقع العملي وكما أثبتته الأحداث عبر عصرنا الحاضر.
فالجهاد في حقيقته خير وليس شراً كما يراه البعض من قاصري الوعي وضعيفي الإيمان، وقد يدخل اعتقاد أنه شر في باب التكذيب بآيات الله في القرآن الكريم فالله تعالى يقول:” انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” وقد نفى الله تعالى الشر عن الجهاد بالقتال في سبيل الله وأكد على أنه خير قال تعالى:” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ” وعد سبحانه الجهاد تجارة رابحة في الدنيا والآخرة وبين مكاسبه العظيمة قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ” فالجهاد خير ونعمة من الله تعالى، وما فرضه إلا من منطلق رحمته بعباده المؤمنين، ونف كلمة موت في قاموس الجهاد على الإطلاق حيث أن الأمة تحيا بالجهاد حياة الحرية والكرامة والقرب من الله تعالى التي جاهدت في سبيله ونيل محبته وتأييده ونصره ومن استشهد وقتل في سبيل الله فإنه إنما ينتقل من الحياة الدنيا إلى حياة كريمة عند الله تعالى- على الهواء مباشرة إن صح التعبير- فلا يجوز أن نقول للشهيد “ميت” لأن هذا منافٍ للحقيقة ولواقع الشهيد الحي قال تعالى:” وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ” بل لا يجوز حتى مجرد الظن أو التصور أنه ميت قال تعالى:” وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ” لأن الشهيد نال إحدى الحسنيين قال تعالى:” قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ” ولهذا فالجهاد في سبيل الله لا خسارة فيه بل ربح صافٍ واستثمار مربح للحياة والموت قال تعالى:” قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” وهو بيع وشراء ومتاجرة مع الله تعالى بالنفس المال قال تعالى:”إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ “.