وقائع مجزرة تنومة.. مناقشة إضافية للرواية النجدية وابن سعود العقل المدبر لها

الحلقة التاسعة

مجزرة الحُجاج الكبرى..كتاب للباحث حمود الاهنومي يوثق جريمة آل سعود بحق حُجاج اليمن.. “الٹورة” تنشر الكتاب في حلقات

يقصُدُ المنشورُ بقوله: “وجازاهم بعد ذلك بالجزاء الذي يستحقون”، أنه تصادم مع الإخوان وقادتِهم في معركة السبلة عام 1929م، وقتل بعض زعمائهم، واستسلم له بعضهم، ولكن الحقيقة أن فرقة من الإخوان واحدة وهي الغطغط هي التي ارتكبت هذه الجريمة، فلماذا عمَّ كلَّ فرق الإخوان وفصائلهم بهذا الجزاء؟ ولماذا سامح من استسلم من الغطغط وأبقاه حيا وأكرم مثواه؟ ومنهم ماجد بن خثيلة الذي كان أهم مساعدي حاكم الغطغط سلطان بن بجاد العتيبي؟ ثم لم ينقل أنه في تلك الأحداث عاب عليهم فعلتهم في الــيــمــنيين بأي شكل من الأشكال، ولم تطرح عليهم هذه القضية باعتبارها جرما يستحقون به العقوبة أبدا؟ ثم كيف صحى ضميره بعد حوالي ست سنوات ليجازي من عاد فيما بعد يبرِّر لهم فعلتهم وجريمتهم من جيشه بعد القضاء عليهم، ومن لا يزال يتنصل من أي تبعة تلزمه وتلزمهم؟ ولماذا لم يصْحُ ضميره بناء على ذلك بتعويض أولئك الضحايا ودفع دياتهم ورد ممتلكاتهم المنهوبة؟
– حاول ذلك المنشور النجدي تبرير قتلهم بأنهم خالفوا أوامرَ ونصائحَ حاكمه على عسير وجنده في تـنـومـة، وأنهم ساروا بطريقة حربية، فمنذ متى كان جزاء المخالف القتل؟ ومنذ متى علَّمهم الإســـلام أن يبدأوا بقتالِ من لا يقاتلهم؟ وهل كان حرصهم على إبادة جميع الــحــجــاج جزاء وفاقا على تلك المخالفة؟ وهل كان التذفيف على الجريح أمرا طبيعيا في الإســـلام؟ وهل كانت مطاردة النـاجــين منهم وقتلهم أمرا طبيعيا أيضا؟ ألم يكن الحصار والمنع كافيا؟ ثم ألم يكن كسرُ شوكتهم بقتلِ وأسرِ المسلَّحين منهم أو كبارِهم كافيا؟ فلماذا طاردوا النـاجــين وذفَّفوا على الجرحى؟ وحرصوا على إبادة الجميع رجالا ونساء؟.
– ثم لماذا قتلوا النساءَ والعجَزة والذين لا يُنْتَظَرُ منهم أيُّ مدَدٍ ولا أي غناء للملك الــحــجازي ابن عون؟
– ولماذا لم يَخَفْ هذا الجندُ الوهابي غائلة تصرُّفِه المتسرِّع بقتل هذا العدد الضخم من المشكوك بأمرهم؟ لماذا لم يخافوا من قتلِ مسافرين قادمين من مناطق هم يعلمون حق العلم أنها تخضع لحاكم عسير، وأن أيَّ قادم منها لا بد أن يكون مأمون الجانب لا يشكِّل أية خطورة على صاحبها وجيشه ؟ بل من كانوا في سدوان لا زالوا في أراضٍ خاضعة لحكم ابن سعود؟ كيف لا يخافون من حاكمهم أنهم قتلوا مسافرين مروا من عنده؟!
– وإذا كانت الفرقة التي وصلت إلى تـنـومـة هي الفرقة التي طالتها نيران النجديين؛ لأنها وصلت في مناطق الاشتباكات فما عذرُهم في مَنْ لا يزالون في مناطق بني الأسمر في سدوان والتي كانت آمنة وأهلها من الموالين لابن سعود؟!
– وقد دلت الروايةُ النجدية أن ابن سعود اعتبر قتلهم كضرطة عنز في فلاة من الأرض، فلا هو الذي ردَّ أموالهم وممتلكاتِهم كاملة، ولا هو الذي أصدر حكمه وقد حكَّمه الإمــام يــحــيـى؟ ولا هو الذي ودَى الضحايا بأية ديات، وهذا المنشور أكَّد أنه لم يدفع دية أي شهيد منهم، وقد أكده الإمام أيضا في رسالة لتلك الجريدة وغيرها، والذي أيضا أكَّده أحد رجالات الــيــمــن، وابن أحد شــهــداء تـنـومـة، وهو القاضي الحسين بن أحمد السياغي؛ إذ يقول في ترجمة والده وأنه استُشْهد مع آخرين: “واستفتح الملك عبدالعزيز بقتلهم الــحــجاز، وباء بدمائهم وأموالهم ولم يتخلص منهم إلى أن توفي”(1).
وهو أمر يرد على أولئك الذين أشاعوا أنه أنصف الـشــهــداء ودفع دياتهم ومنهم الأمير أحمد بن محمد بن الحسين حميد الدين(2).
– وأخيراً: هل مرور عدد ضخمٍ مثل ذلك العدد أياماً وليالي في أراض يسيطر عليها ابن سعود، وهو يشك أنهم مدد، يمكن أن يكون بدونِ علمِ ابنِ سعود، ثم اتخاذ قرارٍ بتصفيتهم على ذلك النحو يكون أيضا بدون علمه؟!
وبهذا النقاش المطوَّل يتبين أن مدرسة قـرن الـشـيـطـان التي حذرنا منها رسول الـلـه صلى الـلـه عليه وآله وسلم أطلَّت من هذه النافذة بأكاذيبها وترهاتها ولَبْسِها الحقَّ بالباطل، لكن كيد الشيطان وأولياءه كان ولا يزال ضعيفا، إذا ما تجلَّى الحقُّ واستطال عمودُ حججِه وبراهينِه.
خامساً: ابن سعود هو العــقل المــدبِّر للمجزرة
إن تناقضات الرواية النجدية واضطرابَها وهشاشة تركيبها ومغالطتها للحقائق التاريخية ومعارضتها للمنطق تشي بأن وراء الأكمة ما وراءها، بل إن الظروف والأسباب والطريقة التي نُفِّذت بها المــذبــحــة تُرجِّح أن عبدالعزيز ابن سعود نفسَه كان المسؤولَ الأول عنها، وأنه هو من اتخذ القرار بإبادتهم؛ لعدد من الأمور:
1 – لما ذكره الدكتور الوجيه من قرائنَ وأحوالٍ تبرهنُ أن الحادث مدبَّرٌ مخطَّطٌ له، ولما سبق ذكره من قرائنَ وأحوالٍ تؤدِّي إلى ذلك.
2 – لأنه هو الذي تسرَّب إليه خبرُ المعاهدة التي يفتَرَض أنها من أسباب القيام بتلك المــجــزرة، وبكون الرجل كان مشهورا باليقظة المتوحِّشة، وانطلاقا من مفهوم الحزم النجدي الذي رأيناه اليوم في أبنائه وأحفاده، فإنه يقتضي قيامَه بسفكِ دماءِ المشكوك فيهم، بل وحتى الأبرياء تنكيلا بمن عداهم، وكسرا لإرادتهم، وصناعةً للرعب في قلوبهم.
3 – لم يحدُث أن تعرَّض النجديون للحــجــاج الــيــمــنيين قبل ذلك العام، وقد مرُّوا في نفس الطريق، وبهذا يتبيَّن أن هناك قرارا بتصفيتهم اتُّخِذ في ذلك العام بعد تسرُّبِ خبرِ الاتفاقية، وهو القرار الذي طبيعته وحجْمُ أثره وخطورة تداعياته تَفْتَرِض أن يُتَّخَذ في أعلى سلطةِ قرارٍ نجدية.
4 – إن مرور القافلة حوالي 12 يوما(3) في منطقة عسير التي كان يسيطر عليها النجديون، بل وحوالي 6 أيام من أبها إلى تـنـومـة، يبين أن هناك وقتا كافيا للتواصل بين حاكم عسير وأميرِه في نجد، ولاستشارته حول فعل اللازم، واستقبال توجيهاته وترتيب وإخراج مؤامرة كبيرة بحجم تلك المــذبــحــة الهائلة، علما أن الاتصالات البرقية كانت متيسرة في مدينة أبها وبشكل يومي.
5 -يترجَّحُ جدا أن حاكم عسير رفَعَ تقريرا بحالة الــحــجــاج وعددِهم ووضعيتِهم عند مرورهم بأبها إلى أميره في نجد، وأنه استشاره في فعل ما يلزم، لا سيما مع تسرُّبِ خبرِ المعاهدة التي لم تكن قد رأتِ النورَ بعد، ومع ادعاءات الــيــمــنيين بأحقيتهم في عسير، وطموح النجديين في تملُّك الجزيرة العربية، واعتمادهم على استراتيجية صناعة الرعب في قلوب خصومهم، الرعب السابق لأية معركة معهم، ويمكن أن يحقق قتل هذه القافلة بتلك الطريقة الوحشية ذلك الهدف المنشود لهم.
إنه سلوكٌ ينسجم مع السلوك الوهابي النجدي العام في مناطق أخرى من الجزيرة العربية وفي الشام والعراق، وهو أنسب سفارة لنقل الرعب إلى قلوب الــيــمــنيين، ولكن خوفا من الفضيحة أمام الرأي العام العربي والإســـلامي والعالمي فقد اقتضت الترتيباتُ إظهارَ حاكم أبها الاحترامَ للحــجــاج، وضيافتهم، حتى إذا ما وصلوا إلى منطقة الاشتباكات أرسلوا لإخوانهم الوهابيين هناك بالتوجيه بقتل أولئك الــمــســلــمين المشركين!! على حد زعمهم وأن لهم ما في أيديهم من الأموال.
6 -ولا يبعُد أن يصرَّح لأولئك التكفيريين الوهابيين بأن أولئك الــحــجــاج مددٌ متنكِّر للملك الــحــجازي الشريف حسين ابن عون، وأكد ذلك قول الرواية النجدية أن هناك من أوصل الخبر إلى مقاتلي الإخوان بأن جيشا عظيما قدِم لقتالكم، وهذه اليد الخفية التي أوصلت ذلك الخبر ووثِق في قولها المقاتلون الوهابيون لا بد أن تكون يدا قريبة من أمير نجد، أو من حاكم عسير، وإلا فإنهم لن يثقوا في قولها، وزعمها، وبهذه الترتيبات يمكن لملك نجد أن ينفِّذ فعلته البشعة ويحقِّق أهدافه وفي الظاهر أنه كان بعيدا عنها.
7 – إن ما نقلته جريدة المنار عن جريدة أم القرى حول المنشور النجدي الذي يبرِّر الجريمة في المجمل، ويحاول أن يلقي باللائمة على الــحــجــاج، وهو نوع من تبرئة الجلاد وتحميل المسؤولية على الضحية، مع تردُّدٍ واضطراب، فلا هو الذي حمَّل جنده المسؤولية، وتحمَّل تبعات ذلك، ولا هو الذي حمَّل الــحــجــاج المسؤولية بشكل سافر، إن ذلك يشير إلى إرادة التغطية على الفاعل الذي لا يريدون إظهاره؛ لأنه كان حريصًا على التخفي والتنكُّر، وليس هو إلا عبدالعزيز ابن سعود.
8 -إن ترك الــحــجــاج في العراء من غير دفنٍ ولا تَكرِمة، وتعاملَهم معهم كأنهم كفار مشركون، لا حرمة لهم، وحتى عندما اعتذر ابن سعود، فلم يُنْقَل من أحدٍ أنه هو أو حاكمه على أبها أعار أدنى اهتمام أو بذل أية عناية بالجثث، وبدفنها،ومواراتها الثرى، وقد ذكر الشعراء الــيــمــنيون كما سيأتي أنهم تركوهم ممدّدين على الثرى للسباع والطير تأكلهم، وكذلك عدم وجود مقبرة معروفة حتى اليوم لهؤلاء الضحايا مع هول تلك المــجــزرة وكثرة ضحاياها، وبشاعة فعلها – دليلٌ على ذلك الإهمال المتعمَّد، بل ما أكَدته الرواية الشعبية في منتديات تـنـومـة وهو أن الجثث بقيت أياما حتى تعفَّنت وتحلَّلت، ثم جاء سيلٌ وأخذَ ما بقي منها(4)، كل ذلك دليل على أن الجريمة كانت مبيَّتة ومدبَّرة، وأن هؤلاء الــحــجــاج كانوا ضحية استهداف سياسي حقير، واستبيحوا لأسبابٍ عقائدية تكفرهم وتستبيح دماءهم وأموالهم، وتدل على أن عبدالعزيز نفسَه لم يستطع حبْكَ مسرحيته كاملة، فقد ترك ثغراتٍ فيها شاهدة على تعمُّده إزهاق أرواحهم، وأن خطابَه الرقيق واعتذارَه لا ينبئ عن واقعٍ حقٍّ، ولا عن اعتقادٍ حقيقيٍّ بندمٍ نفسي، بقدر ما يعبِّر عن النفاق، وذرِّ الرماد على العيون.
9 -ورغم تحكيم الإمــام يــحــيـى لابن سعود فإنه ظلَّ متنصِّلا عن إصدارِ أيِّ حكم، وعن تحمُّل أية تبعة، حتى بعد أن تفجَّر النفط في بلاده، وابتلاهم الـلـه بالمال الكثير، لم تسخُ نفوسُهم أن يعوِّضوا أسر الضحايا بما يلزمهم. وهو أمرٌ يؤكد أن ابن سعود ظلَّ مصرًّا على جريمته مدافعا عنها بأفعاله، وأنه لم يكن نادما يوما على ما ارتكبت يداه.
10 – كشفَتْ طريقةُ سرد الرواية النجدية – وما اشتملت عليه من ادَّعاء أخذَ التعهُّد الخطِّي من الــحُــجَّــاج – عن أمرٍ يراد تدبيره بليل، وعن جريمة بيَّت لها المعتدون سيناريوها معقَّدا، يلقي باللوم على طرف آخر، أو على الضحية أكثر من الجزار، ودلت تناقضاتُها الكثيرةُ وهشاشة تركيبها على أنها رواية لم تعبِّر عن الواقع الفعلي، وأن ارتكاب مــذبــحــة بحق حــجــاج أبرياء مسافرين، وبذلك العدد الكبير منهم، وعلى ذلك النحو البشع والفظيع، أمرٌ لا يمكن حدوثه، واتخاذ القرار فيه من قائدٍ ميداني، أو من حاكم محلي، أو من فرقة جيش مرابطة، وليس منطقيا أن يتولى أمره حاكم أبها بمفرده، بل لا بد أن يصدُرَ به قرارٌ من أعلى سلطة في نجد، وربما بقرار دولي، أي من ولية أمر ابن سعود آنذاك وهي بريطانيا.
11 – لهذه القرائن والأمارات أرجِّحُ ذلك الاتجاه الذي يُلقي بتبعة الحادث على أمير نجد، وأنه “تم بناء على أوامرَ صريحةٍ من قبل ابن سعود”، وإذا كانت الوشاية الأجنبية قد حصلت فعلا فإنها “لا تنفي المسؤولية عن آل سعود، بل تثبتها، فقد كان بإمكان ابن سعود أن يأمر قواتِه بمحاصرة الــحــجــاج وأسْرِهم أو حتى منعِهم من الوصول إلى مــكــة المكرمة بدلا من الإجهاز عليهم”(5).
وهذا يدل على أن تصفيتهم وليس فقط إعاقة وصولهم إلى مــكــة، كان هدفا استراتيجيا لابن سعود من الناحية السياسية والدينية والعسكرية، يرادُ به كسرُ الروح المعنوية لدى الــيــمــنيين المتحمِّسين لاستعادة عسير، والتمهيدُ لغزو الــيــمــن بصناعة حكايةِ رعبٍ شديدة، وإلقاءِ الرعب أولا في قلوب أبنائه، كما هي استراتيجية الوهابية منذ نشأتها ومضت وتمضي عليها اليوم نسخُها المعاصرة من القاعدة وداعش.
12 -وبهذا استطاع ابن سعود تحقيق أهدافه السياسية وأشبع رغبة مقاتليه المتوحشين في ما يعتقدونه جهادا ضد المشركين في الجزيرة العربية، وقد عادوا محمَّلين بالغنائم الوفيرة، والأجور الغزيرة!!، كما انتقم لحليفته بريطانيا من عدوِّها اللدود العصي على التطويع الإمــام يــحــيـى وشعبه في الــيــمــن، ونالت مرادها في حرْفِ نظرِ الإمام عن جنوب الــيــمــن إلى الحدود الشمالية وإلى العدو المتربِّص هناك.
13 – ترجَّح هذا الأمر أيضا للرحالة الحصيف نزيه العظم، بعد أن حاول التحري عن السبب في مختلف الجهات والبلاد، وبعد الاتصال بالمسؤولين وغير المسؤولين في الــيــمــن ونجد والــحــجاز والشام ومصر(6). والعظم لا يتحامل على ابن سعود، ولا يبدو منه أيُّ عداء تجاهه، بل كانت علاقته معه طيبة ويظهر احترامه له وتقديره، كما يعرف ذلك من اطّلع على كتابه رحلة في العربية السعيدة.
14 -ثم ليست هذه الحادثة ببدعة في تاريخ ابن سعود والوهابية النجدية، وليست بدعا أيضا في الحوادث التي تنصَّل ابن سعود عن المسؤولية فيها، وألقى باللوم فيها على جيشه، كما ليست فظاعتها تتطلب عدم رضائه بها، فتاريخ الإخوان الوهابيين وأسلافِهم وخلفِهم وحتى معاصرينا اليوم كلُّه فظاعاتٌ وقتلٌ وتوحُّشٌ بادعاءاتٍ كاذبةٍ وملفَّقةٍ ومزيَّفةٍ، وإذا أرادوا تحقيقَ هدفٍ فكثيرا ما يحرِّكون أدواتهم التكفيرية بأصابعهم من خلف الستار تقتل وتفتك وتدمِّر وترتكب ما لا يخطر على بال أحد من الفظائع، لكي يمكنَهم التبرؤ إذا استدعى الأمر ذلك، مع قبولهم المطلق بالنتائج والفوائد التي تحققها جرائم تلك الجماعات، وما دعمُهم وصناعتُهم مع الأمريكان لهذه الحركات التكفيرية العنفية اليوم والقبول بأدوارها والقيام بدعمها وتشجيعها في الــيــمــن وسوريا وليبيا ومن قبل في أفغانستان والعراق وغيرهما إلا دليل على ذلك التاريخ المشين.
15 -ومع ذلك كله فكون هذا الجيش الإخواني الوهابي أحدَ أذرعته القبيحة والمتوحشة، وأنه أحد تشكيلات جيشه، واعترافه في منشوره أنهم جنوده، فإن هذا أمرٌ يجعل عبدالعزيز مسؤولا مسؤولية كاملة عما ارتكبه جيشه من جرائم، باعتباره القائد الأعلى لذلك الجيش، حتى ولو لم يصدر منه أمر بقتالهم أو قتلهم، وبالتالي فاعترافه بخطئهم، والاعتذارُ بكتاب رقيق يستلزم منه محاكمة القتلة، ودفع ديات المقتولين، والتعويض عن أموالهم وخسائرهم المادية والمعنوية.
ومن خلال هذا العرض يظهر من وقائع المــجــزرة جذورُ وسلوكات داعش الوحشية، وأنها مــجــزرة دُبِّرَتْ بليلٍ شيطاني، وأن عبدالعزيز هو العقل المدبِّر لارتكابها.
يتبع في الحلقة القادمة .. الفصل الرابع : مواقف مختلفة من المجزرة
الهوامش:
(1) قواعد المذهب الزيدي، ص22 (الهامش).
(2) الإمام الشهيد يحيى حميد الدين، ج2، ص174.
(3) عدّد القاضي الأكوع في كتابه دروب الــحــج، ص177، 178، محطات وقرى طريق الــحــاج، فبلغت من ظهران الــيــمــن جنوبا حتى تـنـومـة شمالا حوالي 19 محطة، وبلغت مراحلها حوالي 12 مرحلة، وقال القاضي العلامة الجرافي، أحمد بن أحمد بن محمد (ت بعد1397هـ)، في تعليقة عن المجزرة، كتبها بتاريخ محرم 1342هــ على حامية كتابه ديوان المتنبي، موجود في مكتبة مركز بدر العلمي، وهو والد مفتي الجمهورية السابق القاضي العلامة محمد بن أحمد الجرافي، قال: إن تنومة على قدر أحد عشر يوما من صعدة، وإذا عُرِفَ أن الــحــاج الــيــمــني يقطع مسافة طولها حوالي 1189كم، من صنعاء إلى مــكــة المكرمة، خلال شهرين كما ذكرت ذلك جريدة القبلة المكية، فإن المسافة التي اجتازها الــحــاج الــيــمــني في أراضي عسير المحتلة حتى تـنـومـة تقدر بـ268 كم، وهذا يفترض أنهم بالفعل احتاجوا لما يقارب 13 يوما ونصف يوم، وهو رقم مقارب جدا لما ذكره القاضي الأكوع.
(4) منتديات تـنـومـة، رواية كاتب فيها، عن أبيه حسن بن حمود، على الرابط: https://www.tanomah.net/vb/showthread.php?t=12122.
(5) الوجيه، عسير في النزاع السعودي الــيــمــني، ص127.
(6) العظم، رحلة في العربية السعيدة، ص227- 228.

قد يعجبك ايضا