نتيجة للعدوان والحصار:
ذمار / ماجد السياغي
أجسادهم منتفخة ووجوههم شاحبة يرسم الخوف والحزن معاً ملامحهم مستسلمين لمرض لا يعرف للرحمة عنواناً، يحدوهم الحصول على جلسة غسيل كلوي علها تصارع هذا الداء الذي سلبهم قواهم وأفقدهم طلتهم، فكم هو مضنٍ أن تراهم مذعنين على أبواب الموت بأجساد مهترئة. هذا هو حال مرضى الفشل الكلوي في وحدة مركز الغسيل الكلوي بهيئة مستشفى ذمار العام . ففي الوقت الذي وجهت فيه الهيئة نداء استغاثة إلى المنظمات الدولية وشركاء التنمية الصحية لإنقاذ حياة مرضى الفشل الكلوي يعاني أكثر من 002 مريض الأمرّين ، مرارة الألم ومرارة النقص الحاد في المواد الأساسية لجلسات الغسيل.
وانطلاقاً من هذا الوضع الصحي الناجم عن استمرار العدوان والحصار أجرت “الثورة” الاستطلاع التالي.. فإلى التفاصيل:
معاناة بأشكال مختلفة
تبدأ معاناة مرضى الفشل الكلوي من الألم والكفاح ولا تنتهي عند الخوف من تقلص عدد الجلسات أو عدم الحصول عليها في ظل النقص الحاد للمحاليل والأدوية الطبية في المركز باعتباره من المراكز الأشد إلحاحا لهذه المستلزمات الخاصة بمرضى الفشل الكلوي .
قمنا بنقل معاناة المرضى ممن التقيناهم في مركز الغسيل في هيئة مستشفى ذمار العام وتختلف من مريض إلى آخر، حاولنا إيراد بعض منها .
خوف مستمر
يقول الأخ أحمد عبدالرحمن: أصبت بهذا المرض منذ أربعة أعوام ومنذ ذلك الحين تغيّرت حياتي وحياة أسرتي ولم أعد بتلك الحيوية والنشاط وهو ما انعكس سلباً على دخلي وإسعاد أسرتي وما أحصل عليه يذهب معظمه في تكاليف مرضي بالفشل الكلوي . ويضيف: حالتي الصحية هذه الأيام تشهد تدهورا واضحاً بسبب تقلص جلسات الغسيل وهو ما يجعلني أعيش في حالة خوف مستمرة إلا أن الإيمان بقضاء الله وقدره كان وما زال هو سيد الموقف لمواجهة واقع المعاناة الحالية .
لا يستثني أحدا
أما الأخ محمد عبدالكافي والذي يبلغ من العمر 33 عاماً فقد قال: كنت اعمل في مقطع للحجارة أتقاضى من خلاله راتباً أعيل به أسرتي، وفجأة أصبت بمرض الفشل الكلوي الذي لا يستثني أحداً، والآن لا امتلك تكاليف العلاج فالجلسة الواحدة تكلف ما يزيد عن 40 دولاراً، أما تكاليف الجلسات في الشهر الواحد فهي بالنسبة لي كبيرة جداً لذلك يبقى هذا المركز ملاذي الأول والأخير وان توقفت فيه الجلسات سأتوقف عن الحياة لا قدر الله .
ويضيف : أناشد عبركم كل ضمير إنساني للحفاظ على حياتنا فهي مقترنة بجلسات نظامية دائمة لا تقبل القسمة أو الطرح .
قصة حليمة
أم حليمة المرافقة لابنتها البالغة من العمر 12 ربيعاً تروي لنا قصة مؤلمة حيث تقول: كانت ابنتي حليمة تعاني من صداع دائم وإعياء مستمر فكان والدها يقوم بشراء الأدوية والمسكنات للتخفيف من أوجاعها ، وفي احد الأيام انهارت صحتها بشكل مخيف بعدها اضطررنا للذهاب بها إلى طبيب مختص وبعد أن أجريت لها الفحوصات ظهرت النتيجة بأن حليمة تعاني من فشل كلوي حاد، ولا بد أن تخضع لغسيل كلوي بشكل مستمر.
وتتابع : لطالما حلمنا أن تكون حليمة طبيبة تنقذ أرواح البشر ولكن تحطمت أحلامنا وبات كل أفراد الأسرة متأثرين نفسياً نتيجة مضاعفات المرض على جسمها البريء ويزيد من خوفنا أيضاً تقلص جلسات الغسيل والازدحام الذي يشهده المركز يوما بعد آخر مع ما نسمعه من أن محاليل الغسيل قاربت على النفاد فأرجو من الله أن لا يتوقف مركز الغسيل الكلوي بذمار عن العمل .
النازحون منكوبون مرتين
المرضى المصابون بالفشل الكلوي من النازحين منكوبون مرتين هذا ما قاله لنا الأخ سعيد الصلوي احد النازحين من محافظة تعز الذي أصبحت حياته تعتمد على أجهزة الغسيل الكلوي لتخليصه من السموم التي تجري في دمه.
حيث قال : نكبت مرتين الأولى يوم تركت منزلي أنا وعائلتي وفقدت مصدر رزقي خوفاً من الموت المحقق قاصدا مدينة ذمار للحفاظ على حياتنا ومنكوب مرة أخرى بسبب حاجتي إلى ثلاث جلسات غسيل أسبوعيًا لتنقية وتصفية دمي ومع كل ذلك لا زلنا نعاني، فتداعيات العدوان والحصار التي طالت كل شيء حتى المستلزمات الطبية والعلاجية، واضطررت إلى تخفيض ساعات الجلسات، وعدم القيام ببعضها مع نقص المحاليل وتزايد أعداد المرضى الوافدين من محافظات مجاورة .
تقليص عدد الجلسات
وعن وضع المركز يقول الدكتور جمال حسن الشامي رئيس هيئة مستشفى ذمار العام: مركز الغسيل الكلوي في هيئة مستشفى ذمار يغلق أبوابه للأسبوع الثاني على التوالي مقتصرا عمله على الجلسات الاسعافية فقط وتم تقليص الجلسات في الأسبوع الماضي من جلستين أسبوعيا إلى جلسة واحدة فقط.
ويتابع الدكتور الشامي ومن اجل ذلك قامت الهيئة بتوجيه العديد من نداءات الاستغاثة لكل المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن كما تم توجيه العديد من الرسائل للجهات الرسمية ممثلة بقيادة ووزارة الصحة العامة والسكان وحكومة الإنقاذ الوطني.
ولكن للأسف الشديد لم تكن هناك أية استجابة من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن بشكل جدي لهذا النداء مع العلم انه خلال الأيام الأخيرة ترافق توقف المركز مع زيارة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي السيد بيتر مورر وتم توجيه مناشدة إنسانية عاجلة من بين المرضى وفي قلب المركز المتوقف من قبل الأخ محافظ المحافظة الأستاذ حمود محمد عباد وقيادة الهيئة ووعدنا بأن تكون محل اهتمام ولكن للأسف الشديد قمنا بزيارات للجنة الدولية لمناقشة مخرجات زيارة اللجنة وتم عقد لقاء ثلاثي جمع قيادة الهيئة والهلال الأحمر اليمني والصليب الأحمر الدولي وتم التأكيد لنا بأن الموضوع لازال محل نقاش ولم يتخذ القرار بعد في التدخل. كما أننا قمنا بزيارات ولقاءات مختلفة مع وزير الصحة وقيادة الوزارة وتم طرح الوضع والمعاناة بصورة مباشرة معززة بالإحصائيات والوفيات المسجلة.
ويضيف الدكتور الشامي: المركز تمت توسعته من 12 سريراً إلى 35سريراً وبطاقة استيعابية 200 مريض حاليا منهم أربعون حالة نازحون من محافظات مختلفة كما أن هناك أكثر من خمسين حالة في قائمة الانتظار ولم يتسن لنا ادارجهم ضمن مرضى المركز لعدم توفر جلسات الغسيل بالرغم من توفر الأجهزة الكافية لاستيعابهم وتم طرح ذلك على كل الجهات الرسمية ذات العلاقة من أجل إيجاد رؤية موحدة وشاملة لتشغيل المركز بعد التوسعة ومن تلك الجهات وزارة المالية حيث صدرت التوجيهات الصريحة من رئيس المجلس السياسي الأعلى بتحويل المجنبات من موازنة الهيئة سنويا بمبلغ وقدره 230 مليون ريال لتشغيل مركز الغسيل ولكن للأسف كذلك صارت تلك الأوراق حبيسة الأدراج بحجة عدم توفر الأرصدة.
أكثر من 100 حالة وفاة
وعن تداعيات هذا الوضع يقول الدكتور جمال الشامي في معرض كلامه: المركز سجل وفيات بلغت (99 ) حالة خلال العامين 2015و2016م كما سجلت العديد من الوفيات خلال النصف الأول من العام 2017م كان آخرها 7 حالات بعد توقف المركز .
وكل هذا وذاك جاء بسبب العدوان والحصار الجائر المفروض على اليمن والذي لم يسلم منه مرضى الفشل الكلوي.
ويختتم بالقول نكرر مناشدتنا للمنظمات الإنسانية والتي نشكك في إنسانية ومهنية الكثير منها كونه مر عامان ونيف ولم نلاحظ أنشطة إنسانية ملموسة. كما نأمل ونرجو من الجهات المسؤولة ممثلة بقيادة المحافظة ، وزارة الصحة العامة والسكان ، ووزارة المالية ودولة رئيس الوزراء، التدخل الطارئ والرسمي الذي نعول عليه كثيرا وألا ينتظروا دور تلك المنظمات، فالانتظار يحمل في لحظاته موت العديد من الحالات وتعرض الأخرى لمضاعفات كبيرة. كما نأمل منهم إعادة النظر وتقييم أوجه التعاون الإنساني مع الأمم المتحدة ممثلة بمنظماتها الإنسانية التي تقدم الفتات في برامج توعوية وتدريب ومجالات لا تتعلق بحالة الطوارئ.
عيون عليها غشاوة
وبرغم تعدد أسباب الداء إلا أن نفاد الدواء كأحد تداعيات العدوان والحصار مجتمعة أو منفردة يصَعب من لجم جموح هذه المعاناة المزدوجة التي تثقل كاهل المرضى . في ظل استجابة لا تذكر من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها ومكاتبها والمنظمات الإنسانية فهي تقرأ المؤشرات والأرقام لكنها ترى بعيون عليها غشاوة .