> أبناء ذمار في أسبوع الشهيد لـ”الثورة”
الثورة/ ماجد السياغي
إن من أعظم المواقف مواقف الشهداء، كيف لا!!؛ فهم آمنوا برسالتهم وبشعبهم وبحقهم في العيش بكرامة أو الموت دون ذلك، فحين دعاهم الوطن صغرت في أعينهم كل الأشياء وعظمت من خلاله عزة اليمن وكرامة أبنائه، أما ترابه الطاهر فكان الأغلى والأثمن بالنسبة لهم فلم يبخلوا عليه بدمائهم لأنهم يعلمون أن المؤامرات التي تحاك ضد الوطن من قبل العدوان السعودي الأمريكي لا بد أن تعمد بالدماء والبطولات.
وتقديراً وعرفاناً لدورهم العظيم تُحيي مختلف المحافظات الذكرى السنوية للشهيد، كما هو حال محافظة ذمار التي تشهد فيها مختلف القرى والعزل والمديريات فعاليات وأنشطة متنوعة وسط حضور رسمي وتفاعل شعبي كبيرين.
ما من يومٍ يمر في محافظة ذمار منذ بداية العدوان السعودي الأمريكي على اليمن إلا ويشهد مراسيم تشييع جثامين شهداء من مختلف مديريات المحافظة، فقصة حب الشهادة في ذمار قديمة قدم هذه الأرض العتيقة ففي كل مرحلة تاريخية مر بها الوطن نجد في مضامين الكتب ومجلدات المجد قصصاً لمآثر وبطولات سطرها أبناء المحافظة، وما أضرحة الشهداء المنتشرة إلا دليل واضح على حجم التضحيات التي قدمها ويقدمها أبناء ذمار تلبية لنداء الوطن.
ليس غريباً
لا نستطيع أن نلتقي بكل أسر الشهداء نظراً للأعداد الكبيرة والكبيرة جداً ولكن “الثورة” حاولت أن تأخذ بعض النماذج التي تلتقي في الهدف وتختلف من حيث العدد، فحين التقينا بأهالي وذوي الشهداء من هذه الأسر قالوا لنا هنئونا ولا تعزونا هكذا أراد أبناؤنا الشهداء وهكذا سنفعل.
فليس غريباً أن تقدم أسرة واحدة أكثر من شهيد واثنين وليس مستغرباً أن يجددوا استعدادهم تقديم المزيد من رجال الرجال من أجل هدفٍ سامٍ.
ثلاثة شهداء وجريحان
كثيرة هي التضحيات التي يسطرها أبناء محافظة ذمار ولعل أسرة منصور عامر الجهمي أكثرها تجلياً، الرجل الخمسيني له خمسة من الأبناء ممن ذهبوا إلى ساحات العزة والبطولة دفاعاً عن الوطن وكرامة أبنائه، التقينا به في منزله المتواضع الذي يسكنه بالإيجار، ملامحه توحي بعزة في النفس وقوة في القلب، فدخلنا منزله ببطء تربع في منصة المجلس ومن فوقه صور أبنائه الشهداء وعن يمينه وشماله بعض أولاده الصغار وأحفاده الأصغر وبعض نساء هذه الأسرة البالغ قوامها 32 فرداً.
وبعد أن عزيناه بالكلام طلبنا منه أن يحكي لنا بعض ما خلده أبناؤه وما يسيل بين سطورها من كلمات لا تلبس الحبر ثوباً ولا تتخذ الورق مسكنا فتحدث قائلاً: ما أن بدأ العدوان قلت لأولادي هذا عدوان غاشم يسعى للخراب ويهتك العرض لابد أن تتحركوا وتلبوا نداء الوطن.
وتابع قائلا: فتحرك خمسة من أبنائي إلى جبهات العزة وبعد أيام تلقيت خبر استشهاد ثلاثة منهم سالم وعبدالغني وهادي والرابع والخامس جريحان واحد منهم أصيب بطلقة في الصدر والآخر إصابته بالغة في ساقه، فالحمد لله الذي اختار أولادي شهداء وعندنا القوة والمناعة ولا يهمنا أن نضحي بالبقية منهم في سبيل الدفاع عن والوطن والعرض ونعلم أنه من قضى وهو يدافع عن وطنه وشرفه فهو شهيد والشهيد حي عند الله يرزق.
لا تسعها الكلمات
أما نساء أسرة الجهمي فيسطرن أروع صور الثبات لا يختلف عن ثبات أزواجهن أمام الأعداء فلسان حالهن ينطق قائلاً إن النواة التي لا تحتمل برد الشتاء لا تقوى على شق الأرض ولن تفرح بجمال نيسان.
أما الأطفال فقد قالوا لنا إن آباءهم وإخوانهم الشهداء قد تركوا لهم كنزاً ثميناً يبعث القوة من الضعف والعزة بدلاً من الخنوع.. مؤكدين أنهم ماضون على المسار الذي رسمه لهم إخوانهم وآباؤهم ولن يرضوا بدونه بديلاً.
معنويات عالية
أما والدة الشهيدين أحمد ومحمد علي محمد الموشكي التي التقيناها في رحاب الذكرى السنوية للشهيد تحدثت إلينا وهي ممسكة بمنديل أبيض تمسح به صور ولديها الشهيدين قائلة إن ولديّ كانا يعتبران نيل الشهادة أسمى درجات الخلود فداءً لكل ذرة تراب من أرض الوطن الطاهرة، وتتابع قابلت نبأ استشهادهما بالزغاريد ولا أخفيكم أن كل دمعة ذرفتها على رحيلهما هي وسام على كل شهيد ورصاصة قاتلة على كل الغزاة والمعتدين والمرتزقة العابثين بأمن الوطن وسلمه الاجتماعيين.
وأضافت أم الشهيدين: سنظل أبداً ما حيينا نفتخر بكل الشهداء الذين قدموا أرواحهم لكي نبقى أعزاء شامخين، وإن ذهبوا عن أعيننا لن تذهب قضية الوطن وعشق الأرض فإذا ذهب الوطن سنذهب جميعاً، فهنيئاً لهم الشهادة وصدق الله القائل (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ).
على الدرب ماضون
ما من شاب التقيناه من أهالي وذوي الشهداء إلا وقال لنا كلنا مشاريع شهادة وهو ما أكده لنا خالد علي الغزي اخو الشهيد محمد حين قال: منذ أبصرت أعيننا النور وضعنا على صدورنا وسام الشهادة أو النصر وما نقدمه اليوم من قوافل الشهداء دفاعاً عن حياض الوطن خير دليل وأخي الذي ارتقى إلى الله شهيداً يأتي انسجاماً مع قدسية وسام الشهادة.
وتابع قائلا: نؤكد أننا على خطى الشهيد ماضون وسنصون دماء الشهداء الطاهرة الزكية بمتابعة المسيرة ملتحقين بركبهم فكلنا مشاريع شهادة وبها ومن خلالها سيحقق الله النصر وسيعود الوطن أقوى مما هو عليه مهما أوغل العدوان ومرتزقته في الإجرام بحق اليمن أرضاً وشعباً ومقدرات.
ثقافة وطنية
الأخ محمد العومري -مدير عام مكتب الثقافة بمحافظة ذمار- قال: إن إحياء أسبوع الشهيد يأتي والوطن يشهد عدواناً غاشماً يحاول تجريدنا من ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا كونه يمتلك مقومات الطغيان والفساد في الأرض ومع ذلك لن يغير من الأمر شيئاً بفضل صمود وثبات وتضحية أبناء شعبنا العظيم، وما الفعاليات والأنشطة التي تقام على مدى أسبوع إلا تقديراً لكل الشهداء الأبطال الذين افشلوا مخططات العدو ورهاناته، فالشهادة التي يتسلح بها هؤلاء العظماء كانت ولازالت وستستمر تقارع الطغيان وأذنابه وهي السلاح الأمضى في وجه الترسانة العسكرية والمال الذي يشتري به العدوان شُذاذ الآفاق، ولا تستطيع قرقعة السلاح وامتلاك الأموال الوقوف أمام ثقافة الشهادة فالتشرب بحب الوطن وترابه الطاهر هو السلاح المتفوق في توجيه المعارك وكسبها.
ويتابع العومري قائلاً: ولعل ما يسطره أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف جبهات القتال خير دليل، فما كانت لتأتي تلك الانتصارات رغم اختلاف ميزان القوة لصالح العدو لولا ثقافة الشهادة التي يتسلح بها هؤلاء الأبطال وهي ثقافة وطنية بامتياز نراها أكثر عمقاً من أي وقتٍ مضى، وما يؤكد ذلك تسابق الرجال الأشاوس لأخذ مكان الصدارة في جبهات العزة والكرامة.
ومهما بلغت التضحيات سيتغلب الوطن على كل المؤامرات والنصر آتٍ لا محالة بفضل صمود الشعب اليمني وتضحيات أبنائه الذين يسقون التراب الطاهرة بدمائهم الشريفة، فهنيئاً لكل شهيد وتحية إجلال لكل أسرة شهيد قدمت أغلى ما لديها في سبيل أن يحيا الوطن.
احتراماً لهم
الأخ عبدالملك المروني -مسؤول مؤسسة الشهداء في محافظة ذمار- أكد أنه مهما قدمنا للشهداء لا يمكن أن نفيهم حقهم وقدرهم لأنهم قدموا حياتهم عربوناً لأمننا واستقرارنا وعزتنا وكرامتنا لذلك فهم يحظون بمكانة عظيمة في القلوب والوجدان وتقديراً ووفاءً وعرفاناً لهم أنشئت مؤسسة الشهداء لتقوم بحزمة من العطاءات في مجالات الحياة الصحية والمعيشية والتعليمية والإنسانية والاجتماعية لأسر الشهداء، فإلى جانب مراسيم استقبال الشهداء ومراسيم التشييع يتم اعتماد راتب شهري لكل شهيد يستلمه أهل الشهيد من قبل المؤسسة الأمنية والعسكرية كما يتم منح أسر الشهداء مقاعد مجانية في التعليم الجامعي وإعفاؤهم من رسوم التعليم الأساسي والثانوي كما يحصل أفراد أسرة الشهيد على خدمات صحية مجانية وبعضها يخضع لتخفيضات بنسب معينة.. إضافة إلى ذلك قامت مؤسسة الشهداء بالتنسيق مع المؤسسات العامة لتسهيل متطلبات أسر الشهداء ذات الطابع الإداري للحصول على الخدمات المقدمة بسرعة وسهولة، كما تقوم المؤسسة بزيارة أسر الشهداء بشكل دوري وتقديم الهدايا الرمزية لهم والاطمئنان عليهم.
وأضاف المروني: وخلال الذكرى السنوية للشهيد تمت إقامة الكثير من الفعاليات والأنشطة كالندوات والمحاضرات ومعارض الصور والزيارات الميدانية لرياض الشهداء وأسرهم في مختلف القرى والعزل والمديريات، وتسعى مؤسسة الشهداء لتلمس هموم أسر الشهداء وذويهم وإعداد البرامج وآلية العمل للقيام بها في ضوء القدرات والإمكانيات والعمل على تطويرها، على اعتبار أن تاريخ تأسيس المؤسسة حديث ومع قادم الأيام ستكون المخرجات كبيرة بلا شك بفضل تضافر الجهود وعظمة مكانة الشهيد.
باختصار
نجد سمفونية الوطن تعزف بأنامل كل أبنائه منهم من غنى أغنية الخلود ومنهم من ينتظر والعيون كلها ترنو إلى عزة اليمن وكرامة أبنائه الصامد الأبي فالشهادة ستبقى ثقافة وطينة خالدة لا تستطيع قوى العدوان إطفاء جذوتها مهما أمعنت في إجرامها وضلالتها وتضليلها.. وباختصار ستبقى أبجدية الشهادة أسمى الأبجديات في الماضي والحاضر والمستقبل.