اليمن وآل سعود من سرية حزام إلى تحالف الحزم
عباس الديلمي
إذا ما كانت مملكة بني سعود الأولى (1744-1818م) قد ودعت القرن الثامن عشر الميلادي بعدوانها على الأراضي اليمنية بحملة حزام العجماني، فإنها قد استهلت القرن التاسع عشر بأكثر من اعتداء خاصة في الأعوام 1805- 1818م أي إلى حين سقوطها على يد إبراهيم باشا كما أسلفنا.
إذا ما كان ذلك هو شان دولتهم الأولى، فإن دولة بني سعود الثانية (1824- 1819م) قد انشغلت بمشاكلها داخل الأسرة الحاكمة ، وهذا ما جعل إيذاءها نحو جيرانها يخف نسبياً، ولكن مملكة بني سعود الثالثة ما إن أطلت بقرونها بقيادة عبدالعزيز عبدالرحمن، ودعم بريطاني وغير بريطاني في العام 1902م حتى استهلت القرن العشرين بتوجيه عدوانيتها نحو اليمن، وتنفيذ أطماعها التوسعية في أراضيه.
فبعد أن عرفت في نشأتها الأولى بأمارة الرياض 1902م صار أسمها بعد استكمال سيطرتها على نجد عام 1912م سلطنة نجد، ثم دفع بها البريطانيون ليشتد عودها وتلتهم ما حولها من إمارات، وتعلن تسميتها الجديدة (المملكة العربية السعودية) نسبة إلى المؤسس الأول محمد بن سعود وطمسا لأسماء مثل نجد والحجاز وحائل والأحساء والقطيف.
كان ذلك في العام 1932م أي في القرن العشرين الذي استهلته بعدوانيتها الشرسة على اليمن ، ففي العام 1340 هـ 1921م أقدم بنو سعود على أبشع جريمة إنسانية لم يرتكبها كيان دموي عبر التاريخ، ولا حتى الكيان الصهيوني في مجزرتي دير ياسين وكفر قاسم، حيث أصدرت السلطة السعودية لقتلتها النجديين أمراً بالتقطع لفوج الحجيج اليمني وإبادته عن بكرة أبيه، وهذا ما تم تنفيذه في منطقة تنومه التي سميت المجزرة باسمها، وقد قتل ثلاثة آلاف حاج يمني ولم ينج سوى من كان لديه سلاح للدفاع عن نفسه وهم نفر قليل.
بعد هذه المجزرة المتناهية البشاعة والانحطاط القيمي والأخلاقي والديني لم تمر سوى اثنتي عشرة سنة حتى شّن النظام السعودي حربه العدوانية المخلدة في سجل جرائمه ونزعته التوسعية، وهي حرب 1934م.. فقد استغل بنو سعود حالة الإرباك التي تعيشها اليمن – حينذاك – بعد خروج العثمانيين مدحورين بعد مقاومة طويلة، ومشاكل الإمام يحيى مع الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، وسعي الإدريسي لإنشاء مملكة أو كيان له في المخلاف السليماني اليمني بتذبذبه بين التبعية لبريطانيا حيناً ولإيطاليا حيناً ولبني سعود حيناً آخر، فاستغل بنو سعود الدعم البريطاني والترسانة العسكرية التي زودهم بها ، وشنوا حرب 1934م التي تمكنوا خلالها من اقتطاع عسير وجيزان ونجران والوصول إلى مدينة الحديدة.
وهي الحرب التي انتهت باتفاقية أو معاهدة الطائف وخروج جيش الغزو السعودي من سواحل تهامة اليمن (الحديدة ميدي) تخوفاً من تورطه في مقاومة يمنية احترق بشررها الأولى.. وهذا ما نصحهم به البريطانيون .. على أن يظل موضوع (المخلاف السليماني) رهن معاهدة الطائف التي تجدد أو تلغي بعد عشرين سنة.
نختم الحديث عن هذا العدوان بالقول: إذا ما كان بنو سعود قد مهدوا لهذه الحرب بأبشع جريمة قتل جماعي في التاريخ الحديث (مجزرة تنومه) فإنهم قد ختموها بجريمة مخالفة للأعراف الدبلوماسية وهي احتجاز رئيس الوفد اليمني المفاوض في معاهدة الطائف عبدالله أحمد الوزير، حتى يسلم لهم الإمام يحيى حميد الدين الإدريسي وأسرته، وهو ما لجأ إلى الإمام يحيى بعد أن غدر به عبدالعزيز بن سعود وتنكر لعمالته ، وهذه الجريمة تشير إلى أن دولة الإمارات عندما أقدمت على احتجاز السفير اليمني لديها أحمد علي عبدالله صالح ، قد أقدمت على ممارسة سابقة لأعراب نجد الذين لا يعرفون قيماً ولا أعرافاً.