>هل سنرى ضوءاً في النفق قريبا؟
> مستوى اليمن في اختبار دولي للصف الرابع أقل من الأداء المتدني عالمياً !
> الدور التقليدي للمدرسة فشل حتى في تعليم الطالب إجادة القراءة والكتابة والحساب !
> المنهج طلاسم وغياب للجانب التطبيقي في المواد العلمية وحشو وحفظ في المواد الأدبية
> تدخلات سياسية واجتماعية سلبية وغياب سياسة تربوية واضحة وضعف التخطيط وغياب الرقابة وراء ضعف التعليم
تحقيق/ سارة الصعفاني
يكتسب التعليم أهميته من أهمية الوطن نفسه حاضرًا ومستقبلاً، لكن واقع التعليم العام في وطننا بائس ومتعثر إذ يقضي الطالب 12 عامًا من عمره في المدرسة فيما المخرجات بائسة، ليصل الدور التقليدي للمدرسة درجة الفشل في تعليم نسبة كبيرة من الطلاب إجادة القراءة والكتابة والحساب، ما يؤكد وجود خلل كبير في المنظومة التعليمية يجب تداركه قبل فوات الأوان من خلال الاستفادة من نتائج الأبحاث التربوية التي تهتم بدراسة النظم والممارسات التعليمية والتعرف على خبرات الدول وتجاربها في مجال التعليم.
\ومؤشرات تدني التعليم في بلادنا أعمق من مناقشتها في مادة صحفية ، ولأن التعليم يعتمد في الأساس على المنهج والمعلم فإن اختلالهما أو أحدهما سبب جوهري في تردي نوعية المخرجات.
ولمعرفة مستوى التعليم شاركت اليمن في اختبار دولي للرياضيات والعلوم للصف الرابع الأساسي في دورة 2003م بعدد 4205 طالباً وطالبة من 150 مدرسة وكانت النتيجة مستوى أقل من مستوى الأداء المتدني عالمياً . فكيف يكون حالنا لو أن الاختبار للصف الثالث الثانوي؟ وكيف مستوى زملائهم أصحاب التحصيل الأدنى على اعتبار أن المشاركين تم اختيارهم من التلاميذ المتفوقين ؟!
* وباستطلاع رأي طلاب المدارس لمعرفة رأيهم في المناهج والمعلم والصعوبات التي يواجهونها كانت هذه الحصيلة التي اختزلتها من ردودهم :
* المقررات ” طلاسم ” وتعتمد على الحفظ ولم ندرس كل وحدات الكتب في السنوات الماضية لنجدها في مقررات لاحقة فلا يكون لنا خلفية عنها، ومسائل تعتمد في الحل على دروس سنأخذها في صفوف متقدمة.
* يشرح المعلم في درس الرياضيات والفيزياء أبسط المسائل وفي الكتاب شرح مختصر لمسألتين، فيما تقويم الدرس والوحدة وكتاب الملحق يحتوي مسائل كثيرة ومعقدة مختلفة تمامًا، حتى المعلم لا يعرف حل كثير منها !.
* في المواد العلمية نأخذ من المعلم خلاصة التجربة دون تنفيذها، ومن المشاكل أن السبورة بعيدة لا يرى كثيرٌ منا ما يكتبه المعلم أثناء الشرح وأقلام منتهية فكيف لنا أن نستوعب حل المسائل، كما أن بعض المعلمين يرفضون الرد على تساؤلاتنا ولسان حالهم” يكفي أن يفهمنا الأذكياء ! “.
* معلومات نجدها في كتاب وتختفي في آخر للمقرر ذاته بسبب تغييرات هامشية نعتمد في معرفتها على تاريخ إصدار الطبعة فقط بعد أن نخطئ في امتحان ما. وهناك تفاوت في مستوى أداء المعلمين بين معلم متميز وآخر لا نفهم منه شيئاً خاصة في المواد العلمية، وحين نشتكي لمدير المدرسة وحتى للموجهين لا يتغير شيء، ومعلم في عام يدرسنا فيزياء وفي عام آخر أحياء ! نريد منهجاً واضحاً مختصرا وكتباً جديدة وتخفيفاً للفرض المدرسي حتى نجد وقتاً كافياً للمذاكرة ..
* وهنا يجدر التذكير بما خلص إليه باحثون يمنيون من أن مناهج التعليم العام تعاني من كثافة في المواد الأدبية وحشو لتفاصيل ليست مهمة وغموضاً في محتوى المواد العلمية وغياباً للتخصص كما في بلدان العالم علاوة على محدودية الاهتمام بحضارة وتاريخ الوطن، ومضامين غير مناسبة لمستوى نمو المتعلمين، ومعلومات قديمة غير مواكبة لتطور العلم، ودروس مكررة، وتجارب علمية بدون معامل ومسائل كثيرة ومعقدة فيما الدرس لم يتناول بالحل سوى مسائل محدودة ، وأخطاء علمية وإملائية ولغوية ومطبعية كثيرة حتى أنه يمكن القول إن التعليم في السبعينيات من القرن الماضي كان أفضل منه في الثمانينيات والتسعينيات وحتى الآن.
معلمون بلا مؤهلات
وتؤكد موجهة تربوية خبرتها 18 عامًا رفضت ذكر اسمها أن غالبية معلمي الصفوف (1-6) لا يحملون حتى الشهادة الثانوية ويتم اختيار المعلمين الأدنى مؤهلاً ومهارة، ومن مدراء المدارس من لا يجيد القراءة والكتابة، وأن نسب النجاح في الامتحانات الوزارية لا تعكس مستوى الطلاب الحقيقي حيث يتم رفع درجاتهم بشكل تلقائي منذ سنين، وخلال 12 عامًا لم يلتزم كثير من المعلمين بالمقرر وينتشر الغش بمساعدة المعلمين، داعية وزارة التربية والتعليم للتعامل مع تقارير الموجهين باهتمام ومسؤولية وتأهيل المعلمين واستبعاد من لا علاقة لهم بالتعليم ومعرفة مؤهلات مدراء المدارس وكفاءتهم وقدرتهم على إدارة شؤون المدرسة وتطوير مناهج العام 2001م التي ما تزال تجريبية بما يتناسب مع واقع التعليم بلا مماطلة كما هو حاصل من تطوير لبعض مواد الصفوف (6-1) ابتدائي منذ عام 2003م ولم ينتهِ بعد.
واستدركت هذه الموجهة بأن المنهج قيم وشامل كمضامين بشرط عدم إهمال الجانب التطبيقي، وانتقاء المعلم الكفؤ ، وعدم تجاهل حقيقة عبثية تنفيذ أسلوب التفاعل واستنباط المعلومة في فصول مزدحمة .
المسؤولية أكبر من قدرتنا
* وترى مُدرسة الأحياء هدى سعد أن سبب تدني مخرجات التعليم العام غياب الدرس التطبيقي ما يؤثر في مستوى استيعاب الدرس النظري، فالمعامل بلا مواد كيميائية منذ سنين وصعوبة الشرح لـ 100 طالب متفاوتين في القدرات العقلية وضيق زمن الحصص وإهمال الطالب لدروسه والتنقل في الصفوف دونما استيعاب للمقررات السابقة وتشتت المعلم في تدريس أكثر من مقرر وعدة شُعَب في حين أن المنهج مكثف وكثير التساؤلات ويعتمد على قدرة المعلم في الشرح كلها عناصر إضعاف للعملية التعليمية،مؤكدة أن المنهج القديم واضح ويعتمد على المعلومات مما ساعد المعلم في تأدية مهمته ورفع مستوى التعليم.
تدخلات حزبية
* من جهته يرجع أستاذ اللغة الإنجليزية عبدالجبار المساوى سبب تردي نوعية التعليم إلى تدخل السياسة في إصدار قرارات وزارة التربية والتعليم حيث أنه في مرحلة شراكة حزبية في بداية التسعينيات تم توظيف كل من يريد التدريس ومنحه شهادة تعادل شهادة الثانوية ومباشرة تم اعتمادهم معلمين! وفي مرحلة الشراكة الثانية تم اختيار مدراء ووكلاء مدارس بدوافع حزبية بحتة بعيدًا عن مؤهلات وشروط التعيين، وجميع وزراء التربية والتعليم سياسيون بدرجة دكتوراه في تخصصات أخرى باستثناء وزير .
أرقام مخيفة تكشف واقع التعليم
* وفي دراسة عن” مشكلات التعليم العام في الوطن العربي/ اليمن أنموذجًا ” فإن غالبية مدراء المدارس ذو تأهيل ثانوي وأقل يمارسون عملهم الإداري مثل توزيع رواتب المعلمين وعمل جداول حصص أو عمل الخدمات مثل فتح المدرسة وضرب الجرس معتمدين على الخبرة والفطرة “، وفي احصائية لعام 2005م تبيّن وجود 969 بين حيد ،عشة، صندقة ، وجرف تعد مباني مدرسية، 27801 معلم لا يحملون مؤهلات تربوية، 5306 مدرسة مبانيها مشتركة، 1690 مدرسة بدوام فترتين فأكثر ، و3479 مدرسة بدون مدير للمدرسة ما يعني خللا في السياسة التعليمية وإشكالات اجتماعية غير محدودة .
نتائج تؤكدها المقدمات
* من جهته يرى . سعيد عبده مقبل- باحث في المناهج وطرائق التدريس أن تدني مستوى مخرجات التعليم العام نتيجة حتمية لمؤشرات كثيرة واختلالات عميقة ومتشابكة في المنظومة التعليمية منها قبول منتسبين لكليات التربية من ذوي المعدلات المتدنية، قصور برامج إعداد المعلمين في كليات التربية في إكساب المعلم الكفايات التدريسية والتخصصية اللازمة، وتعد هذه الكليات المعلم بصورة منقطعة عن المدرسة والمناهج، وهناك ضعف في البرامج التدريبية للمعلمين في المعاهد وغياب تأهيل المعلمين من حاملي الشهادة الثانوية فأقل وعددهم أكثر من خمسة وسبعين ألف معلم ومعلمة، عدم رغبة المعلم في تطوير نفسه علمياً ومهنياً وثقافياً، غياب معايير اختيار المعلمين وغياب تدريبهم وتقييم أدائهم قبل ممارسة عملية التدريس في المدرسة، عملية تطوير المناهج الدراسية لم تسبقها دراسات علمية، وجود أزمة اقتصادية وتدني المستوى التعليمي لغالبية الأسر، انتشار الأمية الأبجدية في صفوف الأمهات، الغش، ضعف الاهتمام بتعليم الأطفال في مرحلة مبكرة، التدخلات السياسية والاجتماعية السلبية في التعليم، ضعف الاعتماد على البحث التربوي في اتخاذ القرارات، غياب سياسة تربوية واضحة لقطاع التعليم والتدريب، ضعف التنسيق بعد تشكيل 3 وزارات للتعليم، غياب دور المجلس الأعلى لتخطيط التعليم وغياب السياسات الواضحة وضعف التخطيط في مجال التعليم.
تطوير المناهج اختصاصنا
* ولمعرفة دور مركز البحوث والتطوير التربوي يقول نائب رئيس المركز د. إبراهيم الحوثي: المركز معني بتطوير المناهج ومساعدة وزارة التربية والتعليم في حل مشكلات التعليم على أساس من البحث العلمي لكن الوزارة سلبت منا اختصاص تطوير المناهج دون سند قانوني، ومنذ سنين يناضل المركز لاستعادته، ومن مهامنا جمع مقترحات قطاعات الوزارة من عناوين الأبحاث التي تراها ضرورية والعمل على جدولتها لتختار الوزارة ويقوم المركز بالتنفيذ، والمشاركة في وضع وتطوير جميع الاستراتيجيات القطاعية للوزارة .
وعن مدى اهتمام وزارة التربية والتعليم بالدراسات والبحوث التربوية ودور المركز في تأهيل المعلم يقول د. الحوثي : الوزارة تأخذ إلى حد ما بنتائج بحوث المركز في تصميم وتطوير البرامج والمشاريع ويشارك الباحثون بخبرتهم في مختلف اللجان الفنية وفي تطوير برامج تدريب المعلمين.
تحدي الطالب
* ولقد نقلنا مشكلة صعوبة المناهج ودور وزارة التربية والتعليم في اختيار وتقييم أداء المعلم إلى د. محمد السقاف وكيل الوزارة لقطاع التوجيه والمناهج الذي كان منصفًا في كلامه حيث يقول: يوجد ارتباط للدرس بمعلومات وردت في دروس لصفوف سابقة؛ لأن المنهج مترابط لكن المشكلة مركبة من تقصير المعلم في الشرح وإهمال الطالب مذاكرة الدروس وتعقيدات في المقرر، فالمؤلف يعتمد على المعلم في الشرح ويعتقد عندما يختصر الحل في مسائل الرياضيات مثلاً أن الطالب يتذكر القوانين ويعرف الخطوات الأساسية لكنه لا يدرك واقع التعليم وكيف يتم التنقل في الصفوف الدراسية دون استيعاب لجميع دروس المقرر.
مضيفًا: المنهج يضع الطالب في قلق وحيرة وضياع وقت وجهد في التفكير في حل مسائل كثيرة معقدة لم تشرح، بالطبع ينبغي أن يبحث الطالب عن العلم بنفسه لكنه أسلوب لا يتناسب مع واقعنا التعليمي خاصة في الريف، في ظروفنا ما تزال الخيمة والكهف والصندقة مدرسة في بعض الأماكن؛ يجب أن يُعاد النظر في مشكلة صعوبة المناهج؛ لأن الغاية تقديم مادة علمية ثرية بالمعلومات وليس تحدي الطالب.
المناهج وتدني التحصيل العلمي
ويتابع د. السقاف حديثه: نحن بصدد تقييم المنهج لأن تدني مستوى التحصيل العلمي سببه صعوبة المناهج ولم تتغير منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وتحدث تغييرات من حين لآخر لكنها لا تتعدى تعديل أخطاء مطبعية ولغوية وتغيير مفردات ومفاهيم وتصويب أخطاء علمية وتغيير نصف وحدة وتعديل بسيط في الحديث والشرح وتقليل من محتوى وزيادة محتوى آخر فيما التطوير لا يتعدى الصفوف الأولى ولم ينتهِ بعد؛ لأنه يستغرق مدة زمنية طويلة، وكلفة مادية كبيرة، وتأني في اختيار المؤلف وفق شروط ومواصفات معينة، ونخطط في المستقبل أن تبتعد المناهج عن الحزبية والتوظيف الديني للمفاهيم ويجب تناول المضامين كما ينبغي دونما تكديس لآراء وأفكار معينة .
كليات التربية وتقارير الموجهين
* انتشار لكليات التربية وقبول أدنى معدل في الثانوية فيما يوجد نقص في عدد المدرسين والآلاف من المعلمين بدون مؤهل ؛ فما دور وزارة التربية والتعليم في حل هذه الإشكاليات، يقول د. السقاف : هناك تشبع كبير في مخرجات كلية التربية وافتتاح كليات التربية ليس نابع من تخطيط علمي ومدروس ومعرفة احتياجات المجتمع، في عمران فقط يتخرج سنوياً ألف معلم، وفي كلية التربية تخصص فرعي وتخصص رئيسي فلا مانع أن مدرس الرياضيات يدرس مادة فيزياء ومن لا يجيد التدريس أو يريد التهرب يتم تعيينه أخصائيا اجتماعيا دونما اهتمام بالتخصص، والمعلم بحاجة لدورات تدريبية تطويرية وتنفيذ مبدأ الثواب والعقاب وتكافؤ الفرص وإنصافه في الراتب كما أنه توجد فجوة كبيرة بين العلم النظري والتطبيق العملي نتيجة ضعف الميزانية وكثافة المقرر ما يصعب عليه تأدية مهمته ويحد من مستوى كفاءته، وتقارير تقييم الموجهين للمعلمين ما تزال ضعيفة ولا تعطي معلومات ومؤشرات حقيقية، ومن الموجهين من خضع لمعايير حزبية وعلاقات شخصية، وقد أوقفنا كل قرارات التوجيه حتى دراسة الاحتياج الفعلي من الموجهين وتنفيذ معيار الأفضلية حيث التوجيه أصبح مهنة للتستر.
ختامًا : أول خطوة في حل المشكلة الاعتراف بها، ومعالجة اختلالات منظومة التعليم تبدأ بتطوير المناهج التي لا تتناسب مع البيئة التعليمية للبلد، والتفاعل بإيجابية مع توصيات الباحثين والموجهين التربويين كأساس لتحسين مخرجات التعليم، كما أن مشكلة التعليم لا تنحصر في العاصمة؛ هناك ستة عشر ألف مدرسة على امتداد الوطن ليست جميعها مدارس لا من حيث المبنى ولا حتى المعنى – وتعلم وزارة التربية والتعليم ذلك جيدًا – ما يمثل إشكالية أخلاقية وتعليمية واجتماعية .