تبدو النظرة إلى السمنة مختلفة بعض الشيء في مجتمعنا؛ فكثير ما يُنظر إليها بعين الإعجاب باعتبارها راحة ما بعدها راحة، ونعمة يُحسد عليها البدين، وهذا- بلا شك- ضرب من سوء التقدير أو الجهل بحقيقة أضرارها على الصحة؛ يَستحث فينا إسداء النصح والإرشاد لمن يعانون السمنة؛ للعمل على إنقاص أوزانهم فيصيروا إلى أوزان ملائمة لصحتهم؛ وكذا لتجنبهم أمراض خطيرة تترتب على بقاءهم بدينين.
وهكذا أجد في صيام شهر رمضان فرصة حقيقية لإنقاص الوزن والتخلص من الدهون بشكلٍ صحي؛ شريطة أن تتم الاستفادة القصوى منه؛ لما فيه من امتناع ومراس على التخلي عن الطعام والشراب لساعات طويلة تمتد لتشمل فترة النهار كاملة، لكنه لا يستقيم ولا يكون مجدياً للسمين إلا إذا اتبع نمطاً غذائياً سليماً تقل فيه السعرات الحرارية، لا أن يكون كالبعض ممن يغادرهم شهر رمضان وقد ازدادت أوزانهم؛ بدلاً من الإبقاء عليها ضمن المستوى الطبيعي.
لا ينبغي- إذن- مع الصيام الأخذ بمسألة التعويض ليلاً؛ فينكب السمين مفرطاً علي تناول المأكولات الغنية بالبروتين والدهون والأطعمة النشوية والحلويات الرمضانية، فبهذه الحصيلة الغذائية يضاف إلى جسده المزيد من التراكمات الدهنية التي- بدرها- تضيف المزيد من الوزن.
ويؤكد الدكتور أحمد عبدالقادر الكمال اختصاصي صحة عامة على إن السمنة المفرطة وازدياد تراكم الشحوم في البدن تشكل خطراً حقيقياً على الإنسان يبقيه عرضة لعللٍ سيئة للغاية: كتصلب الشرايين، ارتفاع الضغط الدموي، تشمع الكبد، داء السكري، أمراض القلب العضوية، إلى جانب النزيف الدماغي وغيرها من الأمراض الخطيرة.
وللبدانة أسباب؛ أهمها تضخم المدخول الغذائي بنسبة تزيد على المجهود العملي الذي يقوم به الشخص، وهي مرتبطة بعوائد التغذية التي اعتاد عليها الشخص منذ صباه.
ويعتبر الصيام وسيلة مجدية فعالة في إذابة الشحوم في البدن واعتدال استقلاب الأغذية فيه، وبمشاركة الجوع للعلاجات الفيزيائية كالمشي، التمارين الرياضية والتدليك؛ فإن هذا لا شك يُعطيه أفضل النتائج، وليست هذه الوسائل مؤذية حتى تفضي إلى نتائج وخيمة؛ كالحال عند استعمال الهرمونات والمدرات ومثبطات الشهية التي يهرع إليها البدينون بغية إنقاص وزنهم.
كما إن الامتناع عن الطعام بصيام النهار وزيادة النشاط والحركة أثناء الليل مع أداء صلاة التراويح والقيام؛عوامل مؤثرة تساعد في خفض الوزن بزيادة معدل استقلاب الغذاء بعد وجبة السحور، وتحريك الدهن المختزن لأكسدته من أجل إنتاج الطاقة اللازمة بعد منتصف الليل، لكن الأمر يتطلب إبداء التزام دائم ومتواصل بتناول أطعمة خفيفة ومتوازنة خلال وجبتي الفطور والسحور يقرها الطبيب أو المختص بالتغذية؛ كالقليلٍ من التمر، الزبادي، الحقين، الشفوت، الخبز الأسمر الجاف، السلطة، الخضراوات الطازجة، الفاكهة وشيء من العصير الطبيعي الطازج .
وبالمقابل، يستوجب الامتناع عن تناول الأكلات الدهنية الدسمة والأطعمة الغنية بالبروتينات؛ مثل اللحوم الحمراء، وعوضاً عنها يمكن تناول اللحوم البيضاء كالسمك، مع التقليل كثيراً من النشويات، وتجنب تناول الحلويات والسكريات والشوكولاتة بأنواعها المختلفة ومختلف المشروبات التي يضاف إليها السكر.
تشير المصادر الطبية إلى أن(95%) من حالات السمنة سببها الإفراط في تناول الطعام والعادات الغذائية الخاطئة وقلة النشاط والحركة وعدم ممارسة الرياضة.
في حين يمكن نشؤها نتيجة عوامل داخلية في الجسم؛ كزيادة إفراز الغدة الكظرية وقلة نشاط الغدة الدرقية.
كذلك العوامل الوراثية من شأنها أن تؤدي إلى السمنة بما في ذلك الأعراض النفسية.
أضف إلى أن تناول بعض الأدوية؛ مثل عقار(الهيدروكورتيزون)وكثير من الأدوية الهرمونية يندرج ضمن هذه العوامل.
ولا نجد ما يبعث على الغرابة عندما يسأل الطبيب عن سبب السمنة من أجل أن يضع العلاج الملائم بمتطلباته من تغذية ونشاط، ونجده مستلهماً ذلك بوقوفه على ظروف ودواعي حدوثها.
وليست الدهون في الجسم- بحد ذاتها- مشكلة إلا إذا تجاوزت النسبة الملائمة فيه لتلحق ضرراً بالصحة أو عائقاً يزيد معه الوزن، فعند متوسطي العمر- سواءً من الرجال أو النساء- تشكل الدهون حوالي(26%) إلى(42%) من أوزانهم، لكن الإنسان- أحياناً- يمر بفترات في حياته تتزايد خلالها الكميات التي يتناولها من الطعام، ويقل- بالمقابل- الجهد المبذول، ويقل التحكم بالشهية.
غير أنه لا يُعد مبرراً للعدول عن التخلص من السمنة عبر تخفيف الوزن إلى المستوى الملائم لجسم الإنسان؛ بما يترتب عليه من ضرورة للحفاظ على الصحة.
قد يعجبك ايضا