اخصائيون الشك حالو مرضية تبدأ بتصورات وتنتهي بأفعال مدمرة
تحقيق/ أسماء حيدر البزاز –
علماء: صورة من صور الظلم والايذاء والبهتان التي حرمها الاسلام
كانت بداية زوجية رائعة يملؤها الثقة والحب والرضا المتبادل بين الطرفين كيف استحل هذا الحرم الزوجي بتلك التصورات والشكوك والظنون القاتلة لأسمى علاقة وأربط ثقة على وجه الوجود.. بالله كيف تغدو نظراتهما ظنوناٍ وحديثهما مبني على ضياع الثقة وغياب أحدهما يجر وراءه بحراٍ من الأسئلة والاتهامات المتبادلة فلا ثقة ولا إيقان ولا مصداقية هكذا يرى كل منهما الآخر والنتيجة محتومة بالانفصال والتفكك الأسري وتداعيات ذلك وخطورته المستقبلية على الأبناء ودمار مفهوم الأسرة المحافظة على القيم والمبادئ الدينية..
الشك وأسبابه وتداعياته نناقشها في هذا التحقيق من خلال قصص واقعية وآراء المخطئين ووجهة نظر العلماء والدعاة إزاء هذه المعضلة المجتمعية الخطيرة.
طلاق بسبب الشك!!
لا أدري ما هو الذنب الذي اقترفته حتى يعاملني هذه المعاملة فهو يخونني على الدوام ويسألني ألف سؤال في اليوم.. أين ذهبت في الصباح¿ ومع من كنت تتحدثين في الهاتف¿ وماذا قالت لك فلانة¿ ولماذا عملت هكذا¿ وعندما أخبره بالحقيقة لا يصدقني بل يفسر الأمور على ما يدور في نفسه ظلما وبهتانا ويشهد الله أني مخلصة وصادقة معه ولكني لا أجد أي وصف لحالته سوى أنه إنسان مريض بكل ما تعنيه الكلمة !!
هكذا استهلت حديثها لياء عن واقعها الأسري موضحة : مرات كثيرة أغضب وأذهب إلى بيت أهلي جراء شكوكه وظنونه السيئة والباطلة فيأتي ليرجعني ويعتذر ويحلف أنه لن يكررها ثانية ولكن ما إن أعود حتى يعود على طبيعته وقد رمى اليمين علي عدة مرات لا أدري هل هو بعقله عندما يتهمني ويظلمني أو إنه إنسان مريض بالشك ¿¿
تحقيقات ليلية
أما مصطفى – موظف فهو يرد الأمر إلى زوجته قائلا : لظروف عملي أتغيب لساعات طويلة عن البيت ولكن هذا الأمر وقعه مختلف عند زوجتي فعندما وسوست لها إحدى صديقاتها بأن تأخري وسفري من أجل الوظيفة لأيام قد يكون وراءه زواجي بامرأة أخرى ولهذا فهي تشتكي بي وتتهمني بأني مقصر في حقها وفي تربية الأولاد وتراقب أرقام هاتفي وإذا اتصلت بي إحدى زميلات العمل تقوم قيامتها وتنهال علي بالأسئلة من هذه ¿ كيف شكلها وبنت من ¿ وماذا تريد وتجري معي تحقيقاٍ موسعاٍ عنها حتى لم يعد الكلام بيننا سوى اتهامات منها وتبريرات مني وصرت أكره العودة إلى المنزل الذي أصبح في نظري جحيما حتى أنني من كثرة شكوكها أفكر أن أتزوج وأرتاح منها.
تحريض من الأم
طلقني – لا سامحه الله – بعد عشرين عاماٍ من زواجنا هذا الرجل عديم المعروف وناكر العشرة … بهذا الندب كان حديث أم كمال معنا مبينة : والسبب هي أمه التي بدأت تثيره علي وتحرضه تجاهي فإذا رن جوالي فقط تهمز له وتغمز بمختلف الهمسات والشكوك فقلت لهم يا جماعة خذوا الجوال ولكن أمه قد طبعت الشك في نفسه وصار لا يصد قني ولا يوقن بكلامي ولا يشيد حتى بتضحياتي من أجله دائم العصبية والنفور مني فقلت ما قيمة الحياة الزوجية وجهنم مستقرها ومأواها فذهبت إلى منزل أهلي حتى يعود إلى صوابه فعاد إلي ولكن بورقة الطلاق
تسلط الفكرة
وعن هذه الظنون والشكوك المصاحبة للحياة الزوجية يفيدنا الدكتور عبد الخالق خميس- أستاذ مشارك في علاج الطب النفسي جامعة صنعاء : بأن مرض الشك والتصورات الظنية تعد من حالة سلوكية شاذة تستحوذ الفرد بفكرة أو خاطرة أو صورة وساوس وهواجس غير مرغوبة يجد الفرد فيها نفسه مندفعا لتحقيقها وملازمة تكرارها ليجد تدريجيا صعوبة بالغة في الإقلاع عنها رغم إدراكه العقلي والنفسي بغرابة وعدم حقيقة ذلك أو فداحة قوله وتصرفه.
ويضيف خميس: أن هذا المرض يظهر على صور الوساوس الشكوكية والظنونية ( الهواجس) ويعني تسلط فكرة على الشخص وتتكرر بشكل دوري دون أن يحصل فيها أي تغيير أو تعديل وتكون استحواذية تأتيه بصورة قسرية أو قهرية على الرغم من رفضه ومقاومته الداخلية لها تأخذ صوراٍ عدة ذات طابع عاطفي أو عدواني أو أخلاقي أو رغبات جامحة تتردد عليه بين لحظة وأخرى قد تحرضه أحيانا على تصرفات والقيام بمواقف خطيرة تدمر حياته الأسرية نتيجة ما يؤمن ويعتقد الكذب بذرة الشك.
المولد الأساسي
ومن جهتها ترى الاستشارية الاجتماعية وردة وهيب: أن الكذب خاصة في الحياة الزوجية هو المولد الأساسي للشك والظن واهتزاز الثقة وكلما زاد حدوثه كلما كان له وقعه السيئ على متانة العلاقة الزوجية التي تبدأ الشكوك والظنون تدك أركانها.
وأوضحت وهيب: نعم الحياة الزوجية تتطلب الصراحة والمصداقية منذ تأسيسها ولكن ليست تلك الصراحة الجارحة والمبالغة أو مصارحة أحدهما الآخر بأمور تافهة الصمت عنها أولى لأنها قد تفسر للآخر بطريقة مختلفة يراها عيبا أو استنقاصاٍ أو أمراٍ يخفي وراءه العديد من التساؤلات مع تحذيري هنا بتجنب نصيحة الأصدقاء والمقربين الملبسين بثوب الصداقة والوفاء لأن أكثرهم يفسد ولا يصلح وتثبيت حسن النية بالآخر.
التنشئة الأسرية
الدكتور إبراهيم محمد الزبن أستاذ علم اجتماع يشير إلى أن الشك بشكل عام فكرة تتملك الإنسان تجاه الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء أو المواقف وتؤدي إلى ضيق واضطراب في المزاج. وهو تحير المكلف وتردده في وقوع الشيء وعدمه بحيث يتساوى احتمال وقوع الفعل أو عدم وقوعه دون رجحان أحدهما على الآخر. وهو بذلك يختلف عن الظن والذي يكون فيه احتمال الوجود أو احتمال العدم أحدهما أرجح من الآخر. وهو شعور إنساني عادي إذا كان في حدوده الطبيعية أما إذا صار مرضياٍ فيمكن أن يكون تأثيره سلبياٍ على حياة الإنسان. والشك مرتبط بشخصية الإنسان والتي يلعب في تكوينها كل من العوامل الوراثية والعوامل البيئية الخارجية. ويختلف الشك باختلاف مزاج الفرد وذكائه وظروفه الاجتماعية والاقتصادية وتنشئته الاجتماعية التي يتطبع بها في بيئته الأسرية يسقط ذلك على أفعال الآخرين وسلوكهم.
إحصائية مخيفة
في دراسة بعنوان »الجرائم بسبب الشك« قال مركز قضايا المرأة : إن السبب الأساسي لارتكاب جرائم الشرف هو الشك في السلوك حيث بلغت نسبة جرائم القتل بسبب الشك (79٪) . وتؤكد الدراسة أن هناك عددٍا كبيرا من النساء المجني عليهن يتم قتلهن لمجرد الشك.
وتقديم علاج اجتماعي ونفسي تحليلي تدعيمي يساعد على اكتشاف الأسباب التي أوجدت الفكرة أساساٍ لدى المريض ويسهم في حلها بالنصح والإرشاد الاجتماعي والنفسي الذي قد يتطلب أحياناٍ مشاركة أسرة المريض وبالذات الزوجة. وقد يستغرق هذا النوع من العلاج فترة زمنية طويلة نسبياٍ بحسب حالة المريض ومدى استجابته وتعاون المحيطين به.
أخطر أنواع الظن
أما الشيخ الدكتور خالد البليهد فقد استهل حديثه بقوله تعالى : (يِا أِيْهِا الِذينِ آِمِنْوا اجúتِنبْوا كِثيرٍا منِ الظِن إنِ بِعúضِ الظِن إثúمَ وِلِا تِجِسِسْوا). وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا) إن شك أحد الزوجين في الآخر صورة من صور الظلم والإيذاء للمسلم. والشك يصدر غالبا من إنسان لديه ضعف في الإيمان وقد يكون ناشئا عن تردد في النفس وضعف في جانب منها وعدم استقرار نفسي وكذلك هو سلوك يعكس عدم الشعور بالأمان والاطمئنان وهذا السبب له روافد وخلفيات كثيرة منها ثقافة هذا الشخص ومنها الوسط المحيط به ومنها مواقف تعرض لها في الصغر وغير ذلك من العوامل المؤثرة في تكوين الشك لدى هذه الشخصية ومن أخطرها المسلسلات الخبيثة التي تروج خيانة الأزواج والزوجات في المجتمع المسلم.
واسترسل البليهد حديثه قائلا : إن الشك بين الزوجين من أشد صور الشك وله آثار ونتائج سيئة تؤرق الزوجين وتجعل حياتهما في جحيم لا يطاق وتوقعهما في إساءة الظن واتهام الطرف الثاني بالخيانة والفاحشة والعياذ بالله وتدخل الشكاك في دوامة وبحر من الهموم والظنون لا تهنأ له حياة ولا يسعد بنعيم فهو يعيش في عذاب دائم وشبح مخيف يطارده ليلاا ونهارا ويزداد هذا الشعور يوما بعد يوم حتى يحمله على الفرار من هذا العار المتوهم بالطلاق والفراق.
مشيرا: إلى أن إظهار الشك أمام الأولاد له أثر سيئ على نفسيتهم ويجعلهم يعيشون صراعا مرا في إساءة الظن بأحد والديهم ويبقى هذا الأثر طويلا في نفوسهم مما يصيبهم بعقد نفسية في الكبر وبالتالي ينعكس هذا على سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين في حياتهم الاجتماعية .
ما الحل إذاٍ ¿
وبين البليهد العلاج لظاهرة الشك بين الزوجين: من ذلك تخويف الشكاك بالله وتذكيره بعظم الموقف والمساءلة في الآخرة قال تعالى: (وِلِا تِقúفْ مِا لِيúسِ لِكِ به علúمَ إنِ السِمúعِ وِالúبِصِرِ وِالúفْؤِادِ كْلْ أْولِئكِ كِانِ عِنúهْ مِسúئْولٍا) و بيان حكم الشك وأنه محرم لا يجوز للمسلم أن يفعله بلا موجب شرعي. قال تعالى: (إذú تِلِقِوúنِهْ بأِلúسنِتكْمú وِتِقْولْونِ بأِفúوِاهكْمú مِا لِيúسِ لِكْمú به علúمَ وِتِحúسِبْونِهْ هِينٍا وِهْوِ عنúدِ اللِه عِظيمَ).
-البحث والمكاشفة لمن هو واقع في الشك والحرص أولاٍ على إقراره واعترافه بحصول الشك منه ثم مساءلته كثيراٍ عن الأسباب التي جعلته يتصرف بهذا السلوك ثم تحليل الأسباب وتفنيدها – بيان أن الشك مظهر سلبي نفسي وأنه ناشئ عن خلل وضعف في الشخصية النفسية ومحاولة التأهيل والإصلاح والتخلص من الشك عن طريق القراءة والحوار والإقناع – إقناع الشكاك بخطر الشك وكثرة مفاسده وأنه لا فائدة منه ولا يغير شيئا في الواقع بل يجعل العلاقة متوترة بين الزوجين وتنتهي بالانفصال غالبا وشتات الأسرة – يقال للشكاك تصور وتأمل أن الشك واقع عليك وأنك خائن وأنت بريء من هذه التهمة فما هو موقفك وما هو حالك مع نفسك ونظرة الآخرين إليك.