فروا من الموت طلبا للنجاة : النازحون إلى إب .. بين مشاكل السكن وجحيم الغلاء

إعداد/ إدارة التحقيقات
بحثا عن مربعات الأمن والاستقرار تقوم العشرات من أسر تعز يوميا بالنزوح من مساكنهم داخل المدينة التي تشهد منذ أكثر من عشرة أشهر حربا قاسية حصدت الكثير من الأرواح ودمرت الكثير من الممتلكات العامة منها والخاصة، وجمدت كل الأنشطة الحياتية للسكان.. ولأن محافظة تعز تقع في موقع جغرافي خاص وسط اليمن فإن الوجهة الوحيدة لأغلب تلك الأسر هي محافظة إب الجارة القريبة ، إذ أن محافظات الجنوب القريبة منها ليست بأفضل منها حالا..
في السطور التالية تلمسون الحالة المعيشية لتلك الأسر ومستوى الرضا العام للأمن هناك ومطالبهم الملحة من عقلاء تعز.. إلى التفاصيل:
منذر عبد الجليل مواطن من محافظة تعز مديرية صالة رب أسرة مكونة من ثلاثة عشر فردا، نزح إلى محافظة إب جراء الحرب الدائرة بين الجيش مليشيا المرتزقة والغزاة، وذلك بحثاً عن ملاذ آمن  من جحيم المواجهات وقذائف الطائرات.. يقول منذر:  بالطبع ليس كل هؤلاء أبناءه من صلبه فأبناؤه لا يتجاوز عددهم ثلاثة لكن الظروف القاسية – كما يقول – فرضت عليه مساعدة أقرب الناس إليه بالتالي إنقاذ حياتهم إذ أخذ معه كلاً من أبيه الطاعن في السن وأمه وأخته المتزوجة من ابن عمها المغترب  وطفليها مهند وشريف بالإضافة إلى أولاد أخيه الأيتام..
وأضاف منذر: “قبل الحرب كانت أسرتنا الكبيرة القاطنة في مديرية صالة مدينة تعز تعيش حياتها في استقرار كبير ليس استقراراً أمنياً وحسب فهذا أمر كان الكل يلمسه بل استقراراً نفسيا وماديا هنيئا لكن بعد أن دخلت الحرب محافظة تعز وأصبحت مديرية صالة أحد مسارح المعارك انقلب الوضع وبات الكل يعيش حياة مأساوية عميقة فنحن فقدنا أغلب مصادر الدخل التي كانت تعتمد على المحلات التجارية داخل المدينة إذ دمرت ونهبت أغلبها وكان عددها خمسة محلات تجارية بسيطة أيضا فقدت الأسرة أحد أفرادها وهو أخي جميل بعد أن قتل في أحد محلاتنا التجارية بقذيفة دمرت المحل وقضت عليه وأصبح أولاده الإثنان أيتاماً والزوجة أرملة.. ولم تسلمنا الأمراض، فالوالد تدهورت حالته الصحية وقد كان مصابا بالقلب واستمرار الحرب تعمق مرضه فقررنا الرحيل إلى محافظة إب بحثا عن الأمن الذي فقدناه في محافظتنا الأم، وبالفعل وصلنا مدينة إب وكانت الأوضاع الأمنية أكثر شيء فرحنا به فالأجهزة الأمنية تعمل ليلاً ونهاراً لحفظ الأمن..
لكن ثمة مشكلة تواجه الكثير من النازحين وهي أن المدينة مزدحمة جداً، وبالتالي من الصعب الحصول على شقة للإيجار وإن وجدت فبأغلى الأسعار.. هكذا تحدث منذر بعد أن صمت برهة الدمع تغيم في سماء عينيه، مؤكدا بالقول: ولم يكن أمامنا سوى اللجوء إلى الفنادق وفي إحداها استأجرنا جناحاً وندفع شهرياً خمسة وسبعين ألف ريال..
وأضاف : في محافظة إب وجدنا المواد الغذائية بأنواعها متوفرة وبأسعار معقولة وإن كانت مرتفعة بعض الشيء، لذا في ختام حديثي أشكر كل العيون الساهرة على حفظ امن واستقرار وحياة المحافظة. كما أتمنى من كل عقلاء تعز العودة إلى عقولهم وإيقاف هذه الحرب لنعود إلى منازلنا بأمان دائم”.
مأساة أخرى
قصة نزوح أخرى لكنها أكثر مأساوية.. هذه القصة تعود لامرأة رمّلتها الحرب الحالية وتبلغ من العمر أربعة وأربعين عاماً وهي أُم لأربعة  أبناء وابنتين ، كانت المرأة تلك وهي سميرة عبد الحميد  تسكن في مدينة تعز بالتحديد في الجحملية لكن الحرب التي تدور رحاها في المنطقة كلها أجبرتها على قرار الفرار طلبا لنجاتها وأطفالها، لكن المشكلة لم تكن في تنفيذ القرار بل في قدرتها على تحمل تبعاته، فالخروج من المدينة إلى مكان آخر يعني تحمل أعباء إيجار سكن للعائلة ومصاريف يومية وهي لا تملك من الدنيا سوى راتب كان لزوجها لا يتجاوز ثلاثين ألف ريال لكنها فرت إلى محافظة إب بمساعدة ابن عمها الذي تكفل بتكاليف السفر كما يقوم شهريا بجمع تبرعات مالية بسيطة من أقربائه وبعض الأصدقاء لتغطي احتياجات الأسرة، وبالفعل استطاعت الأسرة أن تجد لنفسها مكانا آمنا.. تقول سميرة” بعد أن قتل زوجي في تعز ولم يكن يقاتل مع أي جهة بل كان مدنيا تحملت هم أولادي وفكرت كثيرا بحياتهم والحمد لله استطعت الخروج من مناطق الحرب رغم الحالة المعيشية الصعبة التي نعانيها هنا في إب لكن يبقى الشيء الأهم وهو أن الأمن موجود ، وأتمنى من الله أن يوقف الحرب ويرفع البلاء عن كل اليمن وخصوصا تعز لنعود إلى منزلنا ونعيش بأمان”..
محاولة إنقاذ
من جانبه تحدث محمد الأحمدي، مدير أحد فنادق مدينة “إب”، عن دور الفنادق في استقبال النازحين من مدينة تعز إلى مدينتهم فيقول”: لا يمكن القول بأن الوضع الإنساني للنازحين من مدينة تعز في حال جيد، فالحقيقة إنهم يواجهون مصاعب جمة ومشاكل كثيرة لكنهم يعتبرون بحال أفضل من الذين لم يخرجوا من تعز فعلى الأقل نجا النازحون من مخاطر الموت التي كانت تحدق بهم فهم يعيشون في أمان بخلاف غيرهم من سكان تعز.. ولعل مسألة السكن تعد من أكبر المشاكل التي تواجه النازحين فمدينة إب مكتظة بالسُّكان من قبل وزاد الازدحام السكاني منذ أن بدأ تدفق النازحين من تعز منذ بداية الحرب وبما أن المنازل المعدة للإيجار قد امتلأت فقد توجه النازحون إلى الفنادق وهي الآن شبه ممتلئة ونحن بدورنا قمنا بمراعاة ظروف الأسر النازلة في الفنادق وقدمنا تسهيلات لهم خصوصا للأسر الفقيرة.
عجز تام
أما عبدالقادر حيدر، أحد المواطنين النازحين، فقد وصل قبل شهر إلى مدينة إب قادما من محافظة تعز يبحث عن شقة للإيجار ليتمكن من أخد أسرته إليها طلبا للنجاة هروبا من الموت المجاني اليومي في مدينته.. ورغم طول الفترة التي قضاها في “إب” إلا أنه عجز عن الحصول على أي شقة للإيجار لكنه على أية حال ما زال مستمرا بالبحث رغم قلقه اليومي على مصير أسرته التي تسكن في منطقة تماس بين المتحاربين بتعز فالرجل يتوقع في أي لحظة وصول خبر مقتل أحد أفراد أسرته وأحيانا تساوره مخاوف من مقتلهم جميعا كون الاشتباكات هناك بجميع أنواع الأسلحة..
ختاماً
أخيراً.. يعيش مواطنو تعز النازحين إلى محافظة إب أوضاعاً مأساوية ويحتاجون للكثير من الدعم والرعاية، وذلك يوجب على قادة محافظة إب وكذا المنظمات الإنسانية المحلية والدولية النظر في حالهم وتقديم يد العون لهم كفتح مخيمات إنسانية وتقديم الغذاء والماء للأسر الأكثر فقيراً على الأقل.

قد يعجبك ايضا