ارتفاع أجرة المواصلات..همٌ يومي لطلبة الجامعة والموظفين

 

> سائقو باصات لايرون في الأمر استغلالاً..
ويشكون: مانتحصله يبتلعه غلاء السلع والمشتقات النفطية!!

> موظفون: ندفع ثلث رواتبنا مواصلات

> من أروقة الجامعة: معدلات حضور الطلبة في التخصصات التطبيقية عالية .. وانخفاض طفيف في النظرية

> شرطة السير: نستطيع إلزام الباصات بخط السير المحدد فقط

تحقيق/ سارة الصعفاني

بسبب جنون العدوان وإمعانه اللاأخلاقي في استهداف كل مقدرات اليمن وخصوصاً منشآته النفطية وحصاره المستمر، ارتفعت تكلفة المواصلات العامة إلى الحدود التي يعجز فيها الموظف وطالب الجامعة والمواطن البسيط عن توفيرها كي تستمر حياته بشكل طبيعي..
ولا تتوقف المشكلة هنا ..بل تنسحب تداعياتها على الالتزام الوظيفي في العمل العام .. وتدني مستوى التحصيل العلمي لدى طالب الجامعة الذي تحول الحال بالنسبة له إلى كابح أمام استمرار التحاقه بالجامعة ..وهكذا مع بقية الناس ..
وهكذا يمعن العدوان في القضاء على مقومات الحياة فيصنع أزمة وقود، وأسواقاً سوداء ضاعفت من معاناة الناس ..في الوقت الذي وجد فيه سائقو المواصلات العامة -باصات وتاكسي- في هذه الفوضى فرصة للتكسب حتى في ظل تواجد البترول والغاز بالسعر الرسمي. .
معاناة الناس..والدور الرقابي المطلوب..والمعالجات الممكنة..محور حديثنا في التحقيق التالي:
في جولة داخل جامعة صنعاء لقياس نسبة الحضور في ظل الظروف المعيشية الصعبة يلفت انتباهك قبل أن تسأل ذلك التواجد المتواضع لطلاب الجامعة بخلاف الأعوام الماضية، كما تبين وجود علاقة بين تخصص الكلية والحرص على الحضور ؛ فالكليات العلمية كالطب والهندسة نسبة الالتزام فيها أكثر مقارنة بالكليات النظرية كالتربية والآداب والإعلام واللغات والشريعة والقانون التي صار معدل الغياب فيها متفاوتاً عكس طلاب الكليات العلمية الذين ينتظمون رغم الظروف الصعبة لأن الغياب فيها يعني عدم الفهم والفشل المؤكد كونها تعتمد على المعلومة والتطبيق العملي.
تقول أميرة ” اسم مستعار ” طب بشري مستوى رابع : فكرة الغياب مستبعدة رغم أنني بصعوبة بالغة كنت أتمكن من مواجهة أعباء الدراسة وهذه الأيام تعقدت الحياة كثيراً فاضطرت أمي لبيع ذهبها حتى أكمل دراستي، احتاج يومياً 600 ريال تكلفة مواصلات فقط!
فيما تقول نسيم الحاشدي – كلية الزراعة: لم نكن نضطر للمشي بخلاف هذه الأيام نمشي مسافات لا بأس بها ونتحايل كثيراً على أصحاب الباصات ونحرم أنفسنا من احتياجات كثيرة حتى نتمكن من حضور المحاضرات. تشاركها المعاناة ليلى الوادعي- كلية التربية – حيث تقول إنها تُعطى مصروفاً أسبوعياً لم يعد يكفيها فتلجأ للغياب أكثر أيام الأسبوع وتحضر في أيام محددة فقط.
وكنتيجة لاستهداف العدوان أحياء سكنية غادر أصحابها منازلهم أو ما تبقى منها بعد تدميرها لأماكن بعيدة ليزداد عدد من يقطعون مسافات بعيدة الى الجامعة وما يترتب على ذلك من خسارة مادية. محمد – كلية التجارة تخصص محاسبة – يأتي من منطقة حزيز، قيمة ما يدفعه يومياً للباصات 800 ريال، ومن زملائه من يأتون من منطقة خولان والخميس وذهبان وبني حشيش في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي اتسعت معها شريحة الفقراء والمحتاجين لدرجة خيالية حيث 80% بحاجة لإغاثة إنسانية كما ضاقت فرص العيش ليجد الملايين أنفسهم في مواجهة متطلبات الحياة ومنها توفير تكلفة التنقل حيث نصادف يومياً من دفعتهم الحاجة ليطلبوا أن تدفع عنهم أجرة باص.
انقطاع عن الدراسة
بالإمكان إيقاف القيد لظروف معينة ثم استكمال الدراسة فيما بعد إلا أن العام الدراسي 2015 – 2016 شهد أعداداً متنامية رغم ما نعيشه من قصف هستيري و أوضاع معيشية صعبة لكن مايزيد من معاناة الطلبة ارتفاع أجرة المواصلات مما ينعكس على التحصيل العلمي نتيجة الغياب أو إيقاف القيد، فمثلاً في كلية الشريعة والقانون بلغ عدد من أوقفوا القيد (397) طالباً وطالبة، وفي كلية التربية أكثر من 140 ما بين توقيف قيد وغياب بعذر، وهذا ما لم يكن موجوداً بهذا العدد في الأعوام الماضية.
طلاب وطالبات يأتون من مناطق بعيدة اضطرتهم الظروف المادية للبحث عن بعضهم ولو من كليات مختلفة للتعامل مع سائق باص محدد بمبلغ اشتراك شهري، وهنا تقول كلاً من فاطمة الأفجم كلية التربية وسلوى مقبل شريعة وقانون : ” نأتي من همدان فنخسر كثيراً لكن من أسبوعين تعاملنا مع الباص لندفع شهرياً سبعة آلاف ريال رغم الخسارة يظل المبلغ أرخص ثمناً من قيمة التنقل في الباصات “لكنهن لا يخفين أن هذه الفكرة مضيعة للوقت ومتعبة كونها تلزمهن بالحضور باكراً قبل الساعة الثامنة صباحاً والمغادرة الثالثة عصراً أحياناً من أجل حضور محاضرة مدتها ساعة ونصف فضلاً عن عدم قدرة الجميع على دفع هكذا مبلغ شهري ما اضطر زميلاتهن لإيقاف القيد.
جمانة – حاسوب- وجدتها تبيع أعمال يدوية في قاعة المحاضرات، تقول : أخبرني أهلي بالتوقف عن الدراسة هذا العام بفعل الظروف المادية خصوصاً بعد تسريح أبي من الشركة لكنني أريد إكمال عامي الأخير والتخرج مع زميلات دفعتي، فعدت لممارسة هوايتي في صنع الأشغال اليدوية وبعتها لأول مرة، وصرت أتغيب وأتمنى أن ينتهي العام الدراسي سريعاً.
موظفون بلا دوام
موظفو القطاعين الحكومي والخاص أيضاً يشتكون من هذه المشكلة حيث يصرف الموظف ثلث المرتب قيمة تنقل لمقر العمل فصار البعض يتغيب خصوصاً أصحاب المهام الثانوية وتحت مبرر ارتفاع أجرة المواصلات العامة بخلاف موظفي القطاع الخاص حيث الفصل بين الوظيفة و مشاكل الموظف الخاصة مهما كانت، فها هو هيثم العسلي أحد موظفي القطاع الخاص أجر بيته ليستأجر في مكان قريب من مقر عمله وليقترب أبناؤه من الجامعة بعد أن ارتفعت أسعار المواصلات لتستمر الحياة ولكن.. ماذا عن بقية الموظفين؟
يقول خالد السنفي موظف في القطاع الحكومي يفترض أن تدعم الحكومة أصحاب الباصات إن كانوا فعلاً متضررين أو تلزمهم بـ 50 ريالاً كأقصى مبلغ، أو تعيد توزيع خطوط السير لتطول المسافات لا أن يدفع الشعب الفقير الثمن.. نحن الموظفين لم نعد قادرين على الدفع فكيف الحال بالبسطاء أو من فقدوا مصدر دخلهم أو من لا يملكون وظائف وما أكثرهم أو طلاب المدارس والجامعات.. كحكومة ينبغي أن يكون لها دور وإن كنا في عدوان فأي معنى لوجودها إن لم تضع حلولاً لما يعانيه الشعب؟!
جميعنا مظلومون
يقول أحمد المرتضى – آداب لغة عربية – : أصحاب الباصات وجدوا ارتفاع ثمن البترول فرصة للتكسب وحتى عندما نتفق مع سائق الباص على 50 ريالاً يأخذ الضعف إن أعطيته مبلغ 100 فأكثر أو يفتعلون مشكلة ولا يعطونك باقي نقودك فضلاً عن كونهم جشعين اتخذوا من زيادة سعر البترول ذريعة للتكسب فحتى لو لم تكن معه من “الفرزة” أو كانت المسافة قريبة يريد أن يتكسب، وحتى من يستخدم دبة الغاز يرفع الثمن، والنتيجة كما ترون تغيب دائم عن الحضور أو توقيف القيد، وكثير ممن أعرفهم أنا فقط تركوا الدراسة، أكثرهم لا قدرة لهم على دفع رسوم النظام الموازي إلا بعد ديون وتأخير فكيف إن أضيف مبلغ 17 ألف شهرياً تكلفة مواصلات؟
وفي مواجهة أصحاب الباصات ما الذي يمكن قوله؟ علي الشوكاني سائق باص خط (الحصبة- التحرير) يقول: أنا ملزم بدفع مبلغ تسعة آلاف ريال شهرياً بمعدل 300 ريال يومياً للمجلس المحلي ومندوبي الفرز فضلاً عن أنني أعيش وأسرتي على ما أحصل عليه من الباص في ظل ارتفاع ثمن البترول إلى مبالغ خيالية في الأسواق السوداء وعدم توفره بالمحطات إلا نادراً في طوابير طويلة ؛ لذا نحن مضطرون لرفع تكلفة الخدمة ورغم ذلك نتساهل كثيراً مع الركاب فمن يشترط منذ البداية مبلغ 50 ريالاً أو يقول بأنه لا يملك أو كان كبيراً في العمر أو ما يزال طالباً في المدرسة نقبل منه المبلغ لكنها مسألة أخلاقية فمن يستطيع دفع مبلغ 100 ريال ويدعي أنه لا يمتلك هذا ظالم لنا.
وتابع: أما الركوب من الفرزة فدفع المائة إلزامي على الجميع كون الراكب حجز مكاناً ربما كان أحد غيره سيدفع الثمن المحدد لأن مشواره أبعد.. وعن تحويل باصه للعمل على الغاز كما يفعل البقية يقول: قبل فترة حاولت التحويل إلى الغاز بدلاً من البترول كونه أرخص لكن حصلت مشكلة في الباص فعدت للبترول.
محمد جابر سائق باص خط (التحرير- الجامعة): اشترطنا أن ثمن الخدمة بـ 100 ريال لكن الركاب لا يلتزمون ما جعلنا في الفرز نستلم مقدماً حيث البعض يدفع 50 -70 ريالاً ويغادر سريعاً خصوصاً الفتيات مستغلات عدم قدرتنا على أخذ حقنا منهن، وأحياناً يشترط غالبية من في الباص قبل صعودهم دفع 50 ريالاً فقط فنضطر للقبول لحاجتنا لكن..
ويتساءل بمرارة: كيف نُطالب بمراعاة الظروف المعيشية للشعب وكأننا لسنا منهم ؟ ربما في الماضي كان ما نجنيه من العمل في الباص جيداً لكن اليوم صارت أعداد الباصات كثيرة جداً فليس كما يعتقدون أننا نكسب على امتداد اليوم، هي فترات كالصباح الباكر والظهيرة كما أن علينا انتظار ” الدور ” أنا من الثامنة صباحاً في الفرزة، أخيراً بعد ساعتين سيصعد الركاب معي.
سائق آخر هو محسن الشعوبي (الحصبة- باب اليمن): قبل الأزمة كان البترول رخيصاً أما هذه الأيام ما نكسبه نصرفه، وحتى إن اشترينا البترول أو الغاز بسعر لا بأس به علينا أن ندخر للأيام القادمة لمواجهة ظروف الحياة، فعندما انعدم البترول توقفت عن العمل شهرين قضيتها ديون بسبب أسعار السلع الجنونية.
الالتزام بخط السير
عن دور شرطة السير في ضبط مخالفة السعر المحدد أو عدم إكمال الباصات لخط سيرها المقرر وأين دورهم عندما يقوم السائق بـ” استغلال الركاب ” رغم التفاهم على ثمن محدد منذ البداية؟ حصلنا على إجابات من مختصين فضلوا عدم ذكر أسمائهم وهذا المضمون: ما تطلبونه ترف وإن كان ضمن مهامنا حل المشاكل كون مهمتنا الرئيسية في بلد لا يحترم النظام ولا يلتزم بالقانون ولا يعترف بسلوكيات قيادة السيارة وإلزام السائقين بقواعد المرور وتنظيم حركة السير وفض الاشتباكات في حال وقوع حوادث مرورية، وحتى اليوم ما نزال نطالبهم بدفع ما عليهم من مبالغ لمخالفات قديمة رغم قرار التخفيض لكن دون جدوى.
أيضاً ومما قالوه: عدم صدور قرار يحدد ثمن أجرة الباصات لكن بإمكاننا إلزامهم نسبياً بتدوين مخالفة في حال رفض سائقو الباصات الالتزام بخط السير المحدد لنضمن إيصال الركاب حتى آخر موقف، ومن جهة أخرى يفترض تخصيص محطات لمركبات الأجرة كما كان مقترحاً حتى نضمن عدم وقوع الظلم على الطرفين لا أن يترك الأمر للمزاجية.
وختاماً يبقى السؤال.. ما المانع أن يتم دراسة المشكلة والخروج بحلول عادلة توازن بين استيعاب توحش السوق السوداء وأطماع سائقي باصات النقل وأبسطها إلزام السائقين بخطوط سير أطول.. أما أن تبقى أجرة الباصات مرتفعة وفوق قدرة الناس على الدفع في حين لم يعد معظمهم قادراً على مواجهة متطلبات الحد الأدنى في الغذاء والدواء فأمر مزعج ينبغي تداركه.

قد يعجبك ايضا