لحظة يا زمن…الحنين الأزرق
تجاوز الليل ثلثيه، وهو يتقلب تحت الكنبل، تمنع النوم أن يمسح على جفونه ويجعله ينام.. ليس القات سبباً للقهر. يتناول القات يوماً في الأسبوع.
استعمل كل الحيل الذهنية.. استرخى وأصدر عقله الأوامر لكل عضو على حدة وبالتدريج من القدم حتى الرأس لكنه النوم.. كأن بينهما ثأراً.. لم يأخذ حقه.. وزاد في الأمر العروة التي هبطت على الجسد ومن هنا برز له غريمان في نفس الوقت.
نهض من ضجعته، ولف الكنبل حول جسمه، واقتعد شابكاً ساقيه متعارضين.
ونظر إلى الراديو مستكيناً.. حملق في الجهاز وتصوره في سكونه نائماً وشابع نوم.. ثم تحركت يد نحو المفتاح.. ونظره يتابع الشوكة, شحشح الراديو.. وانبثقت من داخل الجهاز أغنية تصاحبها موسيقى وقليلاً قليلاً وهو يشد الكنبل حول جسمه المعروي.. تواصلت مفردات الأغنية ونغمات الموسيقى المصاحبة إلى حاسة السمع.. ثم انسابت في النفس كسيل ماء ينسال على ممر صخري ناعم على حوافه شعيرات خضراء كلما عبر الماء تحركت تلك الشعيرات بنعومة خلال الماء البلور الشفاف..
بعدها طارت النفس في بحار من الحنين الأزرق.. انطلقت من أسر الجسد المعروي, توغلت في طرق تغطيها الحصى.. وعلى جوانبها أشجار “القرانيط” ـ الخروب ـ .
كانت النفس حرة في تنقلاتها من سائلة إلى هيجة إلى جبل.. إلى شعاب تمتد على امتداد النظر تغطيها أشجار الحصم والقرض.. عادت النفس إلى الجسد الذي توقف من العروة والخظلة.. عادت حزينة منكسرة كانت تود لو رافقها الجسد في تلك الشعاب والهضاب المفتوحة في بحر الليل.