جدلية القديم والجديد
عبدالرحمن مراد

مقالة

مع كل حالة تدافع أو تجدد تنشأ بالضرورة قوة ممانعة تعمل على عرقلة مسار الجديد وهي حركة وقتية ما تفتأ أن تزول بحكم قانون التاريخ وتآكل القديم وقوة الجديد وطاقته المتفاعلة مع لحظتها الحضارية التي هي تعبير عنها.
وما يحدث اليوم في المشهد السياسي الوطني هو صراع وجود بين قديم يصر على الاستمرار وجديد يريد أن يرسم لوحته المعبرة عن وجوده في جدار الزمن, والحقيقة الثابتة أن جدلية القديم/الجديد كثنائية تاريخية مستمرة منذ ظهور الجماعات الاجتماعية البدائية وحتى ظهور الدولة وفق المفهوم الفلسفي والثقافي المعاصر وقد ظلت كحالة تدافعية تسير وفق سنن كونية ثابتة فالقديم في أدواته وآلياته وفي أساليبه الحضارية والثقافية لا يصل إلى حالة الفناء المطلق ولكنه يعيد إنتاج نفسه في حالة من حالات التكيف مع مظاهر الزمن الجديد ثم بعد أمد من الزمن يصبح جديدا والجديد الذي يطل في أفق القديم في لحظة تاريخية فارقة بعد حالة الاحتكاك والتفاعل وحالة الإشباع والهيمنة يتحول إلى قديم ومثل تلك الحركة الديناميكية تعمل على تحديث البناءات الاجتماعية والثقافية والحضارية وتكون سببا في التبدل والانتقال وفي عمليات التغيير التي ينشدها الإنسان باعتبار الإنسان حالة وجدانية غير مستقرة وغير ثابتة بل يكاد الثبات في حياته أن يكون حالة تدميرية مقيتة وقد مر بتلك الحالة في زمن تاريخي قديم كما تذهب إلى ذلك كتب الأخبار والأساطير ذات الاسانيد التاريخية ويقال حدث ذلك في زمن النبي ذي الكفل عليه السلام.
ولعل أغرب ما يجد المرء هذه الأيام هو تشابه الأدوات فالذين حملتهم أجنحة الاحتجاجات الشعبية إلى كراسي السلطة كانوا يسخرون من القوى الممانعة لهم والتي ترى تطبيع الأوضاع وعودة الحالة إلى نقطة زمنية بعينها هو الخيار الأمثل للحلول السياسية ونراهم اليوم بعد ثورة (21 سبتمبر 2014م) يستخدمون ذات المبررات وقد تشابه الحال إلى درجة التطابق والقضية هنا قضية جدلية تاريخية فالمرء يخاف ما يجهل والذات التي لا تعترف بالموضوع وبالحقائق تقع في مهاوي جهلها وغرورها ولعل الشعور بهزيمة الواقع يكون باعثا لها على تحديد خيارات الممانعة كوسيلة غير واعية في الاستمرار ومن الأسلم لتلك الذات هو التكيف مع حقائق الواقع والتفاعل مع شروطه الموضوعية والانتصار للقضايا الوطنية والإنسانية الكبرى ذات التواشج والتفاعل مع حركة الحياة.
ما نذهب إلى قوله واليقين به وقد تكرر قوله مرارا هو أن البنية الثقافية للمنظومة السياسية اليمنية أصبحت قديمة وثابتة ولا يمكن التعويل عليها في إحداث النهوض الشامل والانتقال اللازم فتلك البنية كانت تعبيرا عن زمن له ظروفه ومبرراته وعوامله وأدواته واستمرارها مع فقدانها لشروط النشأة هو التيه بعينة والوصول إلى حالة التيه يعني شيوع الفوضى والتباس المفهوم وغياب المرجعيات والمعايير الأخلاقية والثقافية والنظم والمبادئ وتلك الحالة عاشتها اليمن في سنينها الخوالي ولم تكن تلك الحالة كما يزعم من ذهب إلى ثورة 2011م أو قال بها إلا تعبيرا عن أزمة ثقافية في المقام الأول ومن ثم تعبيرا عن أزمة اجتماعية وسياسية لم تشمل المؤتمر وحلفاءه بل شملت كل المنظومة السياسية والاجتماعية وقد دلت تداعيات أحداث 2011م ومتوالياتها على تلك الأزمة الجوهرية والحقيقية إذ بعد أن وصل الحال إلى أفق منسد تفجر في صورته النمطية المعروفة التي شهدناها في 21 سبتمبر 2014م فالتيه الذي كان سمة المرحلة الممتدة بين فبراير 2011م وسبتمبر 2014م تحول إلى ثورة حقيقية تعيد ترتيب المفهوم وتمهد المناخات لصناعة التحولات ولا أظن الذين استغرقوا أنفسهم في مربعات التيه يدركون حقيقة ما حدث وجوهريته فالثورة التي تملك الرؤية الصائبة لمعيقات التحول وتعمل على تفكيكها ومن ثم تهيئة المناخات للبناء غير تلك التي تذهب إلى المستقبل بأدوات الحاضر والماضي وكأنها تعيد رسم الصورة النمطية للماضي في المستقبل.
ومن المهم أن ندرك أن ما حدث في سبتمبر 2014م لم يكن يخص فئة اجتماعية وثقافية وسياسية بعينها بل إن ما حدث كان حركة طبيعية يفترض بالجميع تشذيب مظاهرها السلبية وتنمية الايجابي تمهيدا للبناء ووصولا لشروط النهضة وأسبابها.
