نظرية جديدة في الفهم والتفسير وقراءة النصوص..
كتب/ فايز البخاري

منذ صدور مجموعته الشعرية الأولى عام 2004م وهاني الصلوي يحرص على تجويد نصه بل هو أكثر حرصا على المغايرة لما هو مألوف والإتيان بما هو أجد. ولعمري أن هذه ميزة تكاد تقتصر عليه لا لأن غيره لا يريد المغايرة والجöدة في ما يكتب ولكن لأنه أدرك ذلك وطبقه على الواقع من خلال كتاباته التي سارع في طباعته ليضيف للمكتبةö العربيةö شيئا جديدا من خلال المسار الذي اختطه لنفسه فبرع فيه وأجاد.
وقليل من الشعراء – إنú لم يكونوا ندرة – هم الذين يتعمقون في البحث العلمي دون أنú يؤثر ذلك على شاعريتهم وعذوبة ألفاظهم وتدفق معانيهم. إذú يصاب غالبية الباحثين/الشعراء بتصحر في الجانب الشعري بسبب الإيغال في البحث العلمي الذي يعتمد على الواقع أكثر منه على الخيال والتحليق في سماوات الإبداع. ما يعني أن البحث يقيد ملكة المبدöع ويعمل على تقليص نفوذها.
وهذا ما لم يتمكن البحث العلمي مöن تحقيقöه إزاء موهبة الشاعر هاني جازم الصلوي التي ظلتú في تصاعد ووهج حتى وهي في قمة الإيغال في البحث والدراسة والمتابعة لشهادتي الماجستير والدكتوراه ومتطلباتهما. فخلال هذه الفترة أنجز ثلاث مجموعات شعرية متميزة ذات طابع أجد كما أخرج لنا هذا الكنز الفريد الذي يحويه هذا الكتاب والذي يعد بحق سبقا علميا على مستوى العالم العربي بما حواه مöن جöدة وفرادة لم يسبقه إليها أحد.
الكتاب صدر مؤخرا في القاهرة بعنوان ” الحداثة اللامتناهية الشبكية ..آفاق بعـد مابعد الحداثة ..أزمنة النص ميديا “.. وهو كتاب مهم ليس في موضوعه فحسب بل في سياقات عدة عمل عليها واشتبك مع حيثياتها.
الكتاب – الذي يصفه المؤلف بالمجازفة أو المغامرة – يطرح في أكثر من موضع نظرية جديدة ضمن إطار مايعرف بـ((نظريات بعـد مابعد الحداثة)) رغم رفض الكاتب تسمية جهده هذا بالنظرية التي يرى أنها انتهت كمرحلة ومنهج ناهيك عن انتهاء ماعرف بما بعد النظريات ورغم رفضه أيضا لمصطلح بعد مابعد الحداثة واعتباره مضللا وأنه وإن كان مقبولا من الناحية الزمنية إلا أن التسمية الأقرب لروح هذه المراحل العاصفة هو الحداثة اللامتناهية الشبكية أو الحداثات اللامتناهية الشبكية. وهو في كل مساراته ينطلق من مراحل مابعد الحداثة باعتبارها بداية التأريخ في سعتها ومفاهيميتها وفي ارتباطها بالحداثة التي حملتها في حلباتها وأتونها.
يرى الكتاب أن مراحل جديدة قد انبثقت مع مابعد الألفية هي أزمنة النص ميديا أو اللاتناهي الشبكي وهي مراحل دعاها بـ((ما بعد الكتابية)) حيث انتهت الأزمنة الأسبق لها بحقب ((ما بعد الحداثة)) التي يعدها نهاية فاعلة لمرحلة الكتابية. غير أن ذلك لا يعني زوال الحقبة الكتابية تماما إذ بقيت وستبقى لانهائيات من رؤاها الفاعلة كما أن وجود أجيال شديدة الحماس للكتابية داخل متواليات الأجد اللامتناهي قد أبقى ظلالا وحيثيات لما قبل (بعد مابعد الحداثة) بوصفها لاتناهيا شبكيا الأمر الذي اضطر معه المؤلف إلى تقسيم اللامجتمعات اللامتناهية ( والصيغة له ) إلى قسمين أحدهما ما أطلق عليه: المجتمع المعتمد ( المجتمع المعتمد على الكتابية وماقبل اللامتناهية) والآخر : اللامجتمع الافتراضي المحض أو مجتمع المآل .
يجعل الكاتب من فترة يسميها العصر الفائق القنطرة التي عبرت عليها البشرية إلى الحداثات اللامتناهية الشبكية وهي فترة تمتد من نهايات الثمانينيات من القرن الماضي وتمضي مع سنين قليلة في العقد الأول مما بعد الألفية وتضم أعلاما من مثل دوجلاس كلنر وليبوفتسكي وبعض من اهتموا بالمعلوماتية والرقمية إلى جانب جان بودريار الأكثر ارتباكا وإدراكا لما يخص ماجد على مستوى انتهاء مابعد الحداثة ما جعل المؤلف يسم تشظي الفكر الفائق بصدمة بودريارإلى جانب ليندا هتشيون وإيهاب حسن قبلها . ويفرق الكتاب على مستوى سؤال التكنولوجيا ما بين العصر التكنولوجي بما هو سمة لما بعد الحداثة ومابعد التكنولوجيا بأبعادها اللامتناهية الشبكية .
يقع الكتاب في 348 صفحة من القطع المتوسط في ترتيب غريب يضفي قدرا من الإثارة حيث يبدأ بإهداء يتساءل فيه عن جدوى الإهداء في حالة كتاب في رثاء الكتابة كهذا ويستند في الصفحة اللاحقة إلى المقولة المعروفة القائلة بأن قليلا من التقنية يبعدنا عن الإنسان بينما يمكن للكثير من التقنية أن يعيدنا إليه . تلى ذلك توضيح أو ملاحظة غير مهمة بتعبير الكاتب تشير إلى كون القاريء يستطيع البدء بقراءة الكتاب من أي مبحث يريد ثم تأصيل اعتبره نهائيا تضمن بيان أن من الأفضل ألا ينسب الكتاب لمؤلفه وأنه سيظل دائما بحاجة إلى التعديل والتحرير .
يبدأ الكتاب على غير المتوقع بخاتمة ثانية ثم خاتمة أولى وينتهي بالمقدمة ” مقدمة الكتاب “.. يأتي بعد الخاتمين المتن (مابعد