رحلة في سهوب وشلالات مومي بجزيرة سقطرى
استطلاع/ فايز محيي الدين البخاري

حين سمعت عن شلالات مومي لم أكن أتصور أني سأرى ذلك السحر وكل ذلك الجمال مطويا في بطون وأغوار تلك الجبال البعيدة الي يحسب المرء أنه لن يجد فيها شيئا غير قفار وسهوب فارغة.. لكنه يتفاجأ حين يجد القرى الريفية تنتشر على جنبات الطريق على امتداد ذلك الطريق الذي يوصöل من منطقة محمية دي حمري إلى أعماق الجبال الجنوبية الشرقية للجزيرة حيث تقع منطقة مومي.
وصلنا منطقة فيها سائلة لا أثر فيها لماء قط وقيل لنا هناك شلالات رائعة أعلى هذه السائلة خلف الجبال التي تخلو من البشر نهائيا.. ولولم نكن في سقطرى المسالöمة لما تجرأنا على خوض تلك المغامرة المخيفة.
في البداية لم أصدق أن هناك شلالات خلف تلك الجبال وقلت لرفيقيú رحلتي فلاح الوتر وأكرم البخيتي عليكما أنú تذهبا لاستطلاع الأمر وسأظل هنا بجانب الباص في الطريق الاسفلتي وإذا وجدتما الشلال فاتصلا بي وسألحق بكما.
انطلقا حسب الاتفاق لكن المشكلة أن تغطية شبكة التلفون المحمول غير موجودة وبالتالي صعب التواصل معهما ومعرفة ما هما عليه.. وقد انتابني القلق لتأخرهما في المجيء ولم أكن أعلم أن المسافة بعيدة وأنهما قد افتتنا بما رأياه في تلك الأدغال البديعة فضلا عن أن الذي سيعود منهما لإبلاغي يحتاج لوقت ليس باليسير حتى يصل إلى النقطة التي أسمع فيها صوته حين يناديني بالمجيء واللحاق بهما.
بعد جهد جهيد سمعت صوتا يأتي من أعماق الوادي كان صداه يتردد في جنبات الوادي وصدور الجبال فيبدو كما لو أنه صوت آت من العالم الآخر.. أصخت السمع لأميز صوت أحد صاحبي فعرفت منه أنه يناديني للحاق بهم ولم أميز من كلامه سوى كلمة (تعال)..
تركت الباص ونزلت صوب الوادي متجها نحو أعلاه وما هي إلا عشرات الأمتار حتى واجهتني أولى واحاته التي تنتشر فيها أشجار النخيل والماء يسيل بينها بشكل يسحر الألباب مشكöلا لوحة ربانية قل أنú يجدها المرء إلا في سقطرى.
ظللت ألتقط صورا لتلك المناظر البديعة وانا أمشي صوب أعلا الوادي حيث يقع شلال مومي وحين أحس رفيقاي أني تأخرت أكثر من اللازم وحيث والمكان مقفöر عادا أدراجهما يبحثان عني وفجأة وجداني مستغرقا في التقاط الصور لتلك الواحات بانهماك عجيب حيث كنت آتي كل منظر مöن عöدة جهات لألتقط أفضل الصور من عöدة زوايا.
تنفس صاحباي الصعداء ومضينا معا نحو أعلا الوادي وحين تبدى لي الشلال كاد قلبي يرف ويطير من بين ضلوعي فرحا بذلك المنظر الفريد حيث كان الشلال ينساب بغزارة وشكل جميل مشكöلا عند وقوعه في الأرض بحيرة نادرة أسفل الجبل لا تضاهيها في الجمال حتى بحيرات جزر الكاريبي أو البهاما أو المالديف.
أخذت الصور لتلك المناظر الفاتنة واتجهنا نتسلق ذلك الجبل الذي يهبط الشلال من أعلاه ورويدا رويدا بدا لنا الجبل أكثر مما كنا نتوقع بكثير فما أنú نصل إلى النقطة التي كنا نظنها نهاية الجبل حتى يظهر لنا جبل آخر في تسلسل متواصل يؤكد لنا أن منطلق الشلال لا يزال بعيدا ويحتاج يوما كاملا للوصول إلى منبعه.
كان التعب قد أخذ منا كل مأخذ فآثرنا السلامة والعودة من حيث أتينا خاصة والمكان مقفر- الوادي والجبل- والباص تركناه لوحده ولا يعلم بحاله إلا الله فضلا عن التعب الذي نال منا بشكل كبير وحتى بنطلوني كان قد تمزق بفعل التسلق ولم يعد بمقدوري المواصلة به لأكثر من ذلك.
حين قررنا العودة بدا لنا أن صعوبة تسلق الجبل أخف وأهون من صعوبة هبوطه فقد كانت عضلات أقدامنا قد شارفتú على أنú لا تقوى على حمل جثثنا لولا العزيمة الفولاذية التي أبديناها كي لا ننقطع بأنفسنا في ذلك المكان الخالي.
عقدنا العزم وعدنا أدراجنا قافلين نحو الباص الذي ركناه في جانب الطريق الاسفلتي الذي يبعد عن الشلال حوالي اثنين كيلومتر.. ومن هناك أخذنا نقطع الطريق صوب سهول مومي التي كانت الشمس والغيم يتقاسمانö أراضيها ليرسما أشكالا بديعة زاد من ألقöها ذلك المجسم الرباني الذي نحتته عوامل التعرية في الجبل المطل على السهوب ليبدو كما لو أنه فيل بخرطومه..
والغريب أن خرطوم الفيل وشكل الفيل يتكرر في مناطق متفرقة من اليمن كما لو أنه كان لنا حكاية أسطورية مع هذا المخلوق في غابر الأزمان على هذه الأرض اليمنية المباركة فهو موجود في مدينة عدن ثغر اليمن الباسم فيما يعرف بـ(خليج الفيل) وكذلك في محافظة المهرة بالقرب من محمية حوف مطöلا على البحر وهنا في منطقة مومي في جزيرة سقطرى.
في طريق العودة كنا نقف لنتحاور مع بعض السكان عن مشكلاتöهم فشكوا لنا من تذاكر الطيرا