وداعا شاعر الثورة.. صالح سحلول 

خالد الرويشان


يا لها من حياة توزعت على شاهق هاويتين وتقسمت على ذؤابة شفرتين! ولعمري أنها غاية شريفة تتقطع دونها عزائم الشعراء وتشرئب صوب ضوئها أعناق الرجال.
وقد كانت حياة هذا الشاعر العاصف منذ بداياتها مرتقى صعبا واختيارا مرا واختبارا قاسيا قساوة بيئته التي تشرب أجمل ما فيها كرم الروح وشجاعة الموقف وأضاف إليها رؤية العصر ورؤيا الشاعر. إنه يلتفت الآن إلى ماضيه راضيا ضاحكا ! وقد أفنى معظم سني عمره المديد فـي اللهب المقدس أي فـي مجمرة التغيير الهائلة الصاهرة التي غيرت مجرى التاريخ وأجúرت الأنهار الزاخرة بالجديد والأجد .
صالح سحلول جبل شعري مسلول فـي فضاء هذه البلاد وعاصفة حريق فـي ليل هذه الوهاد . ما أجمله الآن هانئا راضيا عن رحلته المضنية الطويلة . هذا غبار معاركه وقد فتق براعم الأمل فما كذب الحلم وهذا لهب حرائقه وقد شقق جدار الليل فما كذب الضوء.. أيها الشاعر المقاتل.. هذا وطنك يحييك وهذا شعبك يرد التحية.. كبيرة تبلغ سماء أجنحتك حارة تندفق فـي حرارةö قلبöك .
عندما تفرغ من قراءة ديوان الشاعر ستكون قد قرأت عناوين نصفö قرن فـي صراع التثوير والتغيير والتنوير فـي اليمن. وإذا كنت من جيلي الذي لم يعش معظم هذه العناوين فإنك ستشعر بالتاريخ يجري فـي عروقك وبالألم يندفع فـي قرارة قلبك .
ثمة شاعر يعيدك إليك من شرود أيامك ونسيان بداياتك. وإذا كان للأرض أن تحكي وللجبال أن تروي قصة شاعر وثورة شاعر وشعب شاعر وقضية فإن صالح سحلول يقف ذروة ضخمة متميزة على جبل الشعر الشعبي في اليمن .
صحيح أن ذرى أخرى تقف إلى جانبه لكن طول تجربته واتساع إهتماماته ومدنية رسالته وتوزعها على محاور كثيرة لم يطرقها غيره مثل محور المرأة مثلا وهو الشاعر الطالع من أغوار البداوة وأهوال العزلة فـي ريف اليمن.. كل ذلك يحسب لتجربته الفريدة الشهيرة .
إننا إزاء شاعر نذر شعره كله بعد أن نذر حياته للوطن وقضاياه ولست أقول ذلك من قبيل المبالغة وخاصة أن صفحات الديوان بين يديك ! 
إن رأس هذا الشاعر كان مطلوبا فـي معظم جولات الصراع السياسي والإجتماعي والثقافـي فـي اليمن وخاصة فـي ستينيات القرن العشرين أي بعد قيام الثورة اليمنية فـي السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والرابع عشر من أكتوبر 1963.
إن هذا الديوان ليس مجرد ديوان شعر فحسب لقد كانت قصائده ذات يوم وزارة إعلام كاملة بمحطاتها المرئية والمسموعة والمقروءة ! وفـي أحيان كثيرة كانت صواريخ حارقة فـي جبهات القتال دفاعا عن الثورة والجمهورية .
كان الشاعر الكبير صالح سحلول وما يزال – محفوظا إسما وشعرا فـي ذاكرة اليمن وأبنائه منذ نصف قرن على الأقل حتى صارت قصائده أمثالا سائرة عبر عشرات السنين .

قد يعجبك ايضا