الثقافة والعولمة


يمثل عقد التسعينات الماضي فترة نهاية قرن كان قد شهد حربين كونيتين وبداية قرن جديد من حياة الإنسانية. ذلك العقد هو موضوع كتاب جماعي أشرف عليه أستاذ الثقافة الأميركية في جامعة نانتير بإحدى ضواحي باريس ويشارك فيه 15 باحثا ومؤرخا كل في موضوع اختصاصه. يحمل الكتاب عنوان «تاريخ نقدي لسنوات التسعينات».
تتوزع مواد هذا العمل في 12 فصلا تشمل مواضيع تتعلق بالميدان السياسي وبالسينما والتلفزيون والموسيقى والأدب والثقافة والثقافة ـ المضادة والطب والثورة الرقمية والحياة الرياضية والنقاشات الفكرية. ويناقش الفصل الختامي ما يصفه المؤلف بـ«عشر سنوات من العولمة السعيدة» كما جاء في عنوانه.
من السمات الأساسية التي يؤكد عليها المساهمون في هذا الكتاب عن سنوات التسعينات المنصرمة أنها تميزت بوجود قدر غير مسبوق من التداخل والتشابك بين المجال الثقافي بالمعنى الواسع للكلمة وبين المسائل ذات الطبيعة السياسية.
من هنا يتم التأكيد على ضرورة مقاربة التاريخ الثقافي لسنوات التسعينات المنصرمة. والتأكيد على أن ذلك العقد كان ممهورا بالهيمنة الكبيرة لـ«العولمة الليبرالية» التي جعلت من الولايات المتحدة الأميركية «سيدة العالم» بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.
يبقى التبدل الكبير والجوهري وما مثل الأحداث الأكثر تأثيرا في تاريخ الإنسانية الحديث بل والمنعطف التاريخي الكبير في سنوات التسعينات المنصرمة كما يبدو في تحليلات المساهمين في هذا الكتاب هو المرتبط بـ«الانتقال شبه الجماعي لبلدان الكتلة الاشتراكية السابقة إلى المعسكر الرأسمالي». وما كان بمثابة «تحقيق الحلم الأيديولوجي الليبرالي».
وكان عقد التسعينات قد تميز نتيجة للتغير السياسي في خارطة العالم نشاطا كبيرا للأسواق المالية التي أراد القائمون عليها أن يكونوا على «الموعد الليبرالي» ولفرض ما عرف بـ«اقتصاد السوق» بالوقت نفسه فتحت بلدان الكتلة الشيوعية السابقة أسواقها للمجموعات المالية العالمية الكبرى.
ومما يتم التأكيد عليه بأشكال مختلفة في مساهمات هذا الكتاب هو أن عقد التسعينات الماضي كان فترة المخاض الحقيقية التي أنتجت الزمن الذي عرف «ولادة الحاضر القائم اليوم» على الصعيد العالمي وتحديد القول إنه في الفترة الواقعة بين سقوط جدار برلين عام 1989 وتدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك عام 2001 هوى عالم هو عالمنا».
والتركيز على القول أيضا إن كل ما قيل وتردد على خلفية انهيار الكتلة الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي السابق عن الوصول إلى نهاية التاريخ ونهاية ما هو اجتماعي في الأنظمة السياسية ونهاية الحروب في العالم أعيد النظر فيه بنهاية عقد التسعينات.
إن طموح هذا الكتاب يتمثل في تقديم أول عملية تأريخ شاملة بجوانبها المتعددة للعقد الأخير من القرن العشرين الذي شهد انهيار عالم قديم وبداية حقبة جديدة تتقاطع في إطارها الثقافة والسياسة والعولمة وتأكيد الخصوصيات.
المؤلف في سطور
 فرانسوا دوسيه هو مؤرخ فرنسي للأفكار يعمل أستاذا للثقافة الأميركية في جامعة نانتير بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس قدم العديد من الكتب في عدادها: «النظرية الفرنسية» و«العقد الماضي» ورواية تحت عنوان «بعيدا عن انحطاط العالم».

قد يعجبك ايضا