بوادر ثورة 26 سبتمبر المجيدة ضد الظلم والطغيان

محمد سالم شجاب

جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م تتويج لعدة ثورات وانتفاضات وتمردات شعبية ضد ظلم وطغيان الأئمة فعقب نكسة الثورة الأولى ثورة 1948م وسجن روادها وشبابها وتشريدهم وقتلهم ازداد العمل الوطني تحفزا وقوة وتماسكا فقد اكتشف الشعب أن له قضية واستشعر أن بإمكانه أن يقوم بالتغيير وبدأ العمل الوطني يتحرك من جديد ويهيئ لثورة أخرى فسجناء حجة كانوا يعملون من موقعهم وهناك مجموعة أخرى من الأحرار كانوا في عدن ومجموعة ثالثة كانوا خارج اليمن وكل مجموعة تعمل وتحرك العمل الوطني من موقعها.
وظلت الحركة تتنامى وتتفاعل يوما بعد يوم حتى تمكن المعارضون لحكم الإمامة من كسب ثقة الشعب وتعاطفه معهم ولم تمض سوى سبع سنوات على قيام الثورة الأولى حتى قامت الثورة الثانية في 1955م وقد اشترك فيها عنصر من الجيش وعنصر من القبائل ولم تستكمل الثورة عناصر تركيبها فأخمدت في مهدها ولحقت بأختها ولهذا لم يعلن معظم الأحرار تأييدهم لها حفاظا على كيان الحركة الوطنية وحفاظا على شبابها من القتل والتشريد لذا كانت خسائرها هنا أقل بكثير من خسائر ثورة 1948م.
ومن ثم لم يكن للشعر الوطني دور في الإشادة بها او بزعمائها أو في ابراز وجهها المشرق أو حتى في دوافعها.
بيد أن روح الثورة صارت مألوفة وسرت في قلوب المواطنين ودمائهم ومضت الحركة الوطنية في طريقها ترسم الخطط و تتجاوز العقبات الواحدة تلو الأخرى.
وتجلت بوادر الثورة في صورة انتفاضات شعبية ومظاهرات طلابية.
ففي أثناء سفر الإمام أحمد إلى روما للاستشفاء جرت انتفاضة شعبية عظيمة قطع الإمام رحلته العلاجية ورجع من روما مسرعا إلى البلاد ليقوم بإخماد هذه الانتفاضة ومن وحي ذلك التمرد الشعبي كتب الشاعر الاستاذ ابو الاحرار محمد محمود الزبيري قصيدة بعنوان (بوادر ثورة) قال فيها:
الملايين العطاش المشرئبة
بدأت تقتلع الطاغي وصحبه
سامها الحرمان دهرا لا يرى الغيث
إلا غيثه والسحب سحبه
لم تنل جرعة ماء دون أن
تتقاضاه بحرب أو بغضبه
ظمئت في قيده .. وهي ترى
أكله من دمها الغالي وشربه
هاهو الشعب صحا من خطبه
بينما الطغيان يستقبل خطبه

وعلى أثر ذلك التمرد قطع الإمام رحلته- كما قلنا- وعاد لاخماد التمرد ولم يكد يصل إلى الحديدة حتى تسابقت الجماهير لاستقباله وامتصاص غضبته .
وما أن وصل الموكب واستقر المقام بالإمام حتى أشرف على الجماهير المحتشدة وألقى خطبته النارية التي أرعد فيها وأبرق وتهدد بأنه سيهشم بمعوله انوفا متغطرسة فاسدة ويشدخ بصرامة رؤوسا هدامة وتحدى المناوئين له والذين تشير أصابع الاتهام أنهم كانوا وراء التمرد وقال:(هذا الفرس وهذا الميدان ومن كذب جرب) وهي عبارة مشهورة عن الإمام أحمد وكان لخطبته هذه دوي في صفوف المواطنين وانتشرت انتشار النار في الهشيم كما كان لها ردود فعل متباينة وقال فيها الشعر كلمته الصريحة فقد أنشأ الزبيري رحمه الله قصيدته المنبرية المشهورة بعنوان (خطبة الموت) والتي كانت رد فعل على تلك الخطبة وتحديا لمضمونها وتبدأ بهذا المطلع:
خطبة الموت فاسمعوها وطيروا
فرحا وأرقصوا لصوت المنيه
انتمو في استقبال موكب جزار
فمدوا رقابكم للتحية
صدئت مدية الإمام فاستمنح
ايطاليا مدى بابويه
أنهك الذبح سيفه فاتانا
بسيوف معارة أجنبية
والقصيدة سخرية لاذعة بهذا الموقف المشين الذي وقفه الإمام من شعبه.
وتلاحقت الأحداث الوطنية تترى فقد اعقب هذا الحادث وإعلان الإمام أحمد تحديه لإرادة الشعب في خطبته العنترية المشار إليها آنفا أعقبه حادث آخر أشد منه تأثيرا وهو حادث تمرد قبائل حاشد وبكيل وراح ضحيته مجموعة من رؤساء القبائل وعلى رأسهم الشيخ حسين الأحمر وابنه حميد الأحمر والشيخ ناجي الشايف أحد مشايخ الجوف وآخرون.
على أن الأحداث التي سبقت ثورة 26 سبتمبر 1962م كانت تمهيدا او تحضيرا لقيامها كان منها ما هو بتدبير ومباركة الحركة الوطنية ومنها ما كان تصرفات فردية وكلها أدلة على نقمة الشعب على حكم الإمامة وشوقه إلى التغيير.
وكان آخر تلك التحركات الوطنية المظاهرات الشبابية التي قام بها الطلاب في صفر سنة 1380هـ 1961م.
وهكذا جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م تتويجا لأعمال حركة وطنية اصلاحية شاملة امتدت على مدى ما يزيد على عشرين سنة سالت خلالها الدماء وتمزقت الاشلاء وسقطت في اثنائها قوافل من الضحايا ولهذا كانت هذه الثورة نقطة تحول في تاريخ اليمن المعاصر.

قد يعجبك ايضا