سؤال الهوية في شعر البردوني

علي أحمد عبد قاسم


يعد سؤال الهوية في هذه المرحلة سؤالا عصريا ملحا جاء بفعل السيطرة والاستحواذ الحضارة الحديثة التي تلتهم مقدرات الأمم وتحولها من أمم فاعلة مؤثرة إلى أمم تابعة مستسلمة ويأتي هذا السؤال بفعل الضعف والخفوت الحضاري للأمم والشعوب العربية والإسلامية وغيرها ـ ويأتي خوفا من موت الذاكرة الحضارية للأمة والتأثير الفاعل في غيرها خاصة وقد أمتلك الآخر وسائل حديثة ومتطورة محاولا طمس الهوية العربية ومكرسا لهويته وحضارته فضلا عن الاستغلال الاستعماري في الشعوب استغلالا وتبعية وتكريسا للضعف وليس الصراع مع الأخر ليس ظاهرة طارئة لكنها تمتد من مرحلة الضعف التي دبت في جسد الأمة بالتفكك والضعف للحضارة العربية الإسلامية واتضح أكثر منذ قال المتنبي في صف حال الأمة من خلال حكامها.
(أرانب لكنهم ملوك مفتحه عيونهم نيام) فهذه من الصرخات الأولى على ضعف الأمة وتراجعها وتجلت الصورة أكثر ـ من الوهلة الأولى للدخول الحملة الفرنسية مصر حيث حملت معها المراصد والمطابع لكنها تدوس المقدس بحوافر الخيل واتسعت الصورة إبان الاستعمار الأجنبي للوطن العربي والذي كان للأدب والفكر الدور الأكبر في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية ولكنه بلغ النضج حين أعلنت دولة إسرائيل عن أرض فلسطين فسجل (عمر أبو ريشة بقصيدته الرائعة التي مطلعها).
(أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم)

فالشاعر العربي والأدب منشغل بالهوية والخصوصية منذ القبيلة إلى الدولة والحزب والطائفة فالهوية والسمات المشتركة بوصفها كانت وما تزال مرتكزا رحبا لموضوعات الأدب والشعر عموما ويعد البردوني من أبرز الشعراء الذين حاولوا الانشغال بالذات والخصوصية ونفي الدخيل على الانتماء والسمات والقديم مدافعا عن الموروث مؤمنا بها كمرتكز للانطلاق والتجدد رافضا الزيف والخيانة والاستغلال والضعف أملا بالمستقبل ولعل أهم أهداف هذه القراءة
أبرز خطاب النص الشعري بدلالات الهوية التاريخية لمرتكز للانطلاق الحضاري وليس التوقف عنده فقط
قراءة الإشكاليات التي تعيق التجدد ألخضاري للإنسان اليمني والعربي.
قراءة بعض ملامح سمات الهوية كالتاريخ المدون والسمات والقواسم.
قراءة بعض الدلالات التي أفضت إلى تشظي الهوية العربية واليمنية
دلالات المعاناة والصراعات على تشظي الهوية.
قراءة بعض مجالات الصراع بين الأنا والأخرى.
محاولة استنتاج بعض النتائج العلاقة الأنا بالآخر والأنا بالأنا
اكتشاف الصورة للهوية الجماعية في ظل الضعف والقوة.
وسأبدأ بتعريف الهوية.. يقول الدكتور محمد عمارة الذي يقول: (قال” الجرجاني في تعريفهاتها أنها “(الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق) ويردف “جاءت في المعاجم الحديثة أنها حقيقة الشيء أو الشخصية المطلقة المشتملة على شعوب البلدان المفتوحة وانضمت إلى نسيج الجماعة العربية بالتعريب”().
ومن ذلك فإن الشخصية ذوبان للذات في الخصائص والقواسم كمثل البذرة التي تحمل صفات واتساع الشجرة والشتلة والسنبلة مما يفضي إلى علاقة ما بين الشخصية والمكان والرعاية فضلا من رؤية نوعية الأرض ومقدار العطاء المتبادل الخير والشر والذي يعود على الشخصية من الانتماء والرضا والتجذر والنهايات والحصاد مما يفضي العروبة نسيج ذائب واحد متوحدا فكرا ومصيرا ونص البرودوني يتحدث عن هذه القواسم.
إنا توحدنا هوى ومصائرا
وتلاقت الأحباب بالأحباب
أترى ديار العرب كيف تضافرت
فكأن(صنعاء) في دمشق روابي
وكأن مصر وسوريا ي مأرب
علم وفي صنعاء أعز قباب
لاقى الشقيق شقيقه فاسألهما
كيف التلاقي بعد طول غياب
دعني أغرد فالعروبة روضتي
ورحاب موطنها الكبير رحابي
فدمشق بستاني ومصر جداولي
وشعاب مكة مسرحي وشعابي
وسماء لبنان سماي وموردي
بردى ودجلة والفرات شرابي
وديار عمان دياري…. وأهلها
أهلي وأصحاب العراق صحابي
بل إخوتي ودم الرشيد يفور
في أعصابهم ويضج في أعصابي
وبذلك “تحولت العروبة بالمعنى الحضاري والفكري وليس بالمعني العنصري والعرقي إلى هوية للجماعة البشرية التي تعربت وأصبح ولاؤها وانتماؤها لكل ما هو عربي”.
ويؤكد النص القواسم للإنسان اليمني الذي يمتلك ملامح هوية مميزة وتحولت على عنصر فكري حضاري يمني ممتد ومميز وموحد رغم التعدد ووحدية الأنا العربية.
لاقيت فيك (بكيلا) (حاشدا) (عدنا)
ما كنت أن ألقى هنا بلدي
رأيت فيك بلادي كلها اجتمعت
كيف التقى التسعة المليون في جسد
ويأتي تعريف ثان للهوية يتمثل أنها ” ما يصمد من الإنسان عبر الزمن إذ تلازمه مكو

قد يعجبك ايضا