نحو عدالة ناجزة وإصلاح حقيقي

نجيب الرماح

لم تعد قضية السجون في اليمن شأناً إدارياً أو أمنياً فحسب، بل غدت اليوم جزءاً من معركة بناء الدولة، وتحديث مؤسسات العدالة، وتحرير القضاء من قيود البيروقراطية. فالاكتظاظ الخانق في السجون، وتأخير الفصل في القضايا، ومعاناة السجناء وأسرهم، جميعها كانت تشكّل تهديداً حقيقياً لسمعة القضاء وقدرته على أداء رسالته.

من هنا جاءت خطوة وزير العدل وحقوق الإنسان القاضي مجاهد أحمد عبدالله، بتوجيهه بناء توسعات عاجلة في إصلاحية السجن المركزي بأمانة العاصمة، تشمل قاعات محاكمة حديثة داخل السجن نفسه. وهي خطوة تبدو للوهلة الأولى مجرد توسعة إنشائية، لكنها في حقيقتها تمثل اللبنة الأولى لتشييد مقر محكمة جزائية متخصصة بالقضايا الجسيمة، وعلى رأسها قضايا القتل، بجوار السجن المركزي بالأمانة.

إن إقامة المحاكمات داخل السجن لم تعد خياراً ثانوياً، بل ضرورة عدلية وأمنية. فهي تختصر الوقت والإجراءات، وتخفف الأعباء المالية على الدولة، وتجنيب المخاطر التي ترافق نقل السجناء يومياً إلى المحاكم. كما أنها تعزز سرعة الفصل في القضايا، وتمنح القضاة مرونة أكبر في ممارسة مهامهم، وتُشعر النزلاء وأسرهم بأن العدالة قريبة المنال وليست حلماً بعيداً.

الأهم أن هذه الخطوة تحمل رسالة إنسانية واضحة: العدالة ليست سجناً ولا عقاباً فقط، بل هي إصلاح وتأهيل. ومن داخل السجون، حيث يختبر الإنسان ضعفه وأخطاؤه، تُصنع بداية جديدة عبر محاكم عادلة، قادرة على الفصل الحاسم في القضايا وحماية المجتمع من أي فراغ أمني أو عدلي.

لقد عانت السجون اليمنية خلال سنوات العدوان والحصار من ضغوط خانقة، ومع ذلك تمكنت الإدارة اليمنية من الصمود وإيجاد الحلول الممكنة. واليوم، تؤكد هذه المبادرة أن معركة بناء الدولة لا تُخاض فقط في جبهات الحرب أو ساحات السياسة، بل تُخاض أيضاً في قاعات القضاء ومؤسسات العدالة.

إن توسعة السجن المركزي بصنعاء، بما تتضمنه من إضافة مرافق وقاعات محاكمة متطورة، ليست غاية بحد ذاتها، وإنما مقدمة عملية لتأسيس محكمة جزائية كبرى متخصصة بالقضايا الجسيمة داخل مقر السجن المركزي بالأمانة. محكمة ستكون معنية بالفصل السريع والعادل في قضايا القتل والجرائم الخطيرة، بما يخفف الضغط على المحاكم التقليدية ويعزز الضمانات الأمنية في ذات الوقت.

وليس هذا النهج ابتكاراً يمنياً محضاً، بل هو ممارسة معمول بها في كثير من دول العالم، حيث تُنشأ المحاكم الخاصة بالجرائم الجسيمة داخل أو بجوار السجون المركزية، انطلاقاً من مبررات أمنية وعدلية واقتصادية. واليمن، بهذه الخطوة، يضع نفسه في مسار التجارب العالمية المتقدمة، مع الحفاظ على خصوصيته الوطنية واحتياجاته الواقعية.

إن ما بدأ بخطوة توسعة داخل السجن المركزي يجب أن يتحول إلى مشروع وطني شامل، يطال كافة السجون المركزية في مختلف المحافظات. بحيث يكون لكل سجن مركزي قاعات محاكمة ومحكمة متخصصة بالقضايا الجسيمة، وبذلك نكون أمام منظومة عدالة يمنية حديثة، راسخة في واقعها، متناغمة مع التجارب الدولية، ومحققة لطموحات الشعب في قضاء عادل، ناجز، وقادر على حماية المجتمع.

قد يعجبك ايضا