نجيب محفوظ ورواياته..¿
أحمد الأكوع

بدأ نجيب محفوظ حياته الروائية بثلاث روايات تاريخية هي: عبث الأقدار كفاح طيبة رادوبيس ثم انتقل من الروايات التاريخية إلى الروايات الاجتماعية التقليدية فتواكبت فيه نفسية الروائي وحسن المؤرخ لحركة الأحداث فكانت أغلب رواياته الاجتماعية تاريخ أحياء وبيوت لها بداية تعاكس النهاية أو تطابقها من مثل رواية زقاق المدق فهي تؤرخ لهذا الحي من انغماسة في تقليديته إلى عظيمه عند أول خروج إلى ضوء العصر وكرواية خان الخليلي فهي تؤرخ تطور حي كامل في حياة ثلاثة أبطال وستة أبطال ثانويين ثم تأتي رواية بداية ونهاية تؤرخ سيرة عائلة من موت الأب إلى سقوط الأبناء والبنات نتيجة نكبه موت ثم تتوج كل هذه الروايات الثلاثية بين القصرين قصر الشوق السكرية وهنا يتربع نجيب محفوظ قمة القمم فلا يكتب روائي عربي إلا على طريقته ويحسن نجيب محفوظ أنه قد استنفذ هذا الخط ولا بد من طريق جديد.. والدخول في طريق أصعب مغامرة وقد استهل هذا الخط بثبات رويات السمان والخريف اللص والكلاب الطريق وبعد نكسة حزيران يدخل المرحلة الرابعة يمد صوت العار من الأعماق إلى اللسان وأبدع في السنوات السبع الأخيرة مجموعة خمارة القط الأسود وتحت المظلة وحكاية بلا بداية ولا نهاية الجريمة ثم الكرنك حب تحت المطر وهي كما نرى خط فلسفي يبلغ القمة الفنية ولكي يرجع نجيب مع الواقع إلى منبع الأصالة فنراه يصدر ملحمة الخفافيش حاملة ملامح الثلاثية وقد تكون هذه الرواية بداية تحول نجيب محفوظ يحترم نفسه ويحترم مسئولية الكلمة وأنه تلقى جائزة نوبل عن إدارة واستحقاق لأنه يعبر تعبيرا صادقا لأن الكلمة هي الدليل على قائلها لا على من قيلت فيه.
حمار أبي العنبسي
قال المتوكل لأبي العنبسي أخبرني عن حمارك ووفاته وما كان من شعره في الرؤيا التي رأيتها قال نعم يا أمير المؤمنين كان أعقل من القضاة ولم يكن له جريرة ولا زلة فاعتل علة على غفلة فمات منها فرأيته فيما يرى النائم فقلت له: يا حماري ألم أبرد لك الماء وانق لك الشعير وأحسن إليك جهدي فلم مت على غفلة¿ وما خبرك ¿
قال نعم لما كان في اليوم الذي وقفت على فلان الصيدلاني تكلمه في كذا وكذا مرت بي اتان حسناء فرأيتها فأخذت بمجامع قلبي فعشقتها واشتد وجدي بها فمت كمدا متأسفا فقلت له يا حماري فهل قلت في ذلك شعرا¿ قال نعم وأنشدني:
هام قلبي بأتان
عند باب الصيدلاني
تيمتني يوم رحنا
بثناياها الحسان
وبخدين أسيلين كلون الشنقراني
فبها مت ولو عشت
إذا طال هواني
قال قلت: يا حماري فما الشنقراني¿ قال من غريب الحمير فطرب المتوكل وأمر الملهين والمغنين أن يغنوا ذلك اليوم بشعر الحمار وفرح في ذلك اليوم فرحا شديدا وسر سرورا لم ير مثله وزاد في تكرمه أبي العنبسي وجائزته.