غياب المكان
محمد المساح
غاب المكان عنه بمجرد الابتعاد خطوات لم يكن قد استدار حتى يلقي عليه النظرة الأخيرة ويتفرس في ملامح الأشياء المحيطة كان كل شيء قد غاب وأنمحى تماما وكأن ممحاة قد دخلت الخط وتطوعت تلقائيا من ذاتها وبدافع إسداء خدمة وحيدة وأخيرة لم تحاول الأشياء حينها المحيطة بالمكان أن تؤديها ولو من باب الشفقة على الأقل هكذا وجد نفسه يندفع بدون استدارة كما يفعل الناس وهم يودعون الأمكنة ذهب بعيدا.. وذاب في مدى النظر لا أحد في ذلك المكان الذي تركه وبلا رجعة وغادره غير آسف على شيء سوى حسرة ظلت تأكل كبده طوال ما كان ملتصقا في ذلك المكان اللعين حسرة انطفأت بمجرد الابتعاد بضع خطوات لم تخطها قدمه بل خطتها النفس لا تحس ولا تسمع ولا ترى في دورانها المعتاد الذي يغلي داخلها ولا يشاهد على سطحها تظل دوارة كالزمن.. الذي أحس به ذلك الإنسان الذي ذاب قبل لحيظات فقط في جحيم الأشياء حيث تبدت له في أوج جمالها وعنفوانها فانجذب بقوة المغناطيس نحوها يقتله الظمأ ويحرقه اللهيب.. فذاب في أتونها وانصهر في العمق ذرات دخلت في الدوران المعتاد للحياة.. بعاديتها الباردة ونظرتها الباردة.. الباردة جدا.