الصحافة في خطر فهل من مراجعة¿

مارب الورد


حال الصحافة هذه الأيام يرثى لها,أصبحت كثير ممن الممارسات الصحفية أقرب للتنجيم والشعوذة أكثر منها لتقديم الخبر المجرد والرأي والتحليل المستند لحقائق ومعطيات وليس لمزاعم من وحي خيال الصحفي.
من يطالع بعض الصحف اليومية أو الأسبوعية ويتابع المواقع الالكترونية يجد مخالفات وانتهاكات لقواعد المهنة وأبجديات العمل الصحفي تفقد الصحافة جزءا كبيرا من ثقة جمهورها وتؤثر سلبا على سمعتها كوسيلة لنقل المعلومة الصحيحة وتقديم التحليل المنطقي لهذا الحدث أو ذاك.
صحيح أن للحرية ثمنا وهو تجاوز حدود ممارسة حق التعبير عن الرأي والنشر وانتشار ما يعرف بصحافة الإثارة التي انضمت لها أنواع جديدة كثيرة من قبيل صحافة التنجيم والتجهيل نسبة إلى نسب معلوماتها إلى مصادر مجهولة.
لكن الصحيح أيضا أن سقف الحرية المرتفع لا يجيز التنصل عن مواثيق العمل الصحفي ولا يبرر التوظيف السياسي الخطير الذي يغيب الحقيقة ويقدم الرأي والموقف على انه معلومة صحيحة يتوجب التسليم بها وهو تضليل للقارئ وتجاوز غير مقبول.
ارتبط تطور الصحافة بسقف الحرية العالي كشأن أي مجال آخر يزدهر بوجود الحرية,وهذا ما يشجع على التنافس بين الصحف نفسها على خدمة القارئ بتقديم المحتوى التحريري الجيد الذي يعكس تطلعات واهتمامات الرأي العام.
إن مما شاع في الفترة الأخيرة في الصحافة المقروءة والالكترونية زيادة الأخبار المنسوبة لمصادر مجهولة هي في الأصل غير موجودة لكن الصحفي يلجأ إلى هذه الحيل الصحفية المشروعة في حالات الضرورة المعروفة من أجل تمرير ما يريد وهو يروي ما ينشر على لسان مصادر غير معروفة في أخبار عادية يفترض فيها أن لا يختفي من لهم علاقة بها سواء كانوا شهودا أو مصادر أخرى رسمية أو غير رسمية.
ودرجت بعض الصحف على اللجوء لهذا النوع من الأساليب لخلق أخبار سياسية مهمة ونسبها لمصدر أو مصادر رفيعة ولكنها مجهولة وهي في الحقيقة أخبار مفبركة في مطابخ معروفة لهدف محدد وثبت بالدليل كذبها وزيفها بل ولم تعد تنطلي على القارئ العادي الذي لا يعرف بديهيات العمل الصحفي.
وهذا النوع من الأخبار المفبركة جعل هذه الصحف تتخلى عن مهنيتها ومسؤولياتها الأخلاقية والوطنية والتاريخية وهذا ما تجلى بشكل واضح في تجاوزها في قضايا وطنية كبرى يفترض أن لا تنزلق إلى درك اختلاق الإشاعات والتضليل لمجرد الاختلاف السياسي والفكري على حساب المصلحة العامة.
تعاني الصحافة الورقية أيضا من مشاكل أخرى جعلت القارئ العادي يتوقع عناوين صفحاتها الأولى والداخلية وأبرز أخبارها وكيفية كتابتها قبل صدورها نتيجة خبرته بفبركاتها المفضوحة والمقيتة.
ولا يختلف الحال كثيرا عند الصحافة الالكترونية التي تتوالد بشكل متزايد ودون رقيب أو حسيب في ظل عدم وجود قانون ينظم عملها ويحدد شروط تراخيص انشاءها وفق معايير تعزز جودة الأداء المهني وليس الكم العددي.
لم تكتفö هذه المواقع الالكترونية بتجاوز الحدود المرسومة أو المفترضة لممارسة عملها,وإنما تعدته إلى حد طمس الحدود الفاصلة فيما يعرف بالسبق الصحفي والذي يكاد يختفي بسبب تداول نشر الخبر الذي يحمل انفرادا في أكثر من موقع بعد دقائق من نشره في موقعه الأصلي صاحب السبق ودون نسبه إليه احتراما لحقوق الملكية الفكرية وتقديرا لجهود الآخرين وهكذا يضيع أي جهد في غمرة تنافس وتسابق غير نزيه وغير مشروع.
الأخطر من هذا الاعتماد على الأخبار الاجتماعية المفبركة المرتبطة بحوادث اختطاف الفتيات أو الاغتصاب والمبالغة في الإكثار منها وبشكل يكاد يكون شبه يومي عند بعض المواقع ليس لأنها قد تكون موجودة في المجتمع وإنما من أجل زيادة عدد القراء واجتذاب جمهور على حساب قيم المهنة والأخلاق والمسؤولية الاجتماعية.
إن أي متابع مهتم له علاقة بالإعلام يستطيع أن يسجل ملاحظات كثيرة على أداء الصحافة بمختلف توجهاتها وتكمن الإشكالية في غياب جهات مهتمة بترشيد ونقد هذا الأداء وتقويمه عبر وسائل مختلفة كالندوات والمؤتمرات والتقارير الدورية وإلزام ناشري هذه الصحف بمواثيق شرف مهنية داخل الإطار الداخلي على أمل الحد من هذه التجاوزات والانتهاكات التي تسيء لهذه المهنة العريقة والراقية وأكثر من اساء لها هم الدخلاء الوافدون عليها من مجالات أخرى وخاصة من يعتبروها وسيلة للاسترزاق والربح وهم أصلا لا يعرفون ابجديات العمل فيها.

قد يعجبك ايضا