بين الواقع والمشهد المعقد

محمد العريقي


ما إن يحل الليل وتبدأ في متابعة الأخبار في القنوات الفضائية أو في قراءة الصحف التي أتيت بها صباحا وأجلت قراءتها إلى المساء ( في حال وجود التيار الكهربائي ) حتى تشعر أنك مقيم وسط معركة حامية الوطيس , وتعتقد أن الكل كحالك قابعون في منازلهم يسبحون في هموم المجهول .
واذا اعتبرت ما سمعت وما قرأت غير كاف لفضول التوتر والقلق , الذي نسعى اليه بكل حواسنا , فإننا نعمق هذا الوضع النفسي المتأزم بفتح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي , عندها بالفعل تتضخم حالة الخوف والا نجرار إلى دائرة الهم والغم والانسداد العقلي . وتدخل مرحلة التشبع بمشاعر اليأس والإحباط , وخاصة عندما تنقطع الكهرباء , ويبدأ ارتفاع ضجيج مولدات الكهرباء من حولك , وأجهزة الإضاءة الصينية التي شحنت بالتيار الكهربائي في وقت سابق تتراجع وتذبل وتنطفي , وبقايا الشموع تآكلت , ولم تجد من حل غير أن تطلب من الأطفال وسكان المنزل اللجو إلى النوم مبكرا , وتقنعهم أن هذا لصالحهم صحيا وذهنيا , وهذا ما كان متبع بالقرية .
أما أنت المثخن بمشاهد الأخبار والتحليلات والتعليقات التي تسمعها وتجبرك أن تشارك فيها في المقايل والمساجد والصالات , ومع ركاب الحافلات والباصات , ستجعلك منشغلا في رسم السيناريوهات , وقد تلاحقك تداعيات هذه الأمور بكوابيس مزعجة في منامك .
وعندما تستيقظ وتسمع أذان الفجر, وتنهض للصلاة , وتتجه لفتح نوافذ منزلك وتنظر للشارع , أو تخرج للاستمتاع بهدوء الصباح , ستجد انك كنت تعيش في واقع افتراضي , لا يعبر عن الواقع الحقيقي بكل أبعاده المتعددة , فستشاهد في المطعم والكافتيريا , والناس على المقاعد الداخلية والخارجية بانتظار الخبز والفول والخمير الدافئ , وأصحاب التكيسات والحافلات يجوبون الشوارع بحثا عن ركاب ,بعد قليل سيبدأ الطلاب والطالبات متجهين إلى مدارسهم , والمتاجر تفتح أبوابها وتتذكر أبيات الشعر للإمام الشافعي رضي الله عنه الذي يقول فيها :

دع الأيام تفعل ما تشاء ….. وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي ….. فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا ….. وشيمتك السماحة والوفاء

قد يقول قائل إن هذا وصف سطحي للواقع الذي نعيشه لأنه أعقد وأخطر, وأنا أتفق مع ذلك فهناك أزمات مستفحلة , هناك ازمه المشتقات النفطية , وما يترتب عليها من تعطيل للكثير من مصالح الناس وخاصة في القطاع الزراعي الذي يعتمد على مادة الديزل في ضخ المياه الجوفية للمزارع , وكذا للنقل , حتى ارتفع سعر وآيات الماء من ثلاثة آلاف ريال إلى خمسة آلاف , كما ان انطفاء التيار الكهربائي لأوقات طويلة يسبب مشكلة عويصة لدى أصحاب المهن المختلفة مثل المكتبات , ومحلات التصوير , والخياطة , وكل من يعتمد على الكهرباء , وانا شخصيا كتبت هذا المقال على ثلاث مراحل تقريبا , حتى أكملته بسبب انقطاع الكهرباء بين وقت وآخر , وهناك إقلاق أمني وتقطعات , ومعارك حربية يخوضها أبطال قواتنا المسلحة والأمن ضد عناصر الإرهاب والتخريب والخارجين عن النظام والقانون , وهناك نزوح وضحايا لمئات الأسر والأشخاص , ندرك حجم المعاناة الأليمة التي لحقت بهم , نتيجة هذه الأوضاع التي تسببت بها جماعات وأفراد ارتبطت بالشر , وهناك بطالة , وأمور كثيرة جعلت البلاد في وضع استثنائي , لكن المؤكد أيضا ان الشعب اليمني يتعامل مع هذا الوضع بكل صبر وتحمل , ممانعا لكل الأفكار والخطط التي تحاك لجره إلى دوامة الفوضاء والحروب الطاحنة والفتن الخبيثة والتي تؤدي إلى الانفلات التام والشامل , كما هو الحال في بعض الأقطار العربية .
إن مظاهر الحياة المتمسك بها الشعب اليمني رغم هذه الظروف الصعبة , هي الكفيلة بإفشال كل محاولة تمزيقه وتدميره , فمنذ 2011 , يقف بكل تتطلع إلى إنجاح كل الجهود الخيرة التي ستكفل له العيش بأمن وأمان وحرية وكرامة ويتفاعل معها بإيجابية , لتعزيز قواعد الدولة القوية , بأجهزتها المؤسسية الثابتة وإدارتها الفاعلة , وبقوى سياسية تمثل القدوة الحسنة , وبمجتمع مدني يحترم النظام والقانون , مقابل ذلك على هذا الشعب أن يدرك أنه مطلوب منه مزيد من التماسك , وعدم الانسياق لمتاهات السياسة ,والشائعات , فهي التي سرقت الوقت وأهدرت الإمكانيات ,وعليه أن يثق بأن المسافة تقترب نحو الأفضل إن شاء الله , فلجنة الدستور تعمل على قدم وساق , وهي حصيلة مهمة من مخرجات الحوار الوطني , والاستفتاء عليه سيتم , مهما كانت الإرهاصات , وستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية , وكل ذلك سيتحقق طالما الملايين من أبناء هذا الوطن سيظلون يرددون ( ربنا يلطف بالبلاد).

قد يعجبك ايضا