mibrahim734777818@gmail.com
من اليتم إلى جيش البادية الحضرمية إلى إخلاص العمل السياسي القومي العربي إذ صار الشاب النحيل الجسد والمتداعي الملامح من جور المعاناة أبرز أعضاء حركة القوميين العرب وشاهداٍ حياٍ على الاستقلال ومسار المد الثوري الوحدوي بين تعز وصنعاء وعدن وصولاٍ إلى مقاليد العمل الأمني ومدير أمن حضرموت في السبعينات ليغلق ملفاٍ عالقاٍ بتهمة قيدت ضد مجهول باعترافه بأنه هو المجهول والمسؤول الرئيسي في قضية تهريب منشورات وتعاميم من عدن إلى حضرموت للجبهة القومية في 64م أثناء احتدام معارك الكفاح المسلح ضد المستعمر..
إنه القيادي العسكري والسياسي القومي اللواء خالد أبو بكر با راس.. مثقفا وأديباٍ ومؤلفاٍ أيضاٍ.. وصاحب رؤية تنضح بالتجربة الحياتية فلا يبالغ في ما أنجز ولا حجم عن الاعتراف بأخطائه فعنده من الشجاعة ما يكفي لأن يقرأ الماضي بحيادية وينظر إلى المستقبل بتفاؤل محاربُ أدرك الكر واستفاد من عثرات الفر ..
في حوار الذكريات سجلت صحيفة الثورة تفاصيل من زوايا مظلمة عن تاريخ المد الوحدوي المعاصر ومستوى تنامي ضرورة الوحدة بعد أن استفحل الشتات بفعل السياسية الاستعمارية والصراع اليمني اليمني ولم يغفل الإشارات الدقيقة لبعض مشاريع الوحدة التي طرحت قبل الاستقلال وعوامل تثبيط ركبها الوحدوي ……………………………… إلى الجزء الأول من هذا الحوار الذكرياتي..
* قبل الخوض في تفاصيل رؤاكم حول مْجúمِل الملفات اليمنية ومسيرة كفاح اليمنيين لتحقيق وحدتهم الغالية.. طالعت في بعض الحوارات السابقة شيئاٍ من حياة اليتم والمعاناة التي عاشها اللواء خالد باراس.. وما لفت انتباهي هو أنك حين تقدمت للتجنيد رْفضت بحجة نحول بنيتك الجسدية.. فهلا عدت بنا إلى العام 1956م حيث قصة رفض المستعمر لقبولك ضمن جيش البادية وظروف الحياة حينها¿
– بداية أحيي صحيفة (الثورة) الغراء وأهنئ الشعب اليمني بمناسبة الذكرى الـ (24) للوحدة المباركة.. وعودة إلى قصة التجنيد التي كانت أولى خطواتي في حياتي العسكرية والسياسية أتذِكر أن عْمúري كان في الرابعة عشرة وكْنúتْ حينها في القرية وحيداٍ بعدما توفيت والدتي وأختي التي كانت تكبرني أما والدي فقد توفي وأنا في بطن أمي.. هذه الحالة التي كنت أعيشها وكانت ظروف الحياة قاسية جداٍ فلجأت إلى أخي في المكلا فاتفقنا أن ألتحق بجيش البادية الحضرمية وكان ذلك في بداية أكتوبر (1956م).. وكنت نحيل الجسم. وشكلي العام والملبس يدل على أني في حالة سيئة من سوء التغذية وكان الجيش البريطاني قد شكل لجنة لتشكيل سرية جديدة مشاة من الشباب إلى جانب سرايا وكتائب جيش البادية بحضرموت وكان في اللجنة المكونة طبعاٍ من العسكريين أحد الضباط الذين يعرفون أسرتي والحال التي أنا فيها, فهو من القرية وتربطنا قرابة فهو ابن عمي وهو عسكري قديم فأدخلني ضمن المجموعة التي ستخضع لاختيار قبول ومواصفات يشرف عليها ضابط بريطاني رآني حتى غير نبرة صوته قائلاٍ: هذا لا يقبل فهو غير مناسب وعليه أن يرجع إلى أمه لتعطيه اللبن.. ولم أكن حينها قصيراٍ, بل كنت طويل الجسم نحيلا ما يعكس أني كبير في السن لكن مظهري يوحي بأن عندي سوء تغذية حسب قول الضابط البريطاني..
* هل تتذكر اسم قائد السرية الذي كان يعرفك.. ¿ وماذا عمل لقبولك¿
– نعم أتذكره وهو ملازم أول أحمد عبد الله نوح با رشيد ولأن هذا القائد العسكري والسياسي- الذي تعمر أكثر من 100 عام- يعرفني قال للقائد البريطاني نعطيه هذه الفرصة وسيتغذى وسيعجبك فرفض الضابط البريطاني لكن با رشيد أصر على أن يدخلني التجنيد وكان يحرص أن أكون في الصفوف الخلفية أثناء التدريب الميداني وكنت أرابط عند المطبخ وكنت آكل وجبتين وجبتي ووجبة الزميل الذي يغيب في بعض الأحيان فارتحت وتحسنت حالتي, وبعدها أمرني الضابط أن ألبس ملابس جديدة وأن أعتني بمظهري ومرت (5) أشهر وأنا متخف وصادف أن وجدني الضابط البريطاني الذي رفضني وأنا في السرية, وكان برنامجنا هو القراءة غيباٍ وعن ظهر قلب قانون جيش البادية كنت واقفا أقرأ وبقية المجموعة جالسين رآني هذا البريطاني وعرفني ومن خوفي سكت في انتظار أن يطردني.. لكني فوجئت بأمره : واصل القراءة يا جندي جيش البادية.. فارتحت وآمنت وظهرت من لحظتها في مقدمة الصفوف..
جيش البادية
* جيش البادية حينها كان يتبع السلطنات الحضرمية أم يتبع المستعمر¿
– جيش البادية كان هو القوة العسكرية بحضرموت وهو من أبناء حضرموت لكن كانت قياداته من البريطانيين ويخضع للمستشار البريطاني المقيم في حضرموت ويتبع إدارياٍ المندوب السامي في عدن وجيش البادية الحضرمية كان مخصصاٍ للمنطقة الشرقية من الجنوب اليمني والتي تتكون من سلطنة “الواحدي” و”القعيطي” و”الكثيري” وهي التي تسمى حالياٍ إقليم حضرموت باستثناء بعض المديريات التي أضيفت إدارياٍ إلى شبوة في مراحل الدولة اليمنية المعاصرة..
* ماذا مثلت لك مرحلة جيش البادية..¿ وكيف انتقلت للعمل السياسي¿
– مرحلة دخولي جيش البداية مثلث انطلاقتي الأولى للحياة العسكرية والسياسية والقومية فقد حصلت على أول ترقية في1959م بعد أن حزت على الترتيب الثاني في السرية في التدريبات العسكرية ومنها الرماية وكانت ترقيتي أنني أصبحت عامل لاسلكي أو ما تسمى “بالمورش” الإشارة ذلك الوقت وكانت مهنة راقية حينها.. وكانت هذه المرحلة هي الفرصة التي كونتú لدي رصيدا من الثقافة والاطلاع من خلال قراءة الشعر والأدب وما يصلني من بعض المجلات والصحف وخلال سنتين تعرفت على كثير من الأدباء والمثقفين أبرزهم المثقف الكبير عبدالله علي باسودان وهو الآن في جدة والمثقف والشاعر الكبير صالح محمد الديني رحمه الله وقد اختفى في السبعينيات أيام الصراع والتصفيات.. كما أن مرحلة عملي في محطة اللاسلكي ما أتاح لي فرصة الانطلاق السياسي حيث كونت نسيجاٍ من العلاقات الواسعة وأتذكر أنني كنت في محطة اللاسلكي الموجودة في السلطنة الكثيرية في سيئون وكانت تحت إشراف المستشار البريطاني..
علاقة قديمة بالبيض
* على الصعيد السياسي والقومي .. يذكر البعض أنك ارتبطت بعلي سالم البيض من وقت مبكر.. كيف بدأت علاقتك بالبيض¿
– العلاقة بدأت بصدفة عابرة فقد التقينا والبيض لأول مرة في سيئون أثناء عملي في محطة اللاسلكي وقد أتى إلى سيئون ليقضي فترة التطبيق على المعدات الزراعية كمهندس تخرج من المعهد الفني بعدن وكان في سيئون مشروع كبير للمعدات الزراعية فتعارفنا وتواصلت بيننا المعرفة والثقة وكان قد التحق بحركة القوميين العرب فكاشفني أنه عضو في حركة جديدة وهي تتكون الآن في حضرموت وخلال الأيام القادمة سيتم تأسيس قيادتها فإذا كان عندي استعداد فعلي الموافقة فوافقت نظراٍ لقراءتي ومعرفتي بأشياء عن المسار القومي العربي ودخلت الحركة وكنت عضواٍ مخلصاٍ فيها وظلت العلاقة مع البيض في تنامُ على مدى العقود التي تلت تلك الفترة أي 1961م وما بعدها..
ثورة 26 سبتمبر
* في 1962م حدثت في صنعاء ثورة السادس والعشرين من سبتمبر .. كيف سمعت بها¿
– كنت حينها عضواٍ في اتحاد القومين العرب وكنا مجموعة من الجند نعمل في عقبة تشرف على وادي دوعن مهمتنا في الوادي أن تبلغ المكلا بعد أن نسعف المصابين من الحوادث المرورية في هذه العقبة الكبيرة التي كانت مشهورة بالحوادث.. وكنت عندما ينتهي الدوام أحول اللاسلكي إلى راديو ولمدة ساعة كنت افتح إذاعة صوت العرب لأقيس الجند الحضور وإمكانية ضمهم إلى حركة القوميين العرب ولكني لم أنجح إلا بضم سائق السيارة الذي كان يقرأ كثيراٍ..
أهم ما في الأمر أننا في الليلة التي أعقبت ثورة 26 سبتمبر تقريباٍ سمعنا الخبر والتفاصيل وتصريحات حول الثورة اليمنية على الملكية بصنعاء من إذاعة صوت العرب وكان الخبر ملفتا لكنه لم يكن بالأهمية لدينا خصوصاٍ والكل يجهل ما في صنعاء في ذلك الزمن المعروف بالانغلاق والشتات.
النفسْ الوحدوي
* في مطلع الستينيات كيف كانت حياة الناس في حضرموت في ما يتعلق بثقافة الوحدة والحلم بيمن موحد¿
-كانت حياة العامة ونظرتهم تجاه شيء اسمه الوحدة اليمنية غائبة جداٍ نظراٍ لغياب التواصل وقلة التعليم وجهل الناس أصلاٍ باليمن كهوية واحدة.. ووحدهم المثقفون كانوا يعيشون النفس والوجدان الوحدوي لاطلاعهم وعلاقاتهم ومعرفتهم التاريخية.
وما أتذكره من تلك الفترة بخصوص اليمن أننا كنا نقول لمن سافر من حضرموت إلى (أحور) بأبين فلان سافر اليمن وهذا ما كان يعرف حينها.. لكن ذلك لا ينفي تجذْر العلاقة بين أبناء حضرموت كيمنيين مع كل أجزاء اليمن وأبناء المناطق اليمنية الأخرى بحضرموت وعبر التاريخ.
* وأنت حينها في حركة القوميين العرب وقارئ جيد.. كيف كنت تنظر إلى مشروع الوحدة اليمنية ¿
– كنت كعضواٍ في حركة القوميين العرب لا أنظر لشيء اسمه الوحدة اليمنية فهذا أمر مفروغ منه بعد تحقيق الاستقلال من الاستبداد والاستعمار فاليمن في نظري ليست سوى جزء بسيط وبعد استقلالها سنحرر الجزيرة العربية ونحقق الوحدة العربية العظمى وسنصبح إمبراطورية العرب الكبرى.. لكن بعد مرور الأحداث في البقاع اليمنية اتضحت خيوط العلاقة المتصلة بالهوية اليمنية من خلال تأْثر أبناء اليمن شماله وجنوبه بتلك الأحداث.
التدريب في تعز
* في 64م ذهبت إلى تعز في مهمة عسكرية في صالة.. ما نوع المهمة ¿ ولماذا تعز¿
– كانت المهمة تدريبية ذات وجهين الأول كانت ضمن جيش البادية الذي يبتعث أفراده للتدريب في عدن أو تعز والوجه الثاني كان ثمة عمل سياسي نقوم به كحركة القوميين العرب لمنتسبيها السريين المتواجديين في مرافق مختلفة من تشكيلات..
أما لماذا تعز فتعز تحولت إلى محطة قومية بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر واندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر فكانت مركزاٍ للتدريب لأبناء اليمن الشماليين المقاومين لفلول الملكية ولأبناء اليمن الجنوبيين المواصلين كفاحهم المسلح لطرد المستعمر وكانت هذه المحطة ذات تأثير كبير في إيقاظ المد الثوري الوحدوي اليمني كون الكل شاركوا في الدفاع عن سبتمبر وفي مواصلة ثورة أكتوبر حتى الاستقلال.
ناهيك عن كون تعز كانت المركز العسكري والتدريبي المدعوم من الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر مباشرة وقد تجلى ذلك من خلال زيارته لها في وخطبته الشهيرة التي أقلقت المستعمر في عام 1965م..
العودة إلى عدن
* بعد التدريب في تعز.. أين ذهبت¿
– تدربت في تعز شهراٍ ونصف الشهر وعدت في بداية نوفمبر إلى عدن والتقيت بالقائد العسكري محمد صالح عولقي.. وذهبناٍ سوياٍ للالتقاء بعبد الفتاح اسماعيل – رحمهما الله – في المنصورة وهناك ناقشنا مواضيع التواصل في ما بيننا وما الذي يجب عمله وإعداده من الأسلحة والمتفجرات لمواصلة الكفاح المسلح الذي بدأ بثورة 14 أكتوبر 1963م بصفتي مسؤول الجبهة القومية في حضرموت لأصير حينها مسئولاٍ عن تمرير هذه المعدات والمتفجرات إلى أفراد الجبهة القومية وعندما عدت من عدن بالطائرة كان عندي مجموعة منشورات وتعاميم الجبهة القومية لقراءتها في حضرموت والاطلاع عليها وكان من الصعب تمريرها فاشتريت كرتون فواكه وعملت المنشورات تحت طبقة كرتونية أسفل الكرتون والفواكه من أعلى وهي تفاح وبرتقال وأعطيت شخصاٍ في المطار يكتب اسم فلان .. على الكرتون بحجة أني لا أقرأ حتى استطيع القول إذا اكتشف أمري هو مرسل معي من عدن لفلان مررت من مطار عدن بسلام.. وتم اكتشاف المنشورات في مطار سيئون (الريان)..
* هل تتذكر الشخص الذي كتبت اسمه على الكرتون.. ¿ وكيف تم اكتشاف المنشورات.. ¿
– نعم أتذكر فقد اخترت شخصية كانت بارزة اسمها أحمد عبد الكريم الجاوي كان مساعد المستشار البريطاني.. أما كيف اْكتشف الكرتون فقصته طويلة.. لكن خلاصتها أن التهريب للحشيش والمخدرات كان منتشرا حينها وقد تم كشف حالات كثيرة ومع أشخاص ليسوا بدواٍ ولا أصحاب زي يمني معروف بل شخصيات مدنية معروفة وشباب أغلبهم يلبسون بنطلونات.. ولسوء حظي أني كنت يومها لابس بنطلون ومظهري مدني مثقف – حسب حكي الضابط بعد سنوات من الحادثة من اكتشاف المنشورات في الكرتون– وصلت عند الضابط المسؤول عن الحشيش في مطار الريان فرأى هذه الملامح فأوقفني بعد أن شك في مظهري وفتش الكرتون حتى وصل عند المنشورات ولكن لحسن حظي أنهم لم يعيدوني إلى عدن بل أخذوني إلى الاحتجاز في الشرطة بسيئون فحققوا معي وكانت إجابتي أني أسمع عن مساعد المستشار البريطاني بحضرموت فقابلني أبوه في مطار عدن وقالي لي هل تعرف فلان (اسم مساعد المستشار) فقلت: هذا مسؤول عندنا. فقال: أنا والده أوصل هذا الكرتون الفواكه إليه. ففرحت أن أسدي له خدمة وأتعرف عليه.. فطلبوا المستشار ولما رآني استغرب قال أنا لا أعرف أحد ليبعث هدية من عدن ووالدي ليس في عدن فهو مهاجر من زمن بعيد.. وكان يقول لي: ( أنا أيش سويت بك يا أخي..¿. لماذا اخترت هذا الشخص فقط..¿).. فأجبت عليه أنا لا أعرفك وأنما أسمع عنك ففرحت أن أتجمل بخدمتك..
* لماذا اخترت هذا الشخص بالذات ¿
– فكرت في الاسم كثيراٍ فقلت لو أضع اسم إنسان بسيط سأجلب بلية على رأسه لا يقدر دفعها وقد أتورط بظلمه إذا كشف الأمر وقد يورط هو بريء ومسكين.. فاخترت هذا الشخص لعلمي أن عنده القدرة على الدفاع عن نفسه وسيدفع عني الجريمة إذ سيتضح للجميع أني تورطت وأن أحدا انتحل صفة والد مساعد المستشار غير الموجود أصلاٍ ليورطني وإياه.. وبهذا ضاعت التهمة واحتجزت 15 سنة وظلت القضية معلقة حتى أنهيتها بعد سنوات حيث تعينت مديراٍ لأمن حضرموت بعد الاستقلال وأثناء زيارتي لقسم الشرطة بسيئون أخبرني مديره أن ثمة ملفاٍ معلقاٍ باسمي في تهمة لم تثبت إدانتي فيها فتم إلغاء الملف.. وكنت ناسياٍ للقضية نهائيا وحين رأيت الملف والأسئلة.. وتذكرتها جيدا سجلت اعترافي بمسؤوليتي عن الكرتون ولذلك أريد إنهاء هذه القضية باعترافي.
الاستقلال والوحدة
* حتى لا نتوه كثيراٍ في تفاصيل الكفاح المسلح وواحدية الثورتين… السؤال الأهم هو لماذا لم تتحقق الوحدة اليمنية بعد الاستقلال.. ¿
– في تقديري ورأيي.. الحمد لله أنها لم تتم في ذلك التاريخ فلو تمت في ذلك الوقت لانتهت بعد عام نظرا للصراعات التي تفجرت بعد 67م ونظرا لعدم الفهم الكامل لمعطيات الوحدة اجتماعيا وسياسيا وفكريا وثقافيا إذ كان الكل في دوامة من الصراع.
* مقاطعاٍ- لكن مسألة الوحدة كانت مطروحة حينها.. فماذا تغير¿ وماذا تتذكر من قضية طرح مشروع الوحدة قبل الاستقلال¿
-كان الثابت في أوساط النخب اليمنية هو الحلم الوحدوي لكن لم تكن الرؤية واضحة لملامح الواقع وإمكانية ملائمته لتحقيق هذا الحلم فلم يكن ملائما وكان المتغير في مسار العمل السياسي هو احتدام الصراع وانشطار الحركة الوطنية..
أما أبرز الذين طرحوا قضية الوحدة بشجاعة فكانوا كثيرين وأتذكر أنه قبل الاستقلال بأسبوع أننا اجتمعنا في حضرموت لنقاش موضوع الأسماء التي ستفاوض في جنيف على استلام السلطة كنا في الاجتماع وكان جنبي الفقيد العزيز فيصل علي العطاس رحمه الله – فكان يهمس في أذني في الجلسة لماذا يا باراس نشكل وفداٍ من الجبهة القومية يذهب إلى جنيف للتفاوض.. خلاص نتصل بالإخوة في صنعاء يشكلون وفداٍ يمنياٍ مختلطاٍ من كل الأطياف اليمنية ويذهب إلى جنيف لاستلام قرار الاستقلال واستلام مقاليد الحكم.
* بماذا رديت عليه¿
– قلت له: أخي فيصل.. هل تتحدث بعقل ¿.. هذا لن يكون مقبولاٍ.
* مما كانت تنطلق هذه الإجابة¿
– لم تكن هذه الإجابة تنطلق من رفض شخصي للوحدة بل كانت تنطلق من الإحاطة بالجو العام فالناس لا يفكرون هذا التفكير وإن كان صائبا فنحن نعيش في وسط الشعب ونعيش مرحلة صراع وكانت الفكرة عند العطاس أن نتعاطى مع حدث الاستقلال تعاطيا وحدويا أي تعلن الوحدة قبل الاستقلال… وكان أول من اختلف معه هو خاله عبدالرحمن الدِحم واصفاٍ هذه الفكرة بالجنونية.. وكان فيصل وحدويا يمنيا وشجاعا وسياسيا كبيرا.
لكنه بعد حرب صيف 1994م أصبح انفصاليا معتبرا أن الوحدة مجازفة غير مدروسة لما شاب الوحدة من تعاط لا مسؤول مع شركاء الوحدة أنفسهم.