عقبة في وجه الاصطفاف الوطني

فتحي الشرماني


في هذه المرحلة من عمر التاريخ اليمني تأتي الحاجة الملحة إلى الاصطفاف الوطني في إنجاح كل المشاريع والاستراتيجيات والاستحقاقات الوطنية المطلوبة لتعافي الوطن وتحقيق نموه وازدهاره, فمع هذا الاصطفاف تسهل كل المهام الصعبة ويصل اليمنيون إلى ما يريدون, وقد رأينا في محطات كثيرة من هذه المرحلة الانتقالية أن الاصطفاف الوطني المترجم للإرادة الشعبية الجامعة كان عاملا حاسما في تحقيق كثير من النجاحات اليمنية التي تؤسس لمستقبل سياسي فاعل, فنحن لا يمكن أن نغض الطرف عن جمالية الإجماع الشعبي والاصطفاف لإنجاز استحقاق الانتخابات الرئاسية في 21 فبراير 2012م, وكذا جمالية التأييد والاصطفاف خلف القيادة السياسية المنتخبة لتشكيل حكومة توافقية, ثم تواتر هذا الاصطفاف للبدء في عملية هيكلة الجيش, وصولا إلى خوض كل القوى الوطنية تجربة حوار وطني شامل خرج بمقررات توافقية لا نزال ننتظر تحويلها إلى واقع ملموس.
أصل من كل هذا إلى القول: إن الوطن وما بقي من متطلبات المرحلة لا يزال بحاجة إلى تلك الفاعلية الوطنية المتمثلة باصطفاف كل القوى الوطنية على الرغم من تناقضاتها وتعدد مشاربها, وأيضا اصطفاف كل الفئات والشرائح والمكونات الاجتماعية فالنقلات تتحقق مع هذا الاصطفاف وتبلغ الأهداف مداها المرسوم.
وعليه فلا ينبغي أن تسلمنا هذه الآونة إلى حالة من انفضاض عقد هذا الاصطفاف تتحول بها الهموم والقضايا الوطنية إلى مجال للمهاترات والمكايدات وشن الحملات الإعلامية التي لا تعمق هوة الخلاف فحسب, وإنما تقضي على روح التلاحم والاصطفاف الوطني المرجو لإخراج هذا الوطن إلى بر الأمان.
لا بد أن تسكت آلة الإعلام وتكف عن الاستمرار في إحداث صدع في جدار الوطن تنقسم بموجبه الإرادة اليمنية إلى إرادتين متناقضتين, كما هو جار اليوم حين نجد الإعلام يصر على إشغال الجمهور بثنائية (مواجهة الإرهاب أو التعاطف معه), يشغله ذلك بدلا عن العمل على تكوين رأي عام واصطفاف شعبي وتلاحم وطني لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية المزروعة لإعاقة اليمنيين عن الانطلاق صوب الاستقرار والنهوض.
أقصد بذلك أن سلبية الأداء الإعلامي اليوم تتمثل في هيمنة ثقافة الفرز والاستعداء ولي أعناق الحقائق وتكريس سلبية الآخر في الوقت الذي ينبغي أن تهيمن ثقافة الانسجام والتآزر وجمع الكلمة.
وليس من شك في أن هذا الأداء الإعلامي يسير باتجاه معاكس لما تقتضيه حالة التوافق السياسي, كما أنه ليس من صالح الوطن أن يظل هذا التوافق عرضة للمكايدات الحزبية والمناورات السياسية التي يحتفي بها الإعلام, لاسيما أننا بانتظار تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل, وهذا التنفيذ أحوج ما يكون إلى الاصطفاف الوطني لإنجاحه بذلك المستوى من التلاحم والزخم الشعبي الذي وجدناه في محطات سابقة من عمر التسوية السياسية الحالية في اليمن.

قد يعجبك ايضا