عبد الرحمن مراد غربة الفارس بين الحمارة

علوان الجيلاني

ليس سهلا الدخول إلى عوالم كاتب بحجم عبد الرحمن مراد لاتساع تلك العوالم أولا ..ولتشابكها ثانيا ..ولوعورتها وتعدد مسالكها ..ثم لعذريتها وبكارة مداخلها التي لم يطرقها قلم من قبل. عبد الرحمن مراد ..واحد من أهم الشعراء والكتاب في المشهد الثقافي اليمني ..كما أنه واحد من أهم الحاضرين فيه …لكنه من أكثر مظلوميه إن لم يكن أكثرهم على الإطلاق . ولعلي –أنا شخصيا- واحد ممن ظلموه وتحملوا معرة السكوت والغفلة عن منجزه الإبداعي والنقدي وفاعليته في الفكرالسياسي….فعلى وفرة ما كتبت عن المشهد الثقافي اليمني نقدا وشخصيات ودراسات ثقافية وشهادات ومثاقفات واعتمالات مختلفة لم يسبق لي أن كتبت عن عبد الرحمن مراد لا بوصفه شاعرا ولا بوصفه ناقدا أوصاحب باع طويل في النقد الثقافي السياسي ..أو حتى بوصفه إنسانا ..تجمعني به ميول مشتركة على البعد لسنوات طويلة ..وتربطني به صداقة متينة وصحبة شبه يومية منذ انتقاله إلى صنعاء قبل سنتين .. وما زلت منذ صدر كتابي ( أصوات متجاورة ) نهاية عام 2010م وهو الكتاب الذي قاربت فيه تجارب عشرات الشعراء والشاعرات من الجيل التسعيني أعتذر لعبد الرحمن مراد كلما جئنا على سيرة الكتاب لخلوه من أي إشارة له حتى ولو مجرد ذكره بالاسم .. لقد قطع عبد الرحمن مراد مسافات طويلة في دروب الثقافة والإبداع والكتابة بمختلف أجناسها..وهي رحلة تمتد لما يقرب من ثلاثين عاما نستطيع اعتبار الفترة الأولى التي تمتد من 1984 إلى عام 1994م فترة تكوين ازدحمت بفضول محتدم للتعرف على العالم من خلال الكتاب الذي تنوعت مصادره وتعددت مشاربه لتسهم منذ البداية في التأسيس لمعرفة تنحو نحو التنوع والشمول ..وقد تخللت تلك المرحلة اشتباكات عاشقة مع الحرف محاولة لامتلاكه وسعيا للتبازغ منه ..فكانت الكتابات الأولى بما فيها الشعر كما كانت المحاولات الأولى للنشر … المرحلة الثانية امتدت من عام 1994م إلى عام 1999م . واختصت بالبحث عن أسلوب خاص في الكتابة ورأي خاص في الإبداع والحياة بشكل عام وفي نهاية هذه المرحلة بدأ اسم عبد الرحمن يتردد في مقايل العاصمة صنعاء ..ويتكرر ذكره على ألسنة المتثاقفين فيها وكان نصه اللافت ( سوزان) الذي احتفى بنشره الشاعر والناقد الكبير عبد الودود سيف في صحيفة البريد الأدبي سنة 1998م ذروة تلك المرحلة . أما مرحلته الثالثة فهي مرحلة النضج والحصاد الذي عبرت عنه تسعة كتب توالت إصداراتها من سنة 2001إلى 2010م وكان تواليها كالتالي : وقوف على أطلال الفجر ( مجموعة شعرية) 2001م البردوني ناقدا ومفكرا ( نقد ثقافي )2004م قلبي على وطني (مجموعة شعرية) 2004م مسافة الأحزان (نصوص شعرية غنائية ) 2004م قراءة في سفر الأقيال (مجموعة شعرية )2005م وجهي والجدار(مجموعة شعرية ) 2008م وطني غائب كأبي ( مجموعة شعرية )2008م الهزيمة ( نصان مسرحيان) 2008م صورة الوطن في المنجز الشعري اليمني (دراسات نقدية ) 2010 م وهو بطبيعة الحال كمعظم الكتاب اليمنيين لا يطبع الكتاب بمجرد انجازه ..بل بحسب الظروف التي قد تتيح له ذلك أولا تتيحه فقد يــتأخر ظهور الكتاب بعد انجازه سنوات وسنوات ..لذلك فإن لدى هذا الكاتب الدؤوب مما لم يستطع نشره في الفترة المشار إليها ومما أنجزه بعدها في السنوات الأربع الأخيرة عددا وافرا من الكتب منها ( الفضول شاعرا ومجددا) ( الربيع العربي دم وعواصف) ( من اللاإستقرار إلى اللا استقرار –قراءة في مفردات الصراع اليمني- ) وغيرها وغيرها … أمام هذا الكم الهائل من الدراسات الثقافية والنقدية والابداعات الشعرية والمسرحية سيفاجئنا السؤال الذي لا بد منه : ما سر الصمت الذي تواجه به أعمال هذا الكاتب من قبل النقاد ولماذا هو بالذات ¿ ولكن الإجابة ليست صعبة كما قد يتبادر إلى الذهن ..خاصة عند من يقنعون بالنظرة السطحية والقراءات السهلة العابرة .. لقد وقع عبد الرحمن مراد ضحية لمجموعة من العوامل ساهمت في تجاهل أقلام النقاد والكتابات المختلفة لتجربته وإسهاماته المميزة في حياتنا الإبداعية والثقافية لما يزيد عن عشرين عاما . أول تلك العوامل عامل الجغرافيا ..فقد كان اختياره البقاء في مدينة حجة وممارسته لدوره الإبداعي واشتغالاته النقدية من هناك عاملا مهما باتجاه تجاهل تجربته في بلد يسـتأثر المركز وساكنوه بالإهتمام كله ولايبقى للهوامش إلا الفتات.. وهذا عيب يبدأ من مشاريع البنى التحتية والتعليم والصحة والخدمات والمناصب والامتيازات الكثيرة وينتهي بأقلام النقاد والكتاب والصحف والمجلات والمنابر الثقافية والاجهزة الاعلامية ..ولا يفلت فيه من دائرة التهميش إلا من يكسرون الحواجز بجهود ذاتية محضة .. لقد أنجز مراد بوصفه مثقفا وكاتبا حقيقيا مجموعة أعماله التي ذكرناها سابقا وكان ينشرها بالمراسلة في عدد كبير من الصحف والمجلات والدوريات اليمنية

قد يعجبك ايضا