جاعم
حسين محمد ناصر
أكاد أجزم القول أنه يستحيل أن تجد مواطنا يمنيا وخاصة في المحافظات الجنوبية لا يعرف أو يسمع عن مناضل وشخصية سياسية قيادية تتمتع بكاريزما ملفتة للنظر وبهيبة طاغية تدعى جاعم صالح محمد.
جاعم من مواليد أبين تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مديرية زنجبار وانتقل لدراسة الثانوية في عدن وتخرج مدرسا إلا أنه سرعان ما تفرغ للعمل السياسي في إطار الجبهة القومية وأصبح أحد قادتها في أبين وبعد الاستقلال بسنوات تحمل مسؤولية قيادة التنظيم بعموم المحافظة وعاصر عددا من محافظيها وكلهم عملوا تحت إشرافه وقيادته باعتباره المسؤول السياسي التنظيمي الأول الذين عادة ما يخضع لتوجيهاتهم السياسية كل المسؤولين بما فيهم المحافظ ومن المحافظين الذين عملوا معه عبدالله الجنيدي وناجي عثمان ومحمد علي أحمد كما عمل تحت قيادته كثير من وزراء اليوم والأمس حفر اسمه في قلوب الشباب والفلاحين والجنود والعمال والمرأة والطلاب بما فيهم زميلنا نائب مدير تحرير هذه الصحيفة جمال فاضل كما لم يستطع أحد من قبله أو بعده باستثناء محمد علي أحمد الذي يقاربه التأثير وذلك لما يتمتع به من حضور وثقافة وإدراك لهموم الناس وأوضاع المحافظة بمختلف قراها ومدنها بعيدة كانت أم قريبة.
كانت توجيهاته لا ترد ولا يستطيع كائن من كان مجرد مناقشتها للثقة الكبيرة بقدرته السياسية والإدارية ومعرفته للمصاعب والقضايا العامة بل كانت توجيهاته تخترق محافظات أخرى ويتم تنفيذها للعلاقة الوطيدة التي تربطه بمسؤولي تلك المحافظات وتساعده على ذلك عضويته في أعلى قمة حزبية في التنظيم عضو مكتب سياسيا ولا يزال الكثير من الطلاب يتذكر كيف كان جاعم يفاجئهم بحضوره المبكر في الطوابير الصباحية في المدارس ليقف أمام مستوى الحضور والانضباط آخذا تعهدات من المتأخرين بعدم تكرار التخلف عن موعد الطابور أما أن فكر الطلاب بالتغيب لأيام فذلك سيترتب عليه استدعاء أولياء أمورهم لكتابة ذلك التعهد بعدم السماح لأولادهم بالغياب وكذا الحال بالنسبة للموظفين والمزارعين الذين كانوا قد تعودوا علىى زيارات جاعم المفاجئة لهم والمستمرة.. في مرفق العمل في المزرعة والتعاونية ومعسكرات الجنود.. متفقدا أوضاع العمل ليلا ونهارا وهو الحال نفسه بالنسبة لمراكز ومديريات المحافظة.
كان من المثقفين المتميزين وكان قارئا ممتازا في شتى الجوانب الفكرية ملما بقضايا الوطن والعالم ومتابعا لأحداثه وفي المهرجانات واللقاءات والاجتماعات التي يحضرها كان متحدثا لبقا ويعتمد على الإلقاء الارتجالي مستخدما لمصطلحات حديثة ولكلمات غير مألوفة ومتداولة ينتقيها من قراءاته للكتب العلمية والأدبية وأشرف على إصدار مجلة في أبين تحولت إلى صحيفة بعد ذلك وأضحت تعرف بـ”الجديد” كان يراجع مواضيعها مضيفا لكلمة: أو مصححا كلمة كتبها صاحبها بالرفع بينما يفترض أن تكون منصوبة.
وبالرغم من عضويته في المكتب السياسي: أعلى هيئة قيادية في التنظيم آنذاك إلا أنه لم يغادر البلاد إلى الخارج للهوى مرة واحدة حينما سافر إلى بلغاريا في إطار وفد حزبي ترأسه الأمين العام عبدالفتاح إسماعيل, ولا يعرف له أحد أية زيارة غيرها.
كان من مؤسسي اتحاد الفلاحين ورأس اللجنة التحضيرية التي أشرفت على تأسيسه وأشرف على تأسيس الجمعيات التعاونية الزراعية والاستهلاكية الخاصة بالموظفين في أبين.
متواضع وحازم لا يتسامح مع قضايا الفساد والمفسدين محاربا للتكبر والروح البرجوازية ومحافظا للأنظمة والقوانين.
جاعم ملف كبير لا تتسع له هذه المساحة: له أخطاؤه بالتأكيد فلم يكن منزها عنها ولا يجوز لأحد الإدعاء أن تلك التجربة كانت كلها قد تمت بدون الأخطاء والسلبيات المميتة في بعض الأحيان والتي كان من الواجب أن لا تحدث ولا تتسبب في معاناة آخرين كانوا يتوقون لحياة أفضل وأمن واستقرار تحقق الكثير منه ثم مضى.
وكلماتنا هذه مجرد تحية لذكرى استشهاده التي ستصادف ذكرى اغتيال واستشهاد سالمين فقد استشهد في نفس اليوم 26 يونيو 1978م.