البحث العلمي والجوائز
يؤكد الأستاذ الجامعي وطبيب الأشعة الشهير مورتون مايرز في كتابه: «عراك من أجل الجوائز» أن الواقع والممارسات الملموسة لا تقدم البراهين على أن المعنيين يتسامون في تطلعاتهم من أجل الآخرين. بل هناك الكثير من الأسرار والخبايا في عالم الطب وغيره من الميادين العلمية. وهذا ما يثبته عبر تحليل الطريقة التي جرى فيها توزيع الاعتمادات المالية التي أدت إلى الاكتشافات العلمية مثل تطوير عقار «تيرومايسين» المضاد الحيوي الأول ضد مرض السل.
ويصل مؤلف الكتاب إلى حد القول إن هناك الكثير من الفضائح التي تجري في إطار مجالات البحث العلمي خلال الحقبة الحالية من الزمن كما في الماضي غير البعيد. وهذا من دون نسيان التشديد بشكل قاطع وحاسم بالمقابل على أن هناك رجال علم وباحثين في مختلف المشارب حافظوا باستمرار في كل الظروف على نزاهتهم وعلى أخلاقيات المهنة التي يعملون بها.
وبعد أن يشير المؤلف إلى الاعتقاد السائد عن حيادية رجال العلم والبحث العلمي. وكذا استقلاليتهم في الأعمال النبيلة التي يمارسونها من غير أن ينتظروا من وراء ذلك جزاء أو مكافأة يشرح كيف أن الأمور في الواقع أكثر تعقيدا وأقل براءة ونظافة من الشعارات المرفوعة. وأن رجال العلم مهما كانت مشاربهم العلمية ومستويات عملهم تمزقهم أحيانا الغيرة.
ويسهب المؤلف في تحليلاته عن الوجه المخبوء للعديد من الاكتشافات العلمية الكبرى.
ويشير المؤلف إلى أن رايموند داماريان أول من تصور إمكانية استخدام الرنين المغناطيسي في الحقل الطبي وأبلغ ذلك إلى الهيئات الطبية المعنية. ومطالبة داماريان بذلك تقوم على إسهامات عدة كان قد نشرها وعممها حول مجال البحث المقصود وحول اكتشاف وجود فارق واضح بين الرنين المغناطيسي بالنسبة للأنسجة الحية السليمة وبين الأنسجة الحية المرضية: السرطانية. وتلك المساهمات كانت في صلب استخدام التردد المغناطيسي في الكشف عن الأورام الخبيثة في مراحلها المبكرة وبالتالي زيادة احتمالات الشفاء منها.
ويستبعد المؤلف في تحليلاته الفكرة القائلة إن العاملين في الحقل العلمي يبحثون عن الاعتراف المعنوي على ما يقومون به من اكتشافات أو من تجديد في هذا الميدان أو ذاك. يكتب المؤلف في مقدمة هذا العمل أنه ينظر عامة إلى رجل العلم على أنه إنسان مستقل وموضوعي وغير متحيز. ثم يؤكد مباشرة أن الواقع يقول شيئا آخر غير ذلك. ويضيف: “المشروعات العلمية زاخرة بالمنافسة والمعارك والمظالم.. ورجال العلم يعانون من الصلف والجشع والغيرة والطمع مثل جميع البشر».
ولا يتردد المؤلف في توضيح حقيقة أن مسألة الإبداع هي أقرب إلى العلوم الإنسانية منه إلى العلوم بالمعنى الدقيق للكلمة.
وفي القسم الأخير من الكتاب يدرس مايرز حالات عيانية عن خلل في السلوك تطور إلى حروب ضارية في مجالات الاعتمادات الممنوحة للبحث العلمي. ومنها قصة سليمان واكسمان المهاجر الروسي إلى الولايات المتحدة عام 1901 المتخصص بعلم الجراثيم..
إذ انتهى به الأمر إلى اختراع مضاد حيوي يقتل الجراثيم التي عجز عنها مضاد “البنسلين” الحيوي. وفي المقابل حكاية الطالب المتخرج البير شاتز واكتشافه مضادا حيويا انطلاقا من عقار “ستروبتومايسين” لعلاج مرض السل. ولكن واكسمان قلل من أهمية مساهمة شاتز ورفع كثيرا من قيمة مساهماته فنال جائزة نوبل. واستخدم الأموال في إنشاء “معهد علم الجراثيم” في جامعة روتجيرز.
أما “شاتز” الذي كان قد منح الحقوق التي نالها عن اكتشاف الـ”سيتروبتومايسين” للجامعة نفسها تدخل في معركة قضائية لاسترجاع تلك الحقوق. لكنه وجد جميع الأبواب “تغلق أمامه” على أساس أنه خان أستاذه.
وبوجه عام يمثل الكتاب بحثا في دهاليز مجالات البحث العلمي مع توصيفه معارك النشاطات النبيلة والجوائز الكبرى.
المؤلف في سطور
مورتون مايرز. أستاذ شرف ورئيس قسم التصوير الشعاعي في كلية طلب في جامعة سوني الأميركية. وهو مؤلف كتاب عن “التصوير الشعاعي” عرف حتى الآن طبعته السادسة وترجم إلى لغات عالمية عدة. يتولى رئاسة تحرير مجلة «التصوير الشعاعي” ذات الشهرة العالمية.
الكتاب: حرب الجوائز.. السباق والمنافسة لنيل الفوز العلمي
المؤلف: مورتون مايرز
الناشر: بلغراف مكميلان- نيويورك 2012
الصفحات: 272 صفحة
القطع: المتوسط