عندما يغيب القانون!!
عبد الحليم سيف
ما من أحد في اليمن يتمنى شيئا.. أكثر من سيادة القانون ومطلب مشروع وبديهي كهذا ليس بجديد ولا وليد اليوم ولكنه مرفوع منذ زمن بعيد فقد ظل حيا في كل مراحل التاريخ وعلى وجه الخصوص إبان الثورة وقبل الوحدة وبعدها واليوم نسمع من يتحدث عن ضرورة تطبيق القانون على الكبير والصغير..الغني والفقير..الحاكم والمحكوم..الوزير والمدير..البرلماني والدبلوماسي .. زعيم الحزب وشيخ القبيلة..الضابط والمحافظ..الأستاذ والطالب.. الموظف والمواطن ..الصحافي والكاتب المهرب والمخرب وذلك من باب التجسيد الحي للقاعدة الذهبية :”الكل سواسية أمام القانون” أي لا فضل لأحد على غيره من البشر إلا بإعلاء روح القانون والحرص على تطبيق مبادئه ونصوصه ففيه إجبار على كل الناس .
وبالقطع عندما يشعر عامة الشعب أن رموز مراكز القوى اللاعبة بالتشريعات والدستور لخدمة مشاريعها قد اتعظوا من سوء سلوكهم وتصرفاتهم وفهموا جيدا أنهم وغيرهم ليسوا فوق القانون أيا يكن موقعهم ومكانتهم ودورهم وجبروتهم أعود وأقول.. عندما يغادر المتورطون في تمزيق اليمن “موقع الاستثناء” وكفوا عن انتهاك الاتفاق والقوانين التي تضمن الحياة العامة والعيش المشترك ساعتها سينحني الناس إجلالا وإكبارا لسيادة القانون وسيضرب الجميع تعظيم سلام تحية واحترام للقائمين على تنفيذه في كل مرفق ووزارة .. مؤسسة وشارع ..حي ومدينة ..مديرية وقرية في وضع كهذا سيشعر المواطن أن الدنيا بخير وحقه مصون ومحمي بقوة القانون .
إذن المشكلة في هذا البلد ليست القوانين وإنما في غياب تطبيقها من قبل من يشرع وينفذ ويحكم عند هذه النقطة تتولد الأخطار على امن الناس وحياتهم من “خطيئة الاستثناء” وان شئت الدقة من التعامل الناعم مع منتهكي القوانين والنظم المعمولة في كل مفاصل الدولة كما في الحياة العامة بحيث باتت مخالفة القانون ظاهرة سافرة لا تخطئها العين في مجتمعنا تصطدم بها في كل مكان تذهب إليه .
في هذا المضمار يمكن لي أن أسوق عشرات الأمثلة .. منها حمل الأسلحة في شوارع وأسواق العاصمة والمدن اليمنية بشكل يثير التقزز والقرف والقلق إذ يكرر المسلحون أخطاءهم القاتلة في حق المواطنين الأبرياء فبعضهم لمجرد أن يختلف مع بائع قات و صاحب مطعم بقصد الابتزاز أو كأن يوقفه جندي عند نقطة أمنية تجد “المسلح الجبان ” يضع يده على الزناد يطلق النار على غيره بشكل هستيري وحين تسأله عن فعلته الشنعاء يرد عليك بنخيط انه من أتباع الشيخ ” زعيط ” أو للنافذ “معيط” أما امتلاك منظمات “إرهابية” ومليشيات أحزاب وجماعات منفلتة ومتمردة على هيبة الدولة للدبابات والصواريخ وناقلات الجند وأجهزة اتصالات عسكرية متطورة فمسألة جد خطيرة على امن اليمن القومي !!
أيضا من شواهد الاستهانة بالقانون ما نراه في مخالفة السائق لآداب وقواعد المرور من عكس الخط إلى قطع الإشارات والتجاوزات والسرعة الجنونية والتوقف وسط الشارع لتبادل الحديث تعترض على احدهم يقود سيارته بخط معاكس أو يقطع رصيف المشاة..فيرد عليك “بزلطي “.. تضحك بسخرية وتساءل :”لماذا كل هذه العنجهية¿!.. وما إن يتوارى هذا المشهد العفن عن الأنظار حتى تشاهد طفلا مدللا لإبن ” كبير” يقود برعونة سيارة فارهة بدون رقم فيتسبب في حادث مروع يؤذي خلق الله في الشوارع ثم يفلت من العقاب وعندما تنتقد سلوكه أو تعاتبه أو تطالبه بالكف عن التهور والجنون يرد بحركة استفزازية تعكس أخلاقا بلطجية…!!.
وثمة مظهر ثالث للتعدي الصارخ على حرمة الحق العام يتسع في الخطوط الطويلة بين المحافظات بفوضى “المطبات ” العشوائية ..الخراسانية منها والترابية فهذا يستحدث مطبا في قلب الشارع للفت النظر إلى متجره أو مطعمه ..حتى بائع الفول الأخضر والجزر والبطاطة والقات له “مطبه” الخاص ولسان حاله يقول ما فيش أحد أحسن من أحد .. وفي شارع المدينة تصطدم بثلاثة “مطبات” أسمنتية من الحجم الكبير استحدثها رجل أعمال قبالة منزله الضخم الواقع على ثلاثة شوارع ..اللهم لا حسد وهذا صاحب قصر فخم يغلق مدخل الشارع أمام مستخدمي الطريق وحين تحاول المرور تجد من يعترضك وإن عبرت عن غضبك فسرعان ما يشهر السلاح نحو رأسك في وضع قتالي وهو يقول لك بصلف واستعلاء ” أنت ما تعرفش هذي بيت من…!¿ ” تخيل ثقافة مثل هذا السلوك الانحطاطي (¿!).
الخلاصة.. إن وضع اللا قانون وعدم اتخاذ إجراءات صارمة بحق العابثين والمستهترين والجهلة بالحق العام يغري أمثال هؤلاء المتخلفين عقليا على الاستمرار في نشر الفوضى وارتكاب الجرائم وا