عن معوقات النهوض الحضاري العربي
حسن أحمد اللوزي
لا يحتاج هذا الموضوع إلى أية مقدمة وعنوانه كاف ليدل على محتواه ويمكن استدعاء الواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي الماثل في الوطن العربي أثناء القراءة ليفي بتقديم الأدلة المطلوبة ويعين على استدعاء الشواهد والبراهين فضلا عن تصور الحالات المقصودة و لذلك سنعرض الموضوع في صورة عناوين أو نقاط محددة على النحو التالي:
أولا: الذهول أمام تدافع حركة التقدم من حولنا بسيطرة عوامل الثورة العلمية.. والثورة التكنولوجية و المعلوماتية و الميديا بصورة متوالية عجيبة ومدهشة و عدم امتلاك ناصية المعرفة العامة و المتخصصة في هذا الشأن وبالتالي استعصاء الفهم والتعلم أو التمثل والعجز عن المتابعة سوى في حالات التابع لما يمليه المتبوع والذي قد لا يسأل !
ثانيا: تركة التخلف التي لاتزال ضاربة بمخالبها في شتى جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية و الاقتصادية في كافة أقطار الوطن العربي وإن كان البعض منها يمتلك الثروة إلا أنه لا ينتجها باعتبار أن إنتاج الثروة هو عنوان الاقتدار الاقتصادي والتقدم الحضاري وليس مجرد تصدير المواد الخام سواء كانت زراعية أو صناعية لأن صناعة الثروة أمر مختلف وهو الإنتاجية بكل معانيها ! والأخطر في هذا الأمر هو الغفول والإهمال الشديد لأولوية التنمية البشرية مما أدى إلى شيوع الجهل والأمية بنسبة تجاوزت السبعين في المائة في بعض الأقطار العربية وما يرافق ذلك من البطالة وتدني مستوى المعيشة والارتفاع المرعب لنسبة الفقر وما يثمره ذلك من أدواء اجتماعية لحياة معدمة في أرض ممتدة من الماء إلى الماء متنوعة التضاريس والمناخات غنية بالثروات الطبيعية والبشرية والمادية وغيرها !
ثالثا : الخوف من الاجتهاد بكل صوره والعجز عن مواجهة المعضلات المتصلة بالجوانب التي تتطلب ذلك فقها وفكرا بل ومواقفها من أهم قضايا الحياة كالحرية والمساواة ومفهوم العدالة الاجتماعية و الوقوف على حافة هاوية الانقسام والتشرذم و الصراع المذهبي و الطائفي والعودة المذمومة لمصارع النعرات والعصبيات !
رابعا: الانجرار لتقليد الاتجاه الأسهل في التماثل مع الإبداع الثقافي و الإعلامي العالمي و استجلاب منتجاته و بخاصة الثقافة الرخيصة قيمة و قيما والاهتمام بكل مظاهر الاستهلاك!
خامسا: عدم التحديد الدقيق لجوهر العقيدة الدينية التي نؤمن بها ورفض الاعتراف بأصالة الروح الاجتهادية التي أثمرت المذاهب الفقهية بمقتضى الحاجة الحياتية وفق التزام الأصول المرعية! وفقدان الإيمان بالإنسان والعلم والحرية واضطراب معنى الأصالة و السلامة الفكرية و حقيقة العلاقة بالتراث الذي نحافظ عليه و نعمل على تجديده و انعدام الجهود التي يمكن بذلها بهدف الابتكار لما يمكن ان يصير تراثا جديدا للأجيال اللاحقة.
سادسا: انعدام رؤيتنا اليقينية أو الاستشرافية للمستقبل بصورته المبسطة و المتحررة من العقد ورهاب التغيير!
سابعا: استحكام مشاعر الخوف و عقدة النقص تجاه هيمنة الحضارة الغربية و حول الحاضر الذي تعيشه الأمة العربية والأقطار العربية كل على حدة ورفض الاستفادة من التقارير والدراسات التي تقيم وتدرس الواقع العربي أو تتمحور حول رؤيتنا لبنائه و تحكم عوامل الإحباط و المسلمات الجائرة ك (( ليس في الإمكان أبدع مما كان )) وكوصف كل جديد لا نعرفه أو لم نعهده بالبدعة !
ثامنا: إهمال التعامل الجدي مع العديد من نظريات بناء النهضة العربية الإسلامية فهي سابته في الأوراق و لا توجد إرادات صادقة لتبنيها في الواقع العملي و النضال من أجلها وهذا يقودنا إلى نوع من العداء لعطاء الفكر والثقافة والعمل المؤسسي الذي هو جوهر قوة الدولة المعاصرة والشخصية الاعتبارية الفاعلة
تاسعا: الاستهانة بالوقت وعامل الزمن في كل الأمور واللامبالاة تجاه فقدان الأشياء كبيرة أو صغيرة لا نقدر قيمتها أو نشعر بالخسارة دون أن نحاسب و نسأل لماذا¿! بينما الآخر يخطط وعلى المستوى الشخصي لكل ما يمكن يتم إنجازه أو يجب أن يفعله على مدار الأيام والأسابيع والشهور وامتداد العام ولا يستهين بأية مادة أو معنى أو حق !
عاشرا: الاندهاش من التجارب العظيمة الإنسانية القائمة في البناء والنهوض الحضاري لكثير من الشعوب والأمم التي استطاعت أن تهتدي إلى الطريق الصحيح لكننا لا نستطيع أن نستفيد منها بل نحاول أن نطلق عليها العديد من الأوصاف المعادية لها مثلما نفعل أيضا مع ميراثنا الايجابي في تجارب النهوض والتطور في الحضارة