رئيس يصنع الإنجاز وشعب يقهر المستحيل
بقلم/ رئيس التحرير
وأخيرا تمكن اليمنيون قيادة وأحزابا ومكونات مجتمعية من الانتصار للمستقبل وأسدلوا الستار على فصل طويل من الحوار الشاق والجاد والبناء في طريقهم إلى استكمال التأسيس لعهد مختلف يضع أوزار الماضي وراء ظهره متطلعا إلى يمن جديد تسوده قيم العدل والخير والحرية وصولا إلى تحقيق مجمل التطلعات الحضارية للأرض والإنسان.
لقد أنجزوا بالتوافق والوفاق وبالروح الوطنية التي سادت خلال أكثر من عشرة أشهر نقاشاتهم وحواراتهم أهم وثيقة وطنية شاملة في تاريخ البلاد لطالما كان الوصول إليها بمثابة الحلم المستحيل نظرا لحجم التحديات والصعوبات والعراقيل والمعوقات التي نثرتها ولا تزال قوى الشر في طريقها حتى تحول دون استقرار الوطن وتظل المتحكمة في قدر ومصير أبنائه.
كما أثبت الرئيس هادي لشعبه في الداخل وللعالم في الخارج في خضم هذا المسار الانتقالي الذي أوكلت إليه ملايين الناخبين مهمة قيادته أنه الرجل الوطني الحكيم والقائد الاستثنائي القوي الذي استطاع بصدقه وشجاعته وإخلاصه ترويض كم هائل من الصعاب والعقبات التي اعترضت طريق الحوار الوطني وحاول الواقفون وراءها إفشال العملية الانتقالية وهدم الأمل الأخير الذي كان اليمنيون قد تشبثوا به للخروج من مأزقهم الراهن صوب مستقبل وطني أكثر كرامة وتماسكا وأمنا وعدلا وإنسانية.
وقد تضمن خطاب الرئيس هادي أثناء ترؤسه أمس الجلسة الختامية للحوار والتي أقرت بالإجماع وثيقته النهائية وضمانات تنفيذ مخرجاته تشخيصا دقيقا للحالة الوطنية الراهنة كما تضمن أهم المحددات الوطنية والثوابت الرئيسة التي ستشكل معالم المستقبل القريب والبعيد للدولة الوطنية في ضوء مقررات الحوار ومن أهمها الحفاظ على الوحدة الوطنية وإرساء دولة القانون في اليمن الجديد.
غير أن الإشكالية الحقيقية التي تطرق إليها الرئيس أكثر من مرة تكمن في إصرار قوى الشر بمختلف توجهاتها واتجاهاتها على الاستمرار في نهجها لاغتيال الوطن وإجهاض آماله في التغيير وذلك يستدعي في المقام الأول تكاتف كل القوى الخيرة وتعاضدها لصد كل المخططات الرامية إلى شق وحدة الصف وإشاعة الفوضى وما قيام تلك القوى باغتيال عضو مؤتمر الحوار الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين مستبقة توقيعه أمس على وثيقة الحوار النهائية وضماناته إلا جزء من تلك المخططات الدنيئة.
ولاشك أن كل القوى الوطنية المشاركة في مؤتمر الحوار كانت على قدر المسؤولية الوطنية التي ساهمت في إنجاز وثيقته النهائية غير أنه من الواجب عليها أن تبذل جهدا أكبر خلال المرحلة المقبلة لمساندة الرئيس هادي ودعم أجهزة الدولة المختلفة لإنجاز بقية الخطوات المنصوص عليها في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وصولا إلى كتابة الدستور والاستفتاء عليه وإنجاز البنية القانونية لمؤسسات الدولة الاتحادية بعيدا عن الخطابات العدائية والكيدية ضد بعضها.
وكما أشار الرئيس هادي فإن اليمن لايزال في مفترق طرق ولا بد أن يصل إلى غايته الإيجابية من التغيير وهو ما لن يتحقق دون وجود اصطفاف وطني صادق يكفل تنفيذ مصفوفة القرارات والتوصيات التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني بسلاسة ويسر كي لاتبقى البلاد عالقة في دوامة الفوضى أو تظل نهبا لأيادي الفساد ومراكز الصراع على حساب مصلحة المواطن ونهضة الوطن.
ولا بأس من التذكير بأن كثيرا من المتابعين للشأن اليمني في الداخل والخارج كانوا يرون في نجاح الحوار الوطني ضربا من الخيال لجهة المعطيات الظاهرة للعيان من صعوبات اقتصادية وسياسية وتباينات اجتماعية وثقافية وما يتخلل كل ذلك من خلافات حادة وصراعات مسلحة وانقسامات في أجهزة الدولة إلا أنهم اليوم لن يملكوا سوى الانحناء احتراما لعزيمة اليمنيين وإصرارهم واعترافا بالجهود العظيمة والمخلصة التي بذلها الرئيس هادي للوصول إلى هذه اللحظة الراهنة على خارطة العملية الانتقالية.
وهذا النجاح بكل تأكيد يضاعف اليوم من مسؤولية جميع الأحزاب والقوى السياسية أمام الشعب والمجتمع الدولي ويفرض عليها خيارا واحدا هو المضي قدما في مسار التأسيس لليمن الجديد بموجب هذه الوثيقة الوطنية التاريخية كما أنه يحتم على مختلف سلطات الدولة أن تراجع أدواتها وأداءها في الآن نفسه لتكون أكثر حزما وإرادة في مجابهة الفوضى والقوى التي تقف خلفها خاصة وقد منحتها وثيقة الحوار الوطني تفويضا لا لبس فيه للقيام بما يجب عليها انتصارا للقانون وحماية للشعب وللمصلحة الوطنية.