قراءة في تقرير برلماني حول مشاريع المياه والصرف الصحي
محمد العريقي
عادة ما تفضي التقارير الميدانية عن كشف مشاكل مفزعة, قد لا يستوعبها أصحاب الشأن والمعنيون بمعالجتها, والقابعون على كراسي مكاتبهم, يخططون وينظرون, ويصرفون ويحولون الأموال لتنفيذ مشاريع في المحافظات, والمناطق البعيدة عن أعينهم, لا يتابعون ولا يقيمون , وكأن كل مهمتهم الكتابة على الورق ليس إلا, وتكرار أقوال بعيدة كل البعد عن جوهر المشاكل الأساسية التي تتكاثر في الواقع الميداني, وإذا زاروا وسمعوا وشاهدوا ولمسوا وتعرفوا عن أسباب تلك المشاكل فسرعان ما ينسون بعد ذلك .
التقرير الميداني الذي أعدته لجنة المياه والبيئة بمجلس النواب حول مشاريع المياه والصرف الصحي المدرجة في البرنامج الاستثماري للأعوام 2007- 2012 في تسع محافظات هي (أمانة العاصمة, عدن ,تعز, حضرموت ,الحديدة ,اب, حجة, ذمار ,عمران ,الضالع) يتضمن معلومات هامة, تكشف أن الكثير من تلك المشاريع عاجزة عن النهوض أو لم تؤد دورها بديمومة وكفاءة .
التقرير أعد بأسلوب مرتب ومتدرج منذ بداية جمع المعلومات من الجهات المعنية, مرورا باللقاءات المباشرة مع المختصين بالمحافظات والإطلاع على ما نفذ وما لم ينفذ من تلك المشاريع .
والجيد في التقرير أنه يتضمن جداول وبيانات حول المشاريع المدرجة في البرنامج الاستثماري للأعوام ( 2007- 2012م) وإجمالي المبالغ المعتمدة لها .
وأنا هنا لست لتحليل تلك الأرقام ولكن سأتطرق إلى أبرز الملاحظات والتوصيات الواردة في التقرير, منها مثلا ان هناك 157 مشروعا متعثرا والمرحلة من سنوات سابقة حتى العام 2012, وأن إجمالي المخصصات التي اعتمدت لمشاريع المياه والصرف الصحي في البرنامج الاستثماري للأعوام ( 2007-2012) وصل مبلغا إجماليا تقريبيا ( 293) مليار ريال معظم تلك المشاريع متعثرة وترحل من عام إلى آخر دون العمل على استكمالها, وهذه نقطة جديرة بالنقاش فأكثر المشاريع ينفق عليها مبالغ طائلة سواء عند إعداد الدراسات والمسوحات, أو عند بدء التنفيذ, ومن ثم يتوقف المشروع بسبب عوامل متعلق بالتمويل أو تبرز منازعات اجتماعية, وهناك مشاريع تنفذ حتى آخر مرحلة, فيتبين عدم جدواها, لأنها تقام في غير مكانها المناسب, وهذه ظاهرة تبرز فعلا في مشاريع المياه والصرف الصحي بشكل ملفت .
وهناك عدد من المشاريع لم يعتمد لها مخصصات في البرنامج الاستثماري وتم إسقاطها لعدد من السنوات وهي مشاريع لاتزال قيد التنفيذ مما يؤكد على الإهمال وعدم الجدية بالمشاريع التي تدرج في البرنامج الاستثمارية بالإضافة إلى أن هناك عددا من المشاريع الهامة اعتمدت لها مخصصات مالية لعدد من الأعوام ضمن البرامج الاستثمارية بمبالغ كبيرة في حين تدنت مخصصاتها بدرجة كبيرة ضمن البرنامج الاستثماري لعام 2008م والأعوام التي تليها مما يؤثر ذلك سلبا على استكمال تنفيذ المشاريع وهي في مراحلها الأخيرة ( وقد أورد التقرير نماذج لمثل تلك المشروعات).
وتطرق التقرير إلى قضية التباين في المشاريع المدرجة في البرنامج الاستثماري والمشاريع الواردة من بعض المؤسسات المحلية, حيث لوحظ أن المبالغ المخصصة لتلك المشاريع غير مطابقة أما بالنقص أو بالزيادة, بالإضافة إلى ان هناك بعض المشاريع لم تعتمد لها مخصصات في بعض السنوات في البرنامج الاستثماري في حين خصصت مبالغ لتلك المشاريع في بيانات المؤسسات والعكس مما يعني عدم الدقة والوضوح في المشاريع وعدم التنسيق الكامل مع الجهات ذات العلاقة تجاه مشاريع المياه والصرف الصحي التي تدرج في البرامج الاستثمارية .
وشيء جيد عملت اللجنة بهذا النزول الميداني, فقد أتيح لها الاطلاع على واقع الحال التي تعيشه مؤسسات المياه والصرف الصحي من خلال اللقاء المباشر مع المختصين واستمعت منهم كل ما يتعلق بمشاريع المياه والصرف الصحي, ومناقشة المشاكل والصعوبات التي تواجه تلك المشاريع, كما طرحت اللجنة عليهم العديد من الاستفسارات المتعلقة بمستوى تنفيذ مشاريع المياه والصرف الصحي المنجز منها والمتعثر, وأسباب التعثر والآلية المتبعة في تنفيذ المشاريع وعملية التنسيق التي تتم بين الجهات المختصة عند اعتماد وصيانة المشاريع وكذا نسبة تغطية السكان من خدمتي المياه والصرف الصحي بالإضافة إلى قيام اللجان بالإشراف على الوضع البيئي وعملية تصريف مياه الصرف الصحي ومعرفة الوضع القائم في الأحواض الجوفية المائية, ومدى تطبيق قانوني المياه وحماية البيئة, وكذا النزول المباشر للعديد من مشاريع المياه والصرف الصحي ( المنفذة, والتي هي قيد التنفيذ, والمتعثرة ).
ومجمل هذه الإجراءات تعكس الآلية المنهجية في التقييم وجمع المعلومات التي اتبعتها اللجنة, وهو ما يتطلب إعطاء