التعذيب ومحاكم التفتيش
لم تتوقف أوروبا أبدا عن النظر في ماضيها القريب منه والبعيد. والمؤرخ والأستاذ في جامعة «فانديربيلت» يعود إلى صفحة من نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر إذ يشكل المدعو فرانز شميت موضوع كتابه الأخير الذي يحمل عنوان «الجلاد المخلص».
من هو «فرانز شميت»¿
«فرانز شميت» المهنة «جلاد» خلال سنوات 1573 ـ 1617 كما يصفه مؤلف الكتاب. وبهذا المعنى ينتمي إلى تاريخ التعذيب الذي عرفته أوروبا على مدى قرون منذ فترة محاكم التفتيش. إذ أمضى 45 سنة من حياته في ممارسة مهنة «الجلاد المخلص» في مدينة نورنبيرغ الألمانية.
لكنه لم يكن مجرد قاتل وجلاد بل أيضا مهنيا محترفا عالي التأهيل في مجال ممارسة الدور المكلف به. وبهذا المعنى يمثل معنى مفهوم «العقاب الجسدي» بالنسبة للقائمين على النظام عامة وللقضاء خاصة في تلك الفترة من التاريخ الأوروبي.
ويبين المؤلف أنه لم يكن شميت يتطلع إلى أن يصبح قاتلا بل كان قد عالج آلاف المرضى في مدينة نورنبيرغ وضواحيها. ويلفت المؤلف هنا إلى أن غالبية الجلادين كانوا آنذاك أطباء أصلا يملكون معارف استثنائية عملية في تشريح الجسد الإنساني.
يحدد جويل هارينغتون القول: إن شميت أعدم خلال فترة خدمته 394 شخصا من الرجال والنساء والأطفال من الجنسين. بالإضافة إلى عمليات القتل التي نفذها مارس مختلف عمليات التعذيب والتشويه مثل الكي بالحديد الأحمر الحارق وبتر أعضاء الكثيرين ليترك لهم عاهات دائمة.. كان باستمرار مستعدا لتنفيذ حكم الموت وممارسة جميع أدوات القتل شنقا أو حرقا أو إغراقا أو عبر غير ذلك من الأدوات التي كانت معروفة في عصره. وهو يستحق بجدارة كما يصفه المؤلف توصيف «القاتل بالجملة».
يوضح المؤلف أنه شميت كان «الجلاد» يعمل تحت إمرة سلطات بلدة نورنبيرغ وكان يطيعها من دون أي نقاش أو حتى تفكير في النقاش. ويشرح المؤلف أن النظام القضائي السائد في بدايات القرن السابع عشر على الصعيد الأوروبي كله كان شديد الصرامة. وكانت خلفية تلك الصرامة هي تأكيد أنه لا يمكن التهاون في المسائل المتعلقة بـ«القيمة الرمزية» للعقاب. ومن هنا يصف المؤلف شميت بأنه كان رجلا شريفا يمارس مهنة تجلب العار لصاحبها بالتعريف.
ويشير المؤلف إلى أن من يمارس تنفيذ العقاب مثل شميت حينذاك كان يعتبر عمله من باب الإصلاح الاجتماعي المطلوب من خلال جعل العقاب الجسدي
يناقش هارنغتون في هذا السياق مفهوم العقاب في تلك الفترة من تطور النظام القضائي الأوروبي. ويلفت المؤلف هنا إلى أن العقاب الجسدي بالمعنى الدقيق والمحدد للكلمة كان هو الساري المفعول آنذاك.
وذلك عبر ممارستين رئيسيتين بالنسبة للحكم بالموت أولاهما ضرب رأس الذي يدان بحد السيف: «العقاب الأكثر نبلا» والثانية الإعدام شنقا: «العقاب المرتبط بالعار». ولم يكن عقاب اللجوء إلى سجن مرتكبي الجرائم بكل درجاتها ومستوياتها مطبقا في تلك الفترة من الزمن: «نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر» في أوروبا عامة.
المؤلف في سطور
جويل هارينغتون. مؤرخ متخصص في تاريخ ألمانيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. يعمل أستاذا للتاريخ في جامعة «فانديربيلت». سبق له أن قدم عملا عن «اليتامى والجانحين من الشباب» ودراسة عن «الزواج في فترة الإصلاح».
الكتاب: الجلاد المخلص – تأليف: جويل هارينغتون – الناشر: بودلي هيد – لندن 2013 – الصفحات: 285 صفحة – القطع: المتوسط