وللأيوبيين نصيبهم من سموم السياسية
أحمد الأحصب
عام 569هـ/1174م اجتاحت قوات الأيوبيين اليمن وابتلعت كل دولة وسلطناته قاد تلك الحملة توران شاه وهو أخ لصلاح الدين الأيوبي حاكم مصر. ولكن هذا لم يفتتن باليمن المعزولة والقصية وظل متعلقا بالطبيعة وجمالها في الشام ومصر. وبعد ملاطفة وترجي منه لأخيه صلاح الدين استمرت سنوات أذن له صلاح الدين بمغادرة اليمن. فلم يعد إليها. وكان عند مغادرته اليمن قد ترك الأمر لأربعة من قواده قسم بينهم مناطق اليمن وشؤونها. ولكنهم ما لبثوا أن حاربوا بعضهم البعض وساءت الأحوال لمدة تسع سنوات فأرسل صلاح الدين أخاه طغتكين عام 579هـ/1184م لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وكان طغتكين أكفأ الحكام الأيوبيين وربما من أكفأ الحكام الذين عرفهم اليمن. وقيل أنه توفي بالسم على يد الشيخ علي بن محمد المعروف بابن المعلم أحد المقربين منه. ونقل ابنه المسعود جثمانه إلى تعز وعمر بجانب قبره مدرسة.
بعد وفاة سيف الإسلام طغتكين تولى الأمر من ابنه إسماعيل (المعز). ولم يكن الشبل من ذاك السد إذ لم يتحل بصفات أبيه وكان أحمق أهوج. ومن دلائل ذلك إعلان نفسه خليفة للمسلمين وانتسابه إلى قريش. وكان حمقه وجنونه كفيلا بإفساد السياسة عليه وعلى دولته فخرج عنه قادة جنده الأكراد الذين تحالفوا مع أعدائه من الهاشميين (عبدالله بن حمزة) في شمال الشمال. وما لبثوا حتى قتلوه بأيديهم في زبيد. وكان ذلك عام 598هـ/1201م. وولي أخاه الناصر أيوب أمور دولة الأيوبيين ولكنه كان صغيرا.
أقام الناصر أيوب بن طغتكين غازي بن جبريل على بابه وجعله أستاذ داره بعد وفاة أتابكه سنقر. وكان سنقر هذا قد حكم باسم أيوب منذ وفاة أخيه إسماعيل وحتى العام 609هـ/1212م ويقول المؤرخون إن غازي هذا سقى الناصر السم فتوفى في صنعاء عام 611هـ/1214م. وتقول المصادر أيضا إن غازي بن جبريل هذا عامل الناس بالسم وأفنى الكثير ممن لا يتفق معهم من الأمراء.
في هذه الأثناء وحولها توفي الملك الناصر صلاح الدين في مصر وتولى أخوه العادل أبو بكر الأمر. ولما علم هذا بالذي جرى لأبناء أخيه في اليمن جهز حفيده المسعود صلاح الدين يوسف بن الملك الكامل محمد. وأرسله لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ولاية اليمن.
وصل المسعود إلى اليمن عام 612هـ /1215م. وظل مسيطرا على أمورها حتى العام 620هـ/ 1223م عندما غادر اليمن وقضى خارجها عامين ثم عاد ليغادر اليمن نهائيا بعد سنتين كان ذلك في شهر ربيع 626هـ/1228م. ووصل إلى مكة فمرض ومات (في جمادى الأولى سنة 626هـ) عن عمر 29 سنة. وقال الجندي انه مات مسموما ولم يذكر من الذي قام بتسميمه.