ثورية البردوني.. جذوة لم تنطفئ

 عبدالرحمن مراد


> ظل البردوني حاملا مشعل الثورة ولم تلن قناته دفاعا عن قيم الحق والعدل والخير والسلام وكان في جل مواقفه المعلنة في نظمه ونثره منحازا إلى الجموع الهادرة المتطلعة إلى حياة آمنة وغد يحمل تباشير الانتصار لطموحات الجماهير.
فبعد أن حلم بالثورة (في عتاب ووعيد) أفاق ذات فجر عنيد على حقيقتها فوجد نفسه راقصا ومتموجا على إيقاع المتقارب وهو ينشدها:
أفقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى.. إطربي
وبعد أن تحققت الثورة كحلم تطلع إلى حلم آخر
فكان أن حلم “بمدينة الغد”:
من دهور.. وأنت سحر العبارة
وانتظار المنى وحلم الإشارة
كنت بنت الغيوب دهرا فنمت
عن تجليك حشرجات الحضارة
نم عن فجرك الحنون ضجيج
ذاهل يلتظى.. ويمتص ناره
كل شيء وشى بميلادك المو
ـــعود واشتم دفئه واخضراره
بشرت قرية بلقياك أخرى
وحكت عنك نجمة لمنارة
سوف تأتين كالنبوءات كالأمـــ
ــطار كالصيف كانثيال الغضارة
تملأين الوجود عدلا رخيا
بعد جور مدجج بالحقارة
وكانت حرب السبع السنوات التي أعقبت الثورة بمثابة العقبات التي تعيق الحلم في تدفقه وإنسايبة مجراه فوقف من أولئك القاتلين للحلم موقف الرافض والناقد لها كما يتجلى ذلك في نص (صديق الرياح) الذي يقول فيه:
وغايته أن يدير الحروب
ويبتز أسواقها المربحة
وما دام فيه بقايا دم
فمن صالح الجيب أن يسفحه
يجود بأشلائه ولتكن
لـ «إبليس» أو «آدم» المصلحة.
وبرغم كل تلك العوائق والعقبات التي تقف حائلا أمام بلوغ الغايات وتحقيق الأمنيات يظل الأمل هو الرافد الحقيقي في تحقيق تطلعات الأنا الشاعرة والحالمة إذ نجده في نهاية النص يقول:
سيدنو فقد آن للسهد أن
ينام وللنوح أن يطربا
فعمر الرصاص كعمر سواه
وإن طال جاء لكي يذهبا
وقد يقمر الجو بعد اعتكار
وقد يبخل الأحمق الانجبا
ولم يكتف البردوني بالمظاهر الشكلية للثورة بل استغور الذات لقياس المتغير الثقافي كما في نص (ذكريات شيخين) والذي يؤكد فيه على جسامة المهام الثورية وفشل المسعى: يقول:
يا (علي) انظر ألاح المنتهى
لا انتهى المسعى ولا الساعي نجح
لم نعد نهنأ ولا نأسى ذوت
خضرة الأنس ذوت نار الترح
أو خبا الحس الذي كنا به
نطعم الحزن ونشتم الفرح
لم يعد شيء كما نألفه
فعلام الحزن أو فيما الفرح
دخلت صنعاء بابا ثانيا
ليتها تدري إلى أين افتتح
كان البردوني يؤمن أن حداثة المتغير ليس في ظاهر الشكل لكن في جدته وفرادة الرؤية التي يمتد منها لذلك فنحن ندرك من خلال قراءتنا لنصوصه ونثره تأكيده الدائم على أن التغيير امتداد مغاير لما هو كان لا انقطاع لذلك فقد أنكر تلك القيم والسلوكيات التي جلبتها الأنظمة أو الجمهوريات المتعاقبة مما هو مماثل لها كالثورة الفرنسية أو المصرية لذلك فهو ينتصر للإنسان تجاه الإجراءات التعسفية اللا إنسانية كما في نص (سفاح العمران) والذي يقول فيه:
سل ألف بيت عطلت
كفاك مهنتها الضنينة
كانت لأهليها متاجر
مثلهم صغرى أمينة
فطحنتها.. ونفيتهم
منú للضحايا المستكينة
أجرجتهم كاللاجئين
بلا معين أو معينة
وكنستهم تحت النهار
كطينة تجتر طينة
فمشوا بلا هدف بلا
زاد سوى الذكرى المهينة
يستصرخون الله والـ
«إنسان» والشمس الحزينة
وعيون أم النور خجـ
ــلى والضحى يدمي جبينه
والريح تنسج من عصير
الوحل قصتك المشينة.
فهو يرى أن العمران لا يأتي على حساب الإنسان في تدمير مقدراته وكل مقومات حياته وعيشه الذي يجب أن تضمنه السياسة بما يحقق له الأمن النفسي والاستقرار المعيشي والاجتماعي لذلك فالمظاهر ليست ذات قيمة لأنها لا تمتد إلى جوهر محدثه فيه تغيرا حضاريا وثقافيا واجتماعيا لذلك فقد أنكر كل هذه المظاهر الشكلية التي لا تمتد إلى جوهر العمل الثوري التطهيري ووقف الناقد من هذه الأشكال المظهرية كما في نص (بطاقة ـ موظف ـ متقاعد) الذي يقول فيه:
سمعت (بلندن والباستيل)
وأعياد (عيسى) و (بابا نويل)
تطورت سميت بنتي صباحا
دعوت المقهوي (مدير الهقيل)
تزوجت جانين قلت اذهبي
إلى النار يا بنت (ناجي ثعيل).
فالبردوني هنا لا يرى ثورية الثورة في الأخذ بالمظاهر الشكلية الحضارية المعاصرة ولا في الانقطاع عن المكون الحضاري والثقافي التاريخي ولكنه يرى أن ثورية الثورة يجب أن تتجسد في الإمتداد المتجدد لكل قيمنا الحضارية والثقافية بما يحفظ لنا هويتنا ويجس

قد يعجبك ايضا