(صنعاء غادة تنتظر الاستباحة )
د. ياسين عبدالعليم القباطي
كان الوقت ظهرا خرجنا من دكاننا سكننا عند صحبتنا من أنس نحمل ثيابنا متجهين إلى المصبانة ( المغسلة ) في الغيل الأسود مررنا بشارع جمال جزء من مدينة بير العزب التي بناها العثمانيون في القرن السادس عشر فيها دورهم ومنازل معاونيهم و قيادة جيشهم ومكاتب مؤسساتهم وأحاطوها بسور يتصل بسور صنعاء القديمة.
صنعاء الجميلة تموضعت في صحن واسع يمتد ما بين جبل نقم شرقا وجبل عيبان غربا شارع جمال على أرصفته بضائع مواد غذائية يعرضها شباب المقاومة الشعبية للبيع بالسعر الرسمي الذي تحدده وزارة التموين وهي بضائع أخرجت من مخازن سرية أخفاها التجار الجشعين المتوقعين قرب دخول القوات الملكية صنعاء معظم التجار يتملقون الثورات ولا يحبونها هم دائما مع الذي يسهل لهم الحصول على ربح وفير وتنشط التجارة في عهد الفساد والرشاوى تكلفة يدفعها المستهلك قوات قاسم منصر والمرتزقة بقيادة بوب دينار والجنرال سامايلي والجنرال كوندي تقترب بأسلحتها الحديثة من صنعاء وتوشك أن تحاصر صنعاء الوديعة التي حوصرت من قبل بقوات الأحباش والأتراك وقوات القبائل المناصرة للإمام أحمد بعد قتل والده عام 1948 أبناء صنعاء محتشدون للدفاع عن مدينتهم حتى لا يتكرر نهبها كما نهبت عام 1948 تناصرهم قوات المقاومة الشعبية القادمة من عدن وأبين وتعز والضالع وإب والبيضاء وذمار والحديدة وقد فتحوا طريق الحديدة صنعاء بقيادة أحمد عبد ربه العواضي ومساعدة من قبائل بني مطر.
قوات المتطوعين من الشعب إلى جانب الجيش الصاعقة والمظلات تستعد لردع الحصار المنتظر وقد بدأت القوات المصرية بالرحيل فمن سيرد قوات تدعمها السعودية ودول الغرب.
بميدان شرارة اسم على مسمى انطلقت منه شرارة ثورة سبتمبر كما أعدم هنا في هذا الميدان البطل العراقي جمال جميل أحد قادة ثورة 48 وقبل إعدامه قال للإمام أحمد ( لقد حبلناها وستلد ) فولدت ثورة 26 سبتمبر من ثورة 48 بقيادة البطل علي عبدالمغني وزملائه وهو أحد تلاميذ الشهيد جمال جميل العراقي الذي تخلص منه الجيش العراقي بعد اشتراكه في ثورة ضد نوري السعيد وأرسله مع ثلاثة من زملائه سنة 1930 حسب اتفاقية مع الإمام يحيى لتدريب جيشه وهو أول من جعل للقومية العربية ووحدة العرب واقعا وسطر حروفها الأولى بدمه في هذا الميدان عام 1948م.
أمامنا دار الشكر ودار السعادة قصور الأئمة المطرودين وخلفنا قصر البشائر آثار قصف الدبابات يوم 26 سبتمبر مازالت واضحة على واجهته على يسارنا قبة المتوكل وبستانه وأمامنا باب السباح وعلى أرصفة ميدان شرارة تنتشر قوات المقاومة الشعبية وحرس الحدود تبيع المواد التموينية للمواطنين اتجهنا يسارا لنصل إلى المصبانة بالغيل الأسود كنت خائفا وقلقا من وجود 37 قطعة ذهب في ثنايا الثياب الوسخة غير أن الدنانير اختفت تماما لا أعرف كيف أخرجها عبدالولي وأخفاها دون علمي .
الغيل الأسود لا يعرف له تاريخ واضح ومتى حفرت مجاريه من منبعه في حدة إلى صنعاء ومعروف أن الإمام المتوكل على الله القاسم بن حسين هو من رممه مابين عام 1716 وعام 1727 حين بنى جامعه وقبته وحمامه وبستانه وقصوره في بستان المتوكل ولم يدعöي المتوكل ملكيته للغيل الأسود و في عهد المهدي عباس بعده بخمسين سنة تم حفر الغيل مرة أخرى وأدعى المهدي ملكيته للغيل بعد ترميمه من حرö ماله فعارضه العلامة محمد بن إسماعيل الأمير وبقي الغيل ملكا مشاعا لسكان صنعاء.
على المصبانة الناس يستحمون ويغسلون ثيابهم من مياه الغيل الأسود معظمهم طلبة ساكنون في مدرسة جمال جميل الداخلية الواقعة في ميدان التحرير. غسلنا ثيابنا وضحيناها على الحشيش الأخضر معرضينها للشمس تنشفها. وقعدت على ضفة الغيل الأسودالذي يجري بعمق عشرة أمتار تحت أرض صنعاء قادما من حدة يروي كثيرا من البساتين والحمامات والآبار يعبر أسفل باب السبح ليسقي حقول ومزارع أرض شعوب.
يتحدث الجمع في الغيل الأسود عن بطل اسمه الملازم محمد مهيوب الوحش قاد سرية لتفجير مخازن أسلحة الملكيين في جبل الطويل نجح في مهمته وعاد إلى صنعاء رغم وجود قوات الملكيين في الأزرقين وقرب مطار الرحبة وفي جبل الصمع تناصرهم السبع القبائل التي تحيط بصنعاء عدا بني مطر. كان الطلبة بالذات يتحدثون عن بطولات المقاومة الشعبية وعن زعماء الحكومة ووزرائها المحبوسين في مصر وعن خيانة بعض سكان صنعاء الخائفين من عودة الملكية وأن بعضهم من المؤيدين للملكية يسرقون الأسلحة من مخازن الجيش الجمهوري ويسلمونها ليلا للقوات الملكية الناس يعيشون حالة رعب من أن تهزم قوات الثورة وتعود الملكية فتستباح بيوتهم في صنعاء لهذا انضم كثي